سأستعرض اليوم الفارق بين جيلنا بالأمس، وجيل اليوم، وعندي شعور أن الجيل الجديد، لن يصدق بعض القصص التي سأوردها من الماضي، كما أن جيلنا مازال غير مصدق، لما وصلت إليه الأمور اليوم، ودعوني أفصّل: بالأمس: كانت العائلة التي تسكن المدن، تعيش في بيت طيني، لا تتجاوز مساحته مائة متر مربع، ويسكن فيه كل من الجد، والجدة، والأبناء، وزوجاتهم، وأولادهم، ولكل عائلة غرفة واحدة فقط، يفرشون فيها الفرش، لغرض النوم، ثم تجنّب الفرش، لغرض إيجاد مساحة جلوس خلال النهار، أما في ليالي الصيف، فالجميع ينتقل إلى السطوح، للحصول على بعض النسمات، وبالرغم من وجود جدران قصيرة، تفصل بين سطح، وآخر، إلا أن الخصوصية كانت معدومة!! بالأمس: ذات العائلة، وبالأصح العوائل، التي تسكن في ذلك المنزل، وبسبب ضيق المساحة، فإن ذلك يخلق منافسات بين الأطفال، مما يؤدي إلى تلاسنات بين الأمهات، ولا يتوقفن عن الشجار، إلا إذا تدخل أحد الآباء، وأطلق تهديده المجلجل، بأنه إذا لم تتوقف زوجته عن مناكفة الأخريات، فإنه سيطلّقها، ويتكرر ذلك المشهد يومياً!! بالأمس: كانت مادة السكر تحفظ في حرز مكين، لأن الأطفال يحبون الحلى، وليس لديهم مصروف جيب لشراء حلوى، أو آيسكريم!! بالأمس: كان إقتناء البرتقال هو كدواء للمريض (نعرف اليوم أنه فيتامين سي)، ولذلك متى ما شاهد الجيران قشور البرتقال خارج منزل أحدهم، استطلعوا، وسألوا: عسى ما شر؟ من هو المريض؟ بالأمس: كانت البيئة غير نظيفة صحياً، وقد يمرض الكثير من الأطفال، ولكنه كانت تتكون لديهم مناعة طبيعية، لا يحصل عليها أطفال اليوم، الذين يعيّشهم أهاليهم داخل فقاعات زجاجية!! بالأمس: لم تكن لدينا وسائل ترفيه، مثلما هو موجود اليوم، ولذلك توجهنا بشغف إلى القراءة، بدءاً بسيرة ابن هشام عن فترة الرسالة المحمدية، والخلافة الراشدة، ثم باقي كتب التاريخ، ومعها شعر المعلقات، وشعراء التاريخ الإسلامي (جرير، الفرزدق، أبو العتاهية، أبو العلاء المعري، أبو تمام، البحتري، وأعظم شاعر عربي: أبو الطيب المتنبي). وقرأنا مختلف القصص للمنفلوطي، وفيكتور هوجو، وغيرهما. بل وقرأنا لشعراء الشعر النبطي، من أمثال الشريف بركات، والعوني، والهزاني، وابن لعبون، والقاضي... إلخ. اكتفي بهذا القدر من قصص الأمس، لكي أصل إلى الحاضر: اليوم: دخلت حياتنا، مصطلحات، وأنشطة، تتعلق بتخفيف الوزن، ومنها عمليات الشفط، والتكميم، والتحويل، والحلقة لتصغير المعدة، وقد فقد عدد من الشباب، والشابات، حياتهم، بسبب مضاعفات تلك العمليات، وكل عملية تكلّف ما لا يقل عن (50) ألف ريال. اليوم: وبسبب تلك السمنة المفرطة، أصبح لدينا أطباء ناجحون في تلك العمليات، يقوم كل منهم بما لا يقل عن خمس عمليات يومياً، أي أن دخل الطبيب، المركز الطبي، لا يقل عن (250) ألف ريال يومياً، أو (7) ملايين ريال شهرياً، و(70) مليون ريال سنوياً، كلها بسبب إهمال هذا الجيل للرياضة، وعدم اعتماد أكل صحي، ومتوازن!! اليوم: الجميع منشغل بوسائل التواصل الإجتماعي، والإحصائيات، وهي دقيقة، تقول، أنه مع فارق عدد السكان بين البرازيل والسعودية، فإن الفرد السعودي هو أكثر شعوب العالم استخداماً لتلك الوسائل، وهذا يثير سؤالاً مهماً: أين سينتهي بنا الأمر بعد سنوات قليلة؟ هل سنصبح شعباً لا يعرف أن يتكلم، أو يعبّر عن نفسه، إلا من خلال جهاز الجوال؟! ومن سيقرأ بعد اليوم، سوى تلك الرسائل التي لا أحد يعرف مصدرها؟ أو مصداقيتها؟ شخصياً، وكما هو متوقع ممن هو مثلي، أنني لو خيّرت بين الحياة التي بدأت صعبة لنا، ثم بدأت بالتحسن التدريجي، لفضّلتها على أسلوب الحياة اليوم، ولكنني أتمنى أن أسمع وجهة نظر الجيل الجديد في تفنيد ما قلت، وأن يوضحوا لي، أنه بالرغم من الترهل الجسماني للكثير منهم، فإن عقولهم مازالت تعمل، وتعطي!! كل ذلك بالرغم مما تعلمناه من أن «العقل السليم، في الجسم السليم»!! [email protected]