كل مساء أرنو من شرفتي إلى الشارع، عَلّي أجد طيفك يمر, يعطّر سمائي؛ التي منذ رحلت لم يعرف الصفاء لها طريقاً، أرشف من فنجان قهوتي رشفة، يرتعش جسدي بها، القهوة ليست من مشروباتي، لكني أحتسيها لأظل مستيقظة في انتظار وقع أقدامك في قلبي، قبل أن تقع على أرض شارعي. أجلس دون حركة في ركن شرفتي، على كرسي قد ملّني، أشعر أنه كل ليلة يريد قذفي بعيداً، يفرح عندما أهمُّ بالقيام، يهزأ مني، يقول ألا تفهمين لقد رحل وأنت باقية هنا، هل ستقضي عمرك في انتظار من لا يجيء أبداً؟ أتململ في مقعدي، أغيظ كرسيي، أُطيل السهر؛ حتى تذهب النجوم إلى مخدعها، تأبى الشمس الانتظار تشرق على تمثال به حياة، متخشب منذ المساء، تيبست مفاصله، الجلوس قد أفنى شبابه، فما بالك بالانتظار, وهل لي عقل؟! لقد ألغيت العقل حتى أهنأ بالانتظار. يمر النهار سريعاً رغم طوله؛ إلاّ أنني أمضيه في كتابة رسائلي إليه، وتحضير حمامه وملابسه وطعامه، علّه يأتي فلا أنشغل عنه بشيء، ولا يجدني قد نسيت شيء، عشقت دوامة ليلي ونهاري وانتظاري، ولكن المساكن ما تزال في الليل صامتة، والشارع خالي من نبضات نسمة هواء، تحرك السكون الذي أنسدل على الأحياء جميعها، إلا قلبي، لم يسكن داخل صدري، مشتاق وقد لوعه الانتظار, ولكنه يأبى الخضوع، يأبى التسليم، قلبي قد عشق العناد، مرّت ليالي العمر, وليلة جاء في ركب أبيض منير، فأخذني حيث هو، أخذني إلى السماء.