حنان بنت عبدالعزيز آل سيف «لمحات من الذكريات» تأليف: الأديب القدير الأستاذ/ عبدالعزيز بن عبدالله الخويطر الجزء الثامن والعشرون قراءة: حنان بنت عبدالعزيز آل سيف - بنت الأعشى - تمثل التراجم الذاتية شكلاً من أشكال الكتابة الأدبية التوثيقية، وهي منجز أدبي رفيع، والحياة لا بد لها من ذكريات في أي ناحية من النواحي العلمية أو الاجتماعية أو السياسية، وتعد التراجم الذاتية حصيلة تجارب الحياة، لا سيما عند البارزين والنابهين من أصحاب الصول والجول والذين كان لهم دور مؤثر ومتميز في مجتمعاتهم، وحرصوا على هذا الدور وعبروا عنه بكل مصداقية، فجاءت تراجمهم الذاتية قطعاً أدبية فنية رائعة ومتميزة، في طبيعتها تفرد وأصالة، وفي عرضها بسط وتحليل ودرس لأفكار الحياة، وفلسفة البقاء، وعبقرية الخلود، وغربال الزمان، ومد النفس وجزرها وقواها وخباياها وخفاياها، وفارسها وقائدها شخصية معقدة بنفسه وأصالتها مدركة للغز الوجود، تهدف إلى بناء الحياة من جديد، وصياغة المواقف والأحداث التي خاض البطل غمارها، رعاش في خضمها، وكان شاهداً عليها، وتأتي هذه الصياغة بكل واقعية وموضوعية وحياد تام ووعي ونضج، وبين يديّ الجزء الثامن والعشرين من ذكريات الوزير الأديب عبدالعزيز بن عبدالله الخويطر - يحفظه الله ويرعاه - وهو جزء حافل تربو صفحاته عن خمسمائة ورقة من القطع الكبير، وقد رسم فيه الحقيقة، وصور الواقع، وحكى الحدث، وتأتي هذه السمات منبثقة من عنوان السيرة الخويطرية «رسم على أديم الزمن» يقول - حفظه الله - في إرهاصة الكتاب ما يأتي: (هذا هو الجزء الثامن والعشرون من كتابي: «وسم على أديم الزمن» «لمحات من الذكريات»، أعان الله سبحانه وتعالى على إنهائه وقد روعي فيه ما سبق أن روعي في الأجزاء السابقة من هذه السلسلة فجاء مماثلاً لها في النهج، ومشابها لها في السير، ويحذو حذوها في تبيان ما مرّ بي في جزء من السنة «1410» والسنة «1411» بكاملها، سواء كان ما مرّ في الدائرة التي كنا نحرص أن تبقى منتظمة، وهناك الأمور الرسمية التي سجلت وقائعها محاولاً إعطاء فكرة متكاملة عن سير العمل سواء في الوزارة التي أشغلها أو الاجتماعات التي أحضرها أو المؤتمرات التي أشارك فيها، أو الرسائل التي أحملها أو اللجان الفرعية أو التحضيرية التي تعقد تحت مظلة لجنة أعلى، لتقوم بدراسة ما قد وكل إليها من أمر يحتاج إلى تقص وبحث). وخويطرنا الفذ الفريد حاول أن يرسم الصورة بشكل واضح، وأن يأتي بالأفكار متكاملة، فيها صدق وصراحة، ولكنه صدق لا يجرح وينير دون أن يغشى البصر والبصيرة، ثم له في اعترافاته تبرير وتسويغ حيث يقول: (لم أكن لأترك ما قد يراه بعض الناس أنه ليس بذي قيمة، مثل وصفي لوجبة أكلتها، أو سن تابعت مع الطبيب حالته، أو دعوة ودعوة ودعوة أقيمت بين الأصدقاء والأحبة، وليس فيها ما قد يجد القارئ فيه ما يشفي غليله، ولكن لا بد من هذا، لأنها جزء من حياتي، وأخذت وقتاً منها، ألا يستحق هذا أن يذكر، وما قد يرى اليوم أنه ليس بذي قيمة، سيكون بعد سنوات ذا قيمة عند باحث تركز بحثه على هذا وأمثاله)، وهذا الجزء فيه جدة وحداثة في المحتوى والنهج والأسلوب والترتيب، فهو يتسم بالمذكرات الشهرية، التي يدرج فيها حكماً وأبياتاً شعرية مضيئة، وهذه الحكم والمعاني يطرقها الخويطر بأشكال متعددة، وأساليب مختلفة، سواء أجاءت بشعر عربي فصيح، أو بنظم نبطي عامي شعبي، ويعلل الخويطر الإيراد بأنه من جانب الأمانة العلمية البحثية، ثم إن عام «1411» شهد حدثاً عالمياً كبيراً، وهو غزو العراق للكويت، ويصفه المؤلف بقوله: (كان هزة عنيفة ليس في الأمور المادية فحسب، ولكن في اهتزاز صورة الحضارة في عين العالم المراقب، لقد كان في هذه الخطوة من العراق افتئات على الحقائق، واستهتار بالقيم، من مجموعة كل مقومات وجودها القوة الشوهاء، لا ثقافة لدى أهلها، ولا عمق تربية، ولا خوف من الله، ولا يقظة ضمير). وتتجلى صفة المصداقية وسمة الصراحة عند الخويطر، فهو يرى أن هناك حقائق قد لا يظهرها الكاتب والسبب من وجهة نظره هو أن في ذكرها والإدلاء بها ضرراً أكبر من النفع، ولكن طرافة الحادثة وظرافتها هي العامل الأساسي في الإتيان بها مما يضطره إلى حجب أسماء المعنيين، فهو بطبيعة حاله يرسم الحقيقة كما يراها، وفي الحدود التي يعرفها فيها، وضمن إمكاناته العلمية والاجتماعية والسياسية، مما غدى بحقائق الكتاب وتصريحاته نصاً مرجعياً للأحداث التاريخية والعلمية والاجتماعية والإنسانية التي عاصرها الخويطر وعصرها وذلك لأنه محكوم بأطر عقلية اجتماعية علمية بيئية لا يستطيع تجاوزها أو التغافل عنها، وكل هذا جاء وفق ترتيب محكم، وتطور متنام، لا خلخلة فيه أو ثغرات أو قفزات، وقد حرص الخويطر - رعاه الله - على التعاقب الزمني في سرده لذكرياته، وخطة لانطباعاته، حيث جاء الوسم على أديم الزمن بهوية أدبية وأصالة معرفية، بأسلوب جذاب، وسرد فني رفيع المستوى، وبأنموذج مبين متين، يتضح فيه نقاء الخويطر ومثاليته الروحية، حيث تمكن من رسم أبعاد ذاته، وحدود شخصيته بجوانبها المتباينة من أدب وسياسة وفكر واجتماع ووزارة وليس على الله بمستبعد أن يجمع العالم في واحد، والسؤال الوارد الذي يطرح نفسه على متذوق الكتاب هو: هل استطاع الخويطر أن يرسم ذاته؟ ثم هل استطاع من خلال هذه الترجمة الذاتية، أن يسوق ماض قديم، وذكريات سالفة؟ وأخيراً: فالإجابة على السؤال السالف في ذمة القارئ لهذه الذكريات، والناظر في هذه اللمحات. بقي أن أقول إن هذه الذكريات جاءت رواية أدبية تاريخية اجتماعية سياسية، وقد وصل عدد أجزائها حتى وقت كتابة هذه الإطلالة إلى ثمان وعشرين جزءاً، وهي ما تزال تحمل الكثير وتخفي الكثير، وقد تجلت فيها عقلانية الخويطر وعلميته، وقد بلغ حداً من التفوق لا ينازع فيه بعيداً كل البعد عن الافتعال والتعسف ورصف الحقائق وصف الكلمات، وفي الكتاب وقفات جميلات، ومحطات رائعات وهي كثير، ومن أجملها ما كتبه الخويطر عن العقل وهي مقالة حاذقة تصف الخويطر بحده وحديده، وقليله وكثيره وغيضه وفيضه. عنوان التوصل (ص. ب 54753 الرياض 11524 فاكس 2177739) hanan.al [email protected]