«الجزء السادس والعشرون» تأليف: معالي الوزير الدكتور/ عبد العزيز بن عبد الله الخويطر قراءة: حنان بنت عبد العزيز آل سيف - بنت الأعشى - ط1 - 1433ه - 2012م - مطبعة سفير الرياض - عمرها الله جاءت ذكريات معالي الدكتور الأديب عبد العزيز بن عبد الله الخويطر في ترجمته الذاتية (وسم على أديم الزمن) حافلة بالشخصيات والأحداث الخارجية، والتجارب الاجتماعية، وقد جاءت في سرد زمني متسلسل وهي تكتب على صورة استرجاع عني فيها بتصوير البيئة والمجتمع والمشاهدات، وهذه الذكريات يتم استرجاعها من مفكرة قديمة أزلية عند فارس الذكريات، كذلك تأتي من قبل الاعتماد على الذاكرة. فهو يسترجع أحداثاً أساسية وثانوية ويرسم بريشة الوسم دقائق من حياته، والجديد في استرجاع أحداث هذه السيرة اعتماد المؤلف على مفكرة قديمة يسجل فيها ما يود إثباته، في حين أن الذكريات تعتمد على الذاكرة لفترة قد تطول أو تقصر، على عكس المذكرات التي يلجأ فيها المؤلف إلى أشياء مكتوبة، ومعلومات مدونة، يقول معاليه في ناصية الكتاب: (هذا هو الجزء السادس والعشرون من كتابي وسم على أديم الزمن، لمحات من الذكريات وهو مثل سابقه يتحدث عن حياتي الخاصة والرسمية في حقبة عملي في وزارة التربية والتعليم «المعارف سابقاً» في الأعوام 1406ه ، 1407ه ، 1408ه هي سنوات لها ما يميزها نتيجة التنمية والتطور، والصلة بالعالم، وقد حافظت في هذا الجزء، كما حافظت في الأجزاء السابقة على الصورة المتكاملة لحياتي الخاصة ولعملي ولما يجري في المجتمع الذي يحكمني وأتحرك في حدوده، لأني أشعر أن ما أكتبه هو تاريخ، ولعل المذكرات الشخصية تكون أهم مصدر للتاريخ إذا اتسمت برسم صورة حقيقية للشخص ومجتمعه وجاءت أمنية لا تحيز لدى صاحبها، ولا عنصرية ولا عصبية وإنما يبهجه قول الحق). ويسترسل معاليه في القول، وله كلام جميل عن المذكرات الشخصية جاء فيه: (إن كتابة المذكرات الشخصية فن قائم بذاته بجانب الفنون الأخرى، التي يتصدى لها الكتاب، ويكتب كاتبها أحياناً بسرعة مذهلة، لأن الأرض التي يقف عليها أو يسير فيها، ممهدة تشجع على السير في هذا الفن وتحثه على السرعة فيه، ومحاولة اكتمال جميع الجوانب التي يتطلع إليها من صاحب المذكرات، وأحياناً يحتاج الكاتب إلى التأني، والسير بتؤدة لأن الأرض التي يطرقها لا تخلو من الأشواك فهو لا يريد أن يحرج أحداً أو يثيره، وفي الوقت نفسه الحقيقة مغرية فيقف حائراً وهو الذي جاء ليقول الحقيقة فيوفق أحياناً إلى الوصول إلى رأي سديد لا يضيع الحقيقة، ولا يحرج من جاء الحديث عنه، و(ما لا يدرك كله لا يترك جله) فالحقيقة بهيكلها العظمي يؤتي بها، ولكن الأسماء تبقى محجوبة، وبهذا لا يستطيع أن يحتج أحد، لأن احتجاجه إقرار بأن ما حجب هو في الحقيقة عنه، لأن الكاتب أتقن السير في هذه الغابة المتشابكة الأشجار والأغصان). ومن خلال الحديث السابق يتبين أن مسألة الصدق المحض في الترجمة الذاتية - رغم أنها أصدق الفنون الأدبية في تصوير الإنسان ورسم القسمات الهامة في رسم شخصيته - هو مجرد محاولة وهو صدق نسبي وليس شيئاً متحققاً وواقعاً، يقول الدكتور يحيى إبراهيم عبد الدايم ما نصه: (هناك عوائق تعترض سبيل المترجم لنفسه، وتحول بينه وبين نقل الحقيقة الخالصة، ومن هذه العوائق أن الحياة نسيج صنعت خيوطه من حقيقة وخيال، وحياتنا وأفكارنا تصنع بعض أجزائها من وحي الخيال، والحقيقة المجردة شأنها في هذا السبيل شأن الخيال البحت كلاهما يختفي من الترجمة الذاتية، ومن عوامل تشويه الحقيقة أيضاً عوامل واعية إرادية كالتزييف والتمويه حين يعمد كاتب الترجمة الذاتية إلى إخفاء ذاته أو إلى العجب بها، ليرسم لنفسه إحدى الصورتين؛ المتواضعة المنكرة للذات، أو المزهوة المعجبة المغالية في تمجيد (الأنا) ورسم شكل أسطوري للذاتية تتوارى تحت سطحها المزدان بألوان التواضع والصراحة، مادة كثيفة من الغرور والتعاطف الذي يغذي الأنا، ولذا كانت (الاعترافات) المكشوفة خارجة عن نهج الحقيقة الكاملة، وحائدة عن طريقها السوي الصحيح). وعن رسم الحقيقة وتبيين الصورة الصحيحة، يقول المؤلف الكريم - حفظه الله -: (من الأمور التي تحتاج من الكاتب إلى أناة - خاصة في زمننا هذا - وهو زمن يتسم في وسائل الإعلام بالإثارة، ولا بأس عندهم من ذبح الحقيقة وسلخها ما دامت تدهش القارئ أو المشاهد نسبتها إلى ما قيل في وسائل الإعلام ولا يحكم الكاتب حكماً جازماً إلا بعد أن تتبين الحقيقة). وفي هذا يقول: (إن هذا ما كان يقال فيبعد عن نفسه تهمة الجزم بما لم يكن فيه جزم، وقد يتضح هذا في حوادث الشهر التي تأتي في هذا الجزء عند نهاية الشهر، وهي في الغالب عالمية صال الإعلام فيها وجال، ولا يتركها الإعلام حتى يأتي أمر مثير آخر يشغلها وتبدأ الجهود في الإثارة والجذب). ومن جهة نظر المؤلف أن المذكرات تأتي لتري ابن اليوم ما كان عليه ابن الأمس، وأصبح ما يكتب عن الماضي لا يكاد يصدق من ابن اليوم، ويسترسل معاليه في تناول هذه الناحية بقوله: (الآن وصلنا إلى زمن يعرف فيه كثيراً من الأمور التي يحتاج إلى معرفتها وهو الآن يعرفها جيداً، ويحرص على متابعة التطور والنمو المدهش السريع، خاصة في أمور التكنولوجيا، التي أصبحت تدخل في كل أمر من أموره تقريباً). والخويطر قارئ للتراث من نمط أول، وعلى درجة عالية، ففي بعض الشهور التي مرت بنا، يسوق لنا أسماء الكتب الأدبية والتراثية التي قرأها، وهي التالية: (النظرات) للمنفلوطي، و(نزهة الألباء) لابن الأنباري، و(عقلاء المجانين) للنيسابوري، و(التطفيل) للخطيب البغدادي و(المراح في المزاح) للغزي. ولمعاليه وقفات تربوية هادفة، وأنت أيها القارئ الكريم تستهويك التربية حين تصغي لحديث الخويطر عن الوعي واحترام النظام، وأن هذا عادة يعود الطفل عليها منذ الصغر يقول: (الوعي الوطني واحترام النظام لا يغرس غرساً ولكنه يستنبت من بذرة صغيرة، تصبح بعد مدة عيدانه أطول من البيت، وهذا الأمر يبدأ مع الطفل في بيته، يعود على النظام، إذا أشعل النور عليه أن يطفئه، وكذلك المكيف إذا فتح الباب فعليه أن يغلقه، وإذا نودي فعليه أن يسرع بالاستجابة، إذا قيل له هذا خطر فعليه أن يتجنبه وهكذا في كل صغيرة وكبيرة، قرأت أو سمعت عن رجل ياباني هو وزوجه يمشيان في الطريق، وخلفهما ابنان يسيران، وكأنهما جنديان، لا يميل أحدهما إلى اليمين أو اليسار، أو يأتيان بما يلفت النظر عادة من بعض الأولاد الذين لم يربوا هذه التربية). مراجع المقالة: - التربية الذاتية في الأدب العربي الحديث، ط: دار النهضة العربية، بيروت المحروسة. لبنان. - السيرة الذاتية في الأدب السعودي، د. عبد الله بن عبد الرحمن الحيدري، ط2 دار طويق 1424ه. عنوان المراسلة: ص.ب 54753 الرياض 11524 - فاكس 2177739 [email protected]