تذكرت مقولة الإمام أحمد رحمه الله حينما قال موعدهم الجنائز تذكرت ذلك في جنازة الفقيد الغالي أبي فهد فوزان الفهد حيث الجموع الكبيرة في المسجد وفي المقبرة الذين يظهر عليهم التأثر، وهذا علامة على أن لهذا الرجل عملاً خفياً أحبه الناس من أجله، وبعد أن تكشفت الأمور علمت أن هذا الرجل صاحب يد منفقة يعول أسراً كثيرةً ويبذل للجمعيات الخيرية بذلاً سخياً، وقد وظَّف جاهه في مشاريع كثيرة لهذه الجمعيات فجزاه الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء. إنه الموت الذي لا ينجو منه أحد يموت الصالحون ويموت الطالحون، ويموت الأخيار ويموت الأشرار، يموت الأغنياء ويموت الفقراء، يموت الباذلون المنفقون الكرماء ويموت الممسكون القابضون البخلاء. الكل سيموت لكن الفرق بينهم في المصير والمآل، وصدق الله العظيم: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَاز (آل عمران: الآية185). لقد مات أبو فهد لكن أعماله الجليلة باقية خالدة وهي شاهدة على ما قدم لأمته وبلاده ومجتمعه، وهنا أروي ما كان مستوراً ولا يعلم عنه أحد حتى أقرب الناس إليه. لقد زارني في المكتبة قبل وفاته رحمه الله وقال لي أريد الوصول إلى أسر متعففة لا تصل إليها المعونات من أحد وليست مسجلة في الجمعيات، ودار حديث طويل، وقال رحمه الله لدي استعداد لكفالتها سنوياً. ثم هاتفني بعد ذلك وقال لي لعله تم شيء في ما دار بيننا قبل فترة، وكان رحمه الله قبل سنوات يصل بذله عن طريقي لمجموعة من الأسر فرحمه الله رحمة واسعة. وحينما حضرنا أحد الاحتفالات لجائزته في جمعية تحفيظ القرآن بمحافظة الزلفي، وتحدثت معه حول هذه الجائزة، وأن هذا العمل المبارك سيكون له أثر على كل بيت فيه طالب وطالبة، وأن هذا من الصدقة الجارية. قال لي: يا شيخ هذه الأموال أنعم الله بها علينا، فليس لنا فضل ولا منَّة إذا أنفقنا منها على تعليم كتاب الله. فقلت له: لكن هذا توفيق من الله، ولا يوفق له كل أحد، فقال: أسأل الله أن يرزقنا الإخلاص. ثم قلت له: وهل ستستمر هذه الجائزة؟ فقال: نعم بحول الله وقوته. إن العظماء في الدنيا يقاسون بأعمالهم وعطائهم لدينهم وأمتهم وبلادهم ومجتمعهم وإلا فكم هم أصحاب المليارات والملايين؟ وكم نسبة من يبذلون في أوجه الخير ومجالاته؟. أسأل الله بمنه وكرمه أن يرفع درجاته في عليين، وأن يبوءه الفردوس الأعلى من الجنة، وأن يجمعنا به ووالدينا في الجنات، وأن يجعل البركة في ذريته وإخوانه وأقاربه، وأن يجعل ما قدمه في وجوه الخير والبر حجاباً له عن النار، وسراجاً له في قبره، وصلى الله وسلم على نبينا محمد. - كلية التربية بالزلفي - جامعة المجمعة