لا أحد يمكنه تجاهل قوة المجتمع في مواجهة سلوكيات الفرد المعاكسة للسائد. بحيث يمثل الرأي العام هيئة افتراضية مُعارضة تقف عائقاً قبالة أي محاولة تغيير. تتمثل قوة أي حائط أو سد بتراص لبناته بحيث تُكون نسيجا متكاملا من القدرة على صد تحرك ما. ينطبق ذلك على المجتمع. الغريب في الأمر أنه في الغالب يصعب اتفاق الناس على أمر ما، والكثير من المحاولات الأهلية في إنشاء مجموعات تبث توجها معينا أو تثقيفا ما، غالبا ما تبوء في الفشل حينما تهدف لجمع الكلمة. لكن ما هو الأمر الغامض الذي يفعل مفعول السحر في اتحاد عموم الناس على كلمة واحدة، مفادها: مواجهة التغيير؟!. تقول الينور روزفلت: العقول العظيمة تشغلها الأفكار. العقول المتوسطة تشغلها الأحداث، العقول الصغيرة تشغلها الناس. «الانشغال بالناس» همّ ثقيل رازح على كواهل البعض في المجتمع. أعني تلك الفئة العاطلة عن أي اشتغال ثقافي أو فكري أو تنموي حقيقي وواضح. السبب أن العقل في حالة دؤوبة من التفكير حول التنامي والتكامل والنضج في مهمة وراثة الأرض وإعمارها. وفي حالة عدم وجود همّة عالية وغياب آلية ذات جودة رفيعة وفقدان الخطة الواضحة لتحقيق الهدف سيتخلف فراغ كبير ليس من شأنه أن يترك أي نوع من الاستقرار إلا أن يُشغل بأي طريقة أو بأخرى. وبالطبع فإن الطريقة الأكثر إتاحة هي مراقبة الناس. كل ما يلزم هو: عينان مفتوحتان وأذنان مُشرعتان!. لأن الهموم الكبيرة بحاجة لنفوس ضخمة مفتوحة الاحتمالات لأي عناء وجهد. كما يقول المتنبي: وإذا كانت النفوس كباراً تعبت في مرادها الأجسام. تلك الفئة تقوم بعملها التطوعي الكبير في تعطيل المشاريع وإحباط محاولات التغيير بنشاط كبير وجهد بالغ. هناك شبكات أخطبوطية متفرعة في أي مجتمع من العاطلين. يعملون باستخدام كل السبل (مشروعة أو ليست كذلك) لتنفيذ أهدافهم. هؤلاء لا يعيشون حياتهم، إنما حيوات الآخرين. ويسرفون أعمارهم وطاقاتهم التي من شأنها أن تسهم في عمل جاد في ما لا ينفع!. إنها علاقة طردية مُجربة. ما أن ينشغل العقل بالمهام الكبيرة، سوف تقل مساحة الاكتراث بالآخرين والفضول تجاه خصوصياتهم. وأعتقد أن احتواء وعلاج هذه الفئة سيكون صعباً بالنصح والإرشاد وتوضيح أهمية الفعل الحقيقي الهادف. ولفت انتباههم للهدر الذي يمارسونه. لكن قد يكون الحل في إقناعهم أن ينخرطون فعلياً بنشاطات هامة. وذلك بأن يكون هناك ورش عمل ومحافل اجتماعية هادفة تخلق لهم جواً نشطاً يستفيد من حماسهم و توجهه لمسار إيجابي مثمر. فالمشغول لا يُشغل! [email protected]