هل نحنُ أمة فقدت الألفة مع العلوم؟ أو مصدومون لأننا اكتشفنا أن العلم ليس حكراً على الجامعات والمعاهد، وأن أي شخص يهوى التجريب بإمكانه أن يسهم بإضافة علمية مهمة؟ لقد كشفَت قفزة فيليكس تباين المجتمع وموقفه من الأخذ العلمي، البعض لم يجد في المشروع كله إلا تحريضاً لمواهبه في تأليف النكتة. وللحق نجحوا في إضحاكنا كالعادة. البعض أحالته الفكرة برمتها لقضية «المؤامرة» وبدأ بالتشكيك في كل شيء، فالقفزة مفبركة، والنتيجة (كسر حاجز سرعة الصوت) غير صحيحة. لم يتوقف التشكيك عند ظاهر القفزة كحادثة علمية بل تجاوز الشك فيها على أنها واحدة من محاولات الغرب لإلهائنا أو الضحك على ذقوننا أو ربما السيطرة علينا. وأكثر التعليقات إثارة وربما اقسى تلك التعليقات التي أرادت التنويه إلى أن أمريكا تحاول تشتيت الانتباه عن طائرة «حزب الله» التي تمكنت من اختراق أجواء إسرائيل!!. إلى هنا يقف العقل مبهورا بقوة الخيال الطائفي لدى البعض وقدرته على تضخيم أي بادرة - لم تعنه لا من قريب ولا من بعيد - إلى خطة مدروسة الغرض منها النيل منه!. لن أعرّج على تناول البعض للمُعطى العلمي بملعقة الطائفية المرتابة من كل شيء وفي أي شيء. إنما أجد نفسي مضطرة لأن أقول لكل من يحاول أن يحشر مرض الريبة لديه في كل شأن علمي خصوصا القادم لنا من الغرب: أنت لست متفوقاً لا اجتماعياً ولا فكرياً ولا علمياً. تفوقك الوحيد سيكون في: الشكّ. لأن الطائفية بيئة صديقة للأوهام، والعلم ليس أليفاً معها. وفي خضم هذا التناول المحبط للحادثة المهمة تلك، تظهر في الأفق بارقة أمل من جهة العقول المتنورة، أولئك تبنوا ردة فعل طبيعية ومتوائمة مع الحدث. هؤلاء من أسميهم أصحاب العقول المُنظمة والمنطقية، فيكفي لهؤلاء أن يشاهدوا التجربة عياناً وأن تكون واضحة المعطيات والنتائج. يكفي أن يحضر الدليل حتى تحضر القناعة. هكذا بكل بساطة بلا تشكيك ولا تكذيب ولا خطة مفبركة من أمريكا وغرائبيات وخزعبلات وغيرها. والطريف في الأمر أن غالبية المشككين في قفزة فيلكيس، والنابضين بالشك تجاه كل تجربة علمية خلفيتها غربية، إنما هم مجرد استهلاكيين للمخرجات العلمية التي نضحت كالعرق الشريف بعد بذل صادق ونبيل المقاصد. ما يفعله الغرب كل يوم هو تسهيل الحياة وما نفعله نحن كل يوم تعقيد النوايا! ولو أنك سألتهم يوماً عن موقفهم العدائي مع العلم سوف يكون جوابهم معروفاً سلفاً، بتفنيد تلك الشبهة وأن الدين دائماً كان مع العلم ودافعاً له. إذن لماذا اقتناص الفرص للانقضاض على أي تجربة علمية؟! في الواقع لأن هؤلاء لا يمثلون الدين ولا يطبقون رسالة الله التي نطق بها أصدق لسان على الأرض، فجنحوا كثيرا للريبة مسلمين لمشاعرهم دفة القيادة لتتحكم فيهم بدلاً من أن يكون العقل هو الفاروق. كل ما أتمناه مِن هؤلاء المتبرئين من العلم ومن الغرب أن يجربوا الحياة ببساطة بعيداً عن استهلاك كل المنجزات الحضارية التي تسهل حياتهم، وليرونا ما الذي سيمكنهم فعله.. وقتها سوف نغش قليلاً وسوف نسمح بإعارتهم موبايلا لتصوير منجزهم، ربما نصدقهم يوماً. [email protected]