يوم الجمعة الفائت المصادف 21-12-2012 كان هو اليوم الموعود لنهاية الكون -حسب ما شاع. لهذا انتشرت عبر الشبكات الاجتماعية رسائل لمقطع فيديو مصور في أمريكا صباح اليوم نفسه (الجمعة) عن ممثل قام بخداع بعض العابرين في الشوارع باستقبال مكالمة وهمية قام فيها بإجراء محادثة بصوتٍ مسموع، فتظهر عليه بعدها علامات الذعر والارتباك مردداً كلمات يفهم منها الآخرون أن التغيرات المناخية التي تنبأ بها الفلكيون والتي ستؤدي نتائجها لنهاية الكون قد بدأت في الحدوث بالفعل، وأن تسونامي شرع بضرب نيويورك. كان نوعاً من أنواع الكاميرا الخفيّة وقد فضح مدى استعداد الناس لتصديق الخرافة! مهما تغيّر المُحيط وتباينت خلفيات الناس تبقى هناك فرصة مواتية لنشر وتصديق الخرافة. ففي الشرق هناك استعداد قديم وقنوات كثيرة جاهزة لتسويق الخرافة، وذاك أمر مفروغ منه. لكن المجتمعات الغربية التي انتقلت إلى بُعد آخر علميّ وتقني في غالب أطيافه بحاجة إلى آليات مختلفة عن ما عُرف في الشرق مما يروجه المشعوذون أو السحرة أو مفسرو الأحلام والمتنبئون بالمستقبل. لذلك أتت فكرة تسريب وكالة ناسا الفضائية خبر الكوكب المغناطيسي المماثل لحجم الأرض والذي يسير في مداره باتجاه الأرض، وسيؤول به الأمر لأن يرتطم بالأرض مخلفاً دماراً شاملاً وفياضانات وبراكين ستنتهي بنهاية الكون! المهم، توظيف المصطلحات العلمية لقصة ليس لها الانطلاء على ذوي الحجول. هوليود أنتجت فلماً بعنوان (The Day After Tomorrow)، روَّج (بسياق علمي بحت) كيف أن تتالياً لأحداث وتغيرات بيئية نتجت عنه كوارث ليس أولها التسونامي ولا آخرها تغير مُناخ الكوكب ودخوله في عصر جليدي جديد. دور هوليوود كان تغذية الصورة الذهنية للعامة بما يلزم لتصور مثل هذه النهايات المزعومة. هذا سبب أول. ثانياً، إقحام اسم وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا» كان له دورٌ مهم في أن تتخذ الخرافة بُعداً واقعياً (علمياً) ممهداً للتصديق. كانت تلك الوساطات بمثابة قناة تواصل جيدة بعقل الغربي المتعلق بالعلم أكثر منه بالخرافة. أيضاً، ربط سياقات هذه القصص بالاتكاء على الحضارات السابقة كالمايا والفراعنة أضاف زخماً (قدسياً) لا يليق الانتقاص منه أو التشكيك فيه لما نراه من بقايا مثل هذه الحضارات ماثلاً أمامنا. إذن لكل مفتاحه الخاص للوصول إلى قناعاته، بوابته المنفردة التي يمكننا حقنه من خلالها بأي مادة نرغب بتسويقها. فالشرقي غير صانع للتقنية، مستهلك لها، تدخل الخرافة إليه من بوابة اليقينيات المحفوف بها، المتمثلة في رمز مطلق للصدق: الأب، المُعلم، الصديق، الأكبر سناً، أو حتى رجل الدين. أما الغربي الصانع للتقنية أو المُحاط ببيئتها فتدخل إليه من بوابة الميديا وصناعة الأفلام. فكيف إذن يمكن إتقاء الوقوع في فخ الخرافة؟ لا أرى طريقة أنجح من استخدام العقل في مكافحتها. العقل الذي لن تنطلي عليه أكاذيب وخرافات مثل مكائن سينجر وزئبقها الأحمر، أو أننا نستخدم فقط 10% من عقولنا، أو ظهور حيوان غريب مُنحني الظهر في العراق لينصر المقاومين على الاحتلال الأمريكي!. أغلب الخرافات قابلة للدحض بقليل من إعمال الفكر، لكن سطوة اليقين بغير وجه حق هي من تعمل على إغباش الصورة وتضليل العقل في الغالب. الأمر الجدير بالذكر هنا أنه، كلما خففنا من ثقل صفاقة الخرافات المكدّسة على العقل وآمنا بالله تجلى العقل وعمل بكفاءة أكثر. [email protected]