أتحفني الشاعر طارق بن عبد العزيز أبو عبيد بقصيدة جميلة ومتميّزة تفاعلت معها واستأذنته في نثرها فوافق مشكوراً عبر رسالة أرسلها لي: «يشرفني رأيك...، ويسعدني أن تنثرها كما تحب». الشاعر أبو عبيد لي معه لقاءات من خلال التقائه بالابن زياد صديقه ونظيره في الموهبة الشعرية. قصيدة طارق متميّزة من عدّة أوجه: موضوعها، المواكب لقضية ملحّة يعيشها مجتمعنا الخليجي، والسعودي على وجه الخصوص، وعذوبتها، وتأرجحها بين الرمزية حيناً والواقعية حيناً آخر، واحتوائها على مدلولات ومضامين ومفاهيم متعدّدة. ولكي لا أبخس حقها، فلقد نشرت القصيدة في إحدى الصحف المحلية، تتكوّن القصيدة من سبعة مقاطع: (1) كل يوم يمر تنحر الساعات إرضاء لأرباب العمل، الحريصين على ألاّ يفوتوا لحظة واحدة، بغضّ النظر عن المجهود والمعاناة التي يواجهها العامل، تأتي مصلحة رب العمل قبل مصلحة العامل. (2) وهذا العامل الذي يشرح حاله، لا يشرب الشاي بمتعة بل يتجرّعه، ولا يشربه على ضفة نهر أو في ظل ظليل من حديقة غنّاء، بل على كرسي اعتراف، يعتريه الملل وتلفه الوحدة ويطوّقه الإحباط. (3) رأيته يتسلّل حبواً على باب مديري الألمعي، متسائلاً عن عمله بالأمس، قائلاً بحق لرئيسه: جاء ليرأسنا بدون شهادة، وما لديه سوى قرابته لخالة مالك الشركات، يأمرني بحمل زنة الكون مما لا يتحمله مخلوق، وليس هذا فحسب بل يلسعني بسوط، كما يفعل الخيّال لفرسه لتكسب السباق، ويتوقع مني أن أكون تماماً كخيل في مضمار، ويطمح أن أحلّق دونما أجنحة لأهبط في كوكب زحل. (4) وفي يوم أغواني الشيطان بأن أدلي بأفكار ثم أهديها نصائح لأسيادي بغية إرضائهم. وبعد عام طويل مرير أعطوا الطيبين السامعين لكلمة الأسياد خزائن من هلل تكريماً لهم، أما الناصحون فكان نصيبهم حملاً مثقلاً إلى أحمالهم، فكأنما أضيف إلى حملهم حمل من جبل. (5) أتطلّع في صيف هذا العام إلى العتق شهراً أنام فيه ثماني ساعات كاملة كل يوم من أيامه، دونما حاجة إلى أن أضبط منبّهي، ولا أن أشرب كؤوساً من الشاي فوق المكاتب، وأرتاح من آلام تنهك عمودي الفقري غارسة في شبابي بذور العلل. ولربما أنفقت ما توفر من أجوري في بقعة من بقاع كوكبنا القاصية، بعيداًَ عن تخيلات مديري المسعورة، وهنالك لا إرسال جوال بها، ليكن ذلك في جزر الواق الواق لأتوه في أدغال غابة وبين أحراشها. (6) ساعات تمضي وأخرى من خلفها تذوب في شريط من الزمن، وحين ألمح وجهي من خلال شاشة حاسوبي الأثري، أبصر شعر رأسي المبيض كحقول من القطن الشاحبات. من هنا من مكاتب المدراء راح العمر يثري ثرياً، لا لأكون ثرياً، بل لأصبح مفلساً، فيا ربي يا مخلّص أرقاب عبادك من النار، أعتقني من هذا الرق الجديد، ولو ليوم واحد، كي أشرب الشاي الممزوج زنجبيلاً، عند نهر، واضعاً ساقاً على ساق، مؤرجحاً صغار أحلامي بأرجوحات نخل في ظل ظليل. (7) وفي الطريق إلى عملي يلاحقني أكثر من سؤال حائر: لأجل من تراق أعمارنا كالماء هدراً في حفر السواقي؟ هل يحوز العزم، بهتانا، سماسرة النخاسة، راقدين على تلال من ملايين وتحفى من ورائهم القدم؟ لكن أجيالاً ستمشي دربنا، فلنزرع الحرية الشماء في غدهم ولتنمو نجوم لهم فوق أغصان الأمل. [email protected]