جمعتهم الدنيا ولم يتفرقوا!! جادة الموتى عامرة بمرور الراحلين إلى مضاجعهم منذ الأزل، حتى ينفذ البشر وتضمرهم الأرض جميعا إلى أن يأذن الله بنهوضهم كأنهم جراد منتشر مهطعين إلى الداعي ليقفوا ليوم الحساب ثم يتفرقوا فريق إلى الجنة وفريق في السعير، فالسعيد من يأخذ كتابه بيمينه إلى دار النعيم المقيم، فالإنسان المسلم حقا إذا شعر بدنو أجله وظن الظن اليقين أنه ملاق وجه ربه، فإن علامات البشر تطفح على محياه لحسن ظنه بمرضاة الله فيكون من الآمنين من عذابه جل ثناؤه، ففي مساء يوم الاثنين 22-11-1433ه بعد غروب شمسه انتقل إلى جوار ربه الأخ الفاضل سمح المحيا حمد بن محمد الناصر، وقد صعدت روحه إلى بارئها بعد حياة حافلة بالإخلاص في عبادة الله، وفي أداء أعماله الوظيفية بكل جد وأمانه، ولقد ولد في مدينة حريملاء ، ونشأ بها بين أحضان والديه مع أخوته، وتربى تربية صالحة وعند بلوغه السابعة التحق بالمدرسة الابتدائية بحريملاء إبان عملي مديرا لمعهد المعلمين مع إشرافي على المرحلة الابتدائية في أواسط الثمانينيات الهجرية، حيث أن المعهد حل ضيفا على مبنى المدرسة الابتدائية لمدة عشرة أعوام تقريبا حتى تخرج منها إلى المرحلة المتوسطة..، وكان حسن السيرة والخلق مع زملائه ومعلميه، وعندما بلغ السن النظامي تعين بوزارة التجارة كاتبا ومكث بها خمسة أعوام تقريبا، ثم انتقل إلى رئاسة دار الإفتاء وظل يعمل بمكتب سماحة المفتي الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز - رحمه الله -، وبعد وفاة الشيخ استمر في عمله بجانب سماحة المفتي الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ حتى بلغ سن التقاعد، وكان محبوبا لدى الشيخين لإخلاصه ودماثة خلقه، ثم أخلد إلى الراحة، فأخذ يقضي جل وقته مابين منزله بالرياض وبين مزرعته في حريملاء الحافلة بأجود أنواع فسائل النخيل، وبالكثير من الأشجار المثمرة، فهي ملتقى لأحبابه ومعارفه وزملائه لكرمه ورحابة صدره، ومتنفس رحب لعائلته، ولاسيما في مواسم الأعياد والعطل، وكان صديقا حميما لشقيقيّ عبدالله وناصر - رحمهم الله - اللذين سبقاه إلى مضاجع الراحلين: تعز فلا إلفين بالعيش متعا ولكن لوراد المنون تتابعا!! وكنا نزوره أثناء انتدابه في العطلة الصيفية بمنزله في ربوع الطائف، فيبالغ في إكرامنا رغم شروطنا عليه بعدم التكلف، ولكن الكرم من سجاياه المتأصلة - رحمه الله -، وقد أصيب ببعض الأمراض الباطنية في أخريات حياته فأجريت له عمليات داخلية باستئصال بعض الأمعاء، وقد نجحت في بادئ الأمر وفي إثناء مرور طبيبه الجراح ليطمئن على نجاح العملية ولأجل أن يأذن بخروجه إلى منزله مستبشرا على تحسن صحته، وقد ذكر لي أحد إخوته ما قاله الطبيب عن طيب نفس وحسن نية استأصلنا يا أبا محمد من أمعائك ما يقارب متر أو أكثر فوقع هذا الخبر على قلبه كالصاعقة الملتهبة، فعلى إثرها سكت فجأة وألجم على لسانه إلى أن غادر الحياة - رحمه الله - ، والحقيقة أن الطبيب لم يوفق بإشعاره بما حصل وخاصة أنه مازال يعاني من عقابيل العملية ولم يدر بخلد الطبيب معنى قول الشاعر المصري حفني ناصف بك: وعللوهم بآمال مفرحة فطالما سرت الآمال محزونا لولا الأماني فاضت روحهم جزعا من الهموم وأمسى عيشهم هونا واليأس يحدث في أعضاء صاحبه ضعفا ويورث أهل العزم توهينا وقد أديت عليه صلاة الميت بعد صلاة عصر يوم الثلاثاء 23-11-1433ه بجامع الملك خالد بالرياض، ثم نقل إلى مهوى رأسه ومرتع صباه بمحافظة حريملاء حيث دفن بمقبرة (صفيه) في جو حزن وأسى مترحمين عليه بأن ينزله المولى منزل الأبرار - تغمده الله بواسع رحمته - والهم ذويه وأبناءه وبناته وعقيلته أم محمد وأخوته وشقيقته أم محمد ومحبيه الصبر والسلوان. - حريملاء