كلما قمت بزيارة للولايات المتحدةالأمريكية ورأيت بعض الخطوات والجهود الجبارة في مجال ترشيد استهلاك الطاقة واطلعت على الكثير من الدراسات والبحوث العلمية المتعلقة بها، دار في رأسي الكثير من التساؤلات التي مع الأسف لا أجد لها جواباً، ومنها: لماذا لا نسمع ونرى خطوات جدية تتعلق بترشيد الطاقة في بلادنا المباركة؟.. ولماذا لا نستفيد من تجارب الدول التي سبقتنا بكثير في هذا المجال مثل أمريكا وأوروبا، بل وحتى دبي التي نشرت دراسة مؤخراً تشير إلى توفير أكثر من 50% من استهلاك الوقود بسبب المترو؟.. تصوروا مثلاً أعزائي القراء ماذا سيكون استهلاك بريطانيا للوقود لو فرضنا عدم وجود شبكاتها الحالية من القطارات و مترو الأنفاق؟. نرجع للتساؤلات: لماذا حتى الآن لا توجد قاعدة بيانات ودراسات متكاملة وصحيحة تُقيِم مدى الكمية المهدرة من الطاقة في بلادنا وتكون متوفرة للباحثين في الجامعات؟.. ولماذا لا توجد مراكز أبحاث وبرامج بحثية في جامعاتنا تقوم بأبحاث تتعلق باستهلاكات الطاقة و تقييم معدل الإهدار و تطوير تقنيات وأفكار الترشيد؟.. (باستثناء مركز الملك عبدالله للبحوث والدراسات البترولية تحت الإنشاء). ولماذا لا توجد خطوات جدية لنشر ثقافة الترشيد في مجتمعاتنا ومدارسنا؟ ولماذا لا تحترق قلوبنا على ما يهدر يومياً من الطاقة وارتفاع معدلات التبذير في استخداماتها؟ ولماذا لا تناقش هذه الأمور الإستراتيجية في مؤسساتنا التشريعية بشكل جدي وفعال يؤدي إلى إصدار أنظمة وخطط تتعلق باستخدامات الطاقة وترشيدها في جميع المؤسسات العامة والخاصة؟.. ولماذا لا توجد حوافز لدعم الجهود الفردية والقليلة جداً التي لا تكاد أن تذكر المتعلقة بالترشيد؟ ولماذا لا توجد حوافز اقتصادية لجذب رؤوس الأموال والاستثمار في صناعة وتكنولوجيا الترشيد؟.. مع الأسف الشديد لم أجد الجواب الشافي والكافي على هذه التساؤلات. دعونا أعزائي القراء نعرض أهمية الترشيد من منظور آخر: المعروف أن استهلاك المملكة اليومي للطاقة أكثر من ما يعادل 2.3-2.5 مليون برميل بترول مكافئ. فلو فرضنا أن 10% من هذه الطاقة مهدرة يمكن ترشيدها وتوفيرها بطرق كثيرة، فإن ذلك يساوي 230 ألف برميل يومياً يحرق هباءً بدون فائدة تذكر، وكأننا نحرق يومياً أكثر من 23 مليون دولار، أو أكثر من 8.5 بلايين دولار في السنة، أو أكثر من 43 بليون دولار في الخمس سنوات القادمة، وهو ما يعادل 160 بليون ريال سعودي. هذه الأموال التي تحرق يومياً كافية لإنشاء شبكات قطارات حديدية تربط بين جميع المدن الرئيسية في المملكة وربما لإنشاء شبكات مترو على مستوى عالمي في هذه المدن وإنشاء صناعات متعلقة بالترشيد تساعد أيضاً على حل معضلة البطالة في بلادنا التي حباها الله بهذه الثروات الطبيعية. والسؤال هنا إلى متى نستمر في حرق هذه الأموال بدلاً من استثمارها لبناء البنية التحتية في مملكتنا الحبيبة؟ تصوروا أعزائي لو أننا حددنا يوماً في السنة لكي يجتمع الشعب السعودي قاطبةً لمشاهدة عملية حرق 8.5 بلايين دولار؟ ذكرت هنا الشعب السعودي قاطبةً لأن مسؤولية الترشيد مشتركة فلا أحد معفي منها. أنهي هذا المقال بالقول إنه بسبب عدم وجود دراسات علمية تُقيِم مدى الهدر في استخدامات الطاقة بشتى أنواعها، أعتقد أن ال 10% التي ذكرتها سابقاً نسبة متحفظة جداً وأن النسبة الحقيقة قد تصل إلى أكثر من 20-30%. بمعنى آخر أن الأموال التي تُحرق سنوياً قد تكون أضعاف ما ذكرت سابقاً. فهل إهدار هذه الأموال يستاهل اهتمامنا؟.. أترك الجواب للقارئ. www.saudienergy.net