أصبح قرار مجلس الوزراء الموقر بتحويل وزارة الإعلام إلى هيئات للإذاعة والتلفزيون ووكالة الأنباء السعودية نافذا وملزما بحيث يمكن أن نرى هذه الهيئات مشكلة خلال أشهر قليلة، ونتمنى أن يتم تشكيل أعضاء هذه الهيئات ممن تتوافر فيهم الكفاءة والتميز والخبرة والمهنية والتاريخ المشرف في المجال الإعلامي. ولن تتحقق أهداف هذه الهيئات في تغيير ركود الإعلام السعودي والخروج من دائرة الرتابة والضعف إلى فضاء المنافسة ونقل الصورة الحقيقية لبلادنا بمكنوناتها الروحية والتراثية والاخلاقية وثرائها الفكري والعلمي والأدبي، وإيصال رسالتها إلى محيطها والعالم، والتعبير الصادق عن قضايا شعبها وتطلعاته وآماله إلا بالتجديد والتغيير والانتقال من عتاقة وتقليدية الأفكار والتجارب القديمة إلى فكر إعلامي حديث وجرأة واثقة في الطرح باختيار كفاءات جديدة متنوعة الخبرات من داخل المملكة وخارجها، والاستعانة بمن ثبت تميزه وجرأته وتطلعه إلى التجديد ممن لم يستطع اختراق الحائط الإعلامي الصلب التقليدي القديم، أما لو تم تشكيل هذه الهيئات بالأسماء القديمة نفسها دون تغييروإضافة فإن التتشكيل لن يخرج عن الاسم فقط، وكأنك يامهنا ماغزيت، أو قال صبه قال احقنه! مر هذا الجهاز بمشكلات مزمنة عتيقة عجز الزمن والوزراء المتتالون عن زحزحتها أو حتى التخفيف من وطأتها؛ وليس لنا من خيار ونحن نرى ونسمع ونتابع أداء إعلامنا إلا أن نضعه في صف المقارنة بغيره من إعلامات أخرى مجاورة رسمية وخاصة، بعضها لايحظى بنصف أوبربع ما يحظى به الإعلام السعودي من سيولة مالية كبيرة لا نجد أثرها واضحا وملموسا في تطوير القدرات العاملة أو التجهيزات الفنية وبالتالي الأداء الإعلامي بما يتناسب وما يخصص له في ميزانية الدولة كل عام. لازال الإعلام السعودي رتيبا بطيء الإيقاع، بارد المتابعة، صادا عن التماس مع كثير من القضايا الساخنة على المستويات المحلية والعربية والدولية بالشفافية والموضوعية والمهنية العالية. ويظهر في أداء كثيرين من الإعلاميين إذاعة وتلفزيونا ضعف التهيئة والتدريب، وعدم المتابعة، ويظهر جليا النقص الشديد في جانب التدريب المهني في الداخل والخارج ملازما الأجيال الإعلامية المتوالية، وبخاصة هذا الجيل من الإعلاميين، ولايخفى أثر التدريب والصقل والاحتكاك بالخبرات الإعلامية المميزة من إيجابيات وإثراء معرفي واكتساب مهارات جديدة، سواء كانت خبرات عربية مميزة في مراكز تدريب إعلامي أو محطات بث لها تاريخ طويل في ممارسة المهنة في عواصم العالم المختلفة. وأشعر أمام هذا الطموح بما يناقضه تماما وأنا أستمع أو أشاهد سوء الأداء ؛ نطقا ولغة وحضورا وتفاعلا واستجابة للحظة الراهنة التي تستدعي سرعة بديهة وحسن تصرف في المواقف الصعبة الحرجة. لقد أدى تراكم السلبيات وتوارثها عبر السنين إلى أن تكون مزمنة، وإلى أن يتحول هذا الجهاز الوطني العريق إلى أن يكون طاردا لامستقطبا، وأصبح التسرب منه ظاهرة تناقش تحت قبة مجلس الشورى ! ولن يصل الأمر إلى حد الظاهرة وإلى أن تقترح الحلول لها تحت قبة المجلس إلا وهي مشكلة عويصة أو جبل جليد يخفي تحته مظاهر ضعف إداري وفساد مالي أدت إلى أن يفقد الإعلام السعودي كفاءات مميزة على مدى السنوات العشرالأخيرة ؛ رحلت بعد أن استوت ونضجت وتميزت تبحث عن فرص نجاح في مواقع أخرى إعلامية وأكاديمية وغيرها. ومن العجب الذي لاينقضي أننا كمتابعين نستمتع بمتابعة قضايانا المصدرة إلى قنوات ومحطات غير سعودية أو مدعومة بمال سعودي ولكن بغير إحساسنا ولالهجتنا ولاتفاعلنا، وكأننا ليست لنا ألسنة، وليس لدينا من الحس الوطني مايشفع لنا بالتماس مع قضايانا المؤرقة، أو كأننا لم نتعلم بعد لغة الحوار!. [email protected]