الأسهم الأوروبية تغلق على تراجع    أمير تبوك: نقلة حضارية تشهدها المنطقة من خلال مشاريع رؤية 2030    الفالح: المستثمرون الأجانب يتوافدون إلى «نيوم»    برئاسة ولي العهد.. مجلس الوزراء يقرّ الميزانية العامة للدولة للعام المالي 2025م    السعودية وروسيا والعراق يناقشون الحفاظ على استقرار سوق البترول    مغادرة الطائرة الإغاثية ال24 إلى بيروت    التعاون والخالدية.. «صراع صدارة»    الملك يتلقى دعوة أمير الكويت لحضور القمة الخليجية    الهلال يتعادل إيجابياً مع السد ويتأهل لثمن نهائي "نخبة آسيا"    في دوري يلو .. تعادل نيوم والباطن سلبياً    خادم الحرمين الشريفين يدعو إلى إقامة صلاة الاستسقاء    «التعليم»: 7 % من الطلاب حققوا أداء عالياً في الاختبارات الوطنية    أربعة آلاف مستفيد من حملة «شريط الأمل»    «فقرة الساحر» تجمع الأصدقاء بينهم أسماء جلال    7 مفاتيح لعافيتك موجودة في فيتامين D.. استغلها    أنشيلوتي: الإصابات تمثل فرصة لنصبح أفضل    الأسبوع المقبل.. أولى فترات الانقلاب الشتوي    «شتاء المدينة».. رحلات ميدانية وتجارب ثقافية    مشاعر فياضة لقاصدي البيت العتيق    الزلفي في مواجهة أبها.. وأحد يلتقي العين.. والبكيرية أمام العربي    مبدعون.. مبتكرون    ملتقى الميزانية.. الدروس المستفادة للمواطن والمسؤول !    هنآ رئيس الأوروغواي الشرقية.. خادم الحرمين الشريفين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية    بايدن: إسرائيل ولبنان وافقتا على اتفاق وقف النار    كيف تتعاملين مع مخاوف طفلك من المدرسة؟    حدث تاريخي للمرة الأولى في المملكة…. جدة تستضيف مزاد الدوري الهندي للكريكيت    قمة مجلس التعاون ال45 بالكويت.. تأكيد لوحدة الصَّف والكلمة    7 آلاف مجزرة إسرائيلية بحق العائلات في غزة    الدفاع المدني: استمرار هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة    كثفوا توعية المواطن بمميزاته وفرصه    شركة ترفض تعيين موظفين بسبب أبراجهم الفلكية    «هاتف» للتخلص من إدمان مواقع التواصل    حوادث الطائرات    حروب عالمية وأخرى أشد فتكاً    معاطف من حُب    الدكتور عصام خوقير.. العبارة الساخرة والنقد الممتع    جذوة من نار    لا فاز الأهلي أنتشي..!    الرياض الجميلة الصديقة    هؤلاء هم المرجفون    المملكة وتعزيز أمنها البحري    اكتشاف علاج جديد للسمنة    السعودية رائدة فصل التوائم عالمياً    خادم الحرمين الشريفين يدعو إلى إقامة صلاة الاستسقاء الخميس المقبل    مناقشة معوقات مشروع الصرف الصحي وخطر الأودية في صبيا    حملة على الباعة المخالفين بالدمام    «السلمان» يستقبل قائد العمليات المشتركة بدولة الإمارات    أهمية الدور المناط بالمحافظين في نقل الصورة التي يشعر بها المواطن    المؤتمر الدولي للتوائم الملتصقة يناقش تحديات إعادة ترميم الأعضاء وتغطية الجروح    مركز صحي سهل تنومة يُقيم فعالية "الأسبوع الخليجي للسكري"    "سلمان للإغاثة" يوقع مذكرة تفاهم مع مؤسسة الأمير محمد بن فهد للتنمية الإنسانية    جمعية لأجلهم تعقد مؤتمراً صحفياً لتسليط الضوء على فعاليات الملتقى السنوي السادس لأسر الأشخاص ذوي الإعاقة    حقوق المرأة في المملكة تؤكدها الشريعة الإسلامية ويحفظها النظام    استمرار انخفاض درجات الحرارة في 4 مناطق    الكرامة الوطنية.. استراتيجيات الرد على الإساءات    محمد بن راشد الخثلان ورسالته الأخيرة    زاروا المسجد النبوي ووصلوا إلى مكة المكرمة.. ضيوف برنامج خادم الحرمين يشكرون القيادة    نوافذ للحياة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لم يمنع المؤسس الملك عبدالعزيز انشغاله بتأسيس الوطن وبنائه من زيارة مصر
نشر في الجزيرة يوم 11 - 07 - 2012

لم يكن مفاجئاً أن يبدأ المشوار الخارجي للرئيس المصري المنتخب محمد مرسي بزيارة السعودية ولقاء قادتها، فإن كان في العمل السياسي ثوابت ومتغيرات ومصالح، تذهب أحياناً، وتأتي أحياناً أخرى، فإن العلاقة بين المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية تدخل في إطار الثوابت التي لا تغيرها تغيرات الأشخاص أو الحكومات. ولأنه - باختصار - هذه العلاقة بين شعبين ينطلقان من ثوابت مشتركة كثيرة ومتعددة، متشعبة في المجال الديني والسياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي، ولأجل هذا، كان المفاجئ أن تتكدر هذه العلاقة بين الشقيقَيْن، وهي حالات نادرة تُعَدّ على أصابع اليد الواحدة، وهي لا تمثل محطة في العلاقات بل هي سحابة صيف قصيرة، كأي خلاف يحدث بين الشقيقين، وسرعان ما يزول.
وعند النظر في أي جانب معاصر لا يمكننا الحُكْم عليه دون النظر في أصوله وحيثياته التاريخية، والنظر في تاريخ العلاقة بين البلدين يؤكد أنها راسخة، وأنها تمثل بُعداً استراتيجياً كبيراً، ليس وليد اليوم، بل هو وليد قيام الدولة السعودية؛ حيث خصَّ الملك المؤسس هذا البلد العربي الكريم بزيارة تاريخية امتدت لعشرة أيام، أسَّس فيها لعلاقة قوية بين الشعبين العريقين اللذين يقودان العالم الإسلامي.
ولعلي أكتفي بنقل تفاصيل مهمة عن هذه الزيارة، أتت على لسان المؤرخ المصري فاروق عثمان محمود أباظة؛ حيث خصّ هذه الزيارة بورقة تاريخية مهمة، قدمها لمؤتمر المملكة العربية السعودية في مائة عام، وجاءت تحت عنوان (زيارة الملك عبدالعزيز آل سعود لمصر وأثرها في دعم العلاقات السعودية المصرية صفر 1365ه- يناير 1946م). وقد جاء في هذه الورقة المصرية: جاءت الزيارة الرسمية التاريخية التي قام بها الملك عبد العزيز آل سعود لمصر في شهر صفر 1365ه - يناير 1946م بعد أن تخلص العالم من الحرب العالمية الثانية، وكانت استجابة كريمة من الملك عبد العزيز لدعوة مصر لزيارتها، ممثلة في ملكها فاروق، الذي وجَّه تلك الدعوة لجلالته أثناء الزيارة التي قام بها للمملكة العربية السعودية في صفر 1364ه- يناير 1945م، فكانت هذه الزيارة الكريمة ردًّا على زيارة الملك فاروق للمملكة.
وقالت الصحف عن استعداد مصر كلها لاستقبال الملك عبد العزيز إنه لا يستطيع القلم مهما كان بليغاً أن يصف زينة مصر وابتهاجها واستعدادها لاستقبال ضيفها العظيم (صقر الجزيرة). لقد كتب أبلغ الكتاب، ووصفوا هذه الزينة، فلم يستطيعوا أن يبلغوا في وصفهم شيئاً من عظمتها التي لم تشهد مصر مثلها في تاريخها، على الرغم من استقبالها ملوكًا كثيرين.
وكتب عبد الرحمن عزام باشا في مجلة المصور أن مصر حين تستقبل الملك عبد العزيز إنما تستقبل رجلاً تمر الحقب ولا يرى الناس مثله.
وأشار إلى أن هذه الزيارة ستترك بلا شك أثرًا خالدًا في العلاقات السعودية - المصرية - العربية، وأنها تشكّل مثالاً للعلاقات التي تقوى وتنمو بين مصر وملوك العرب وأمرائهم ورؤسائهم في سائر الأقطار.
وكان اليخت الملكي «المحروسة»، الذي أُعِدّ ليقل جلالة الملك عبد العزيز في زيارته إلى مصر، قد وصل إلى جدة في الساعة العاشرة من صباح يوم السبت 5 يناير 1946م، يتقدمه «الطراد فاروق»، وتتبعه «الطوافة فوزية».
وفي الساعة الواحدة من ظهر يوم الاثنين 7 يناير 1946م ركب الضيف الكبير ومن في معيته اليخت الملكي الذي وصل إلى ميناء السويس في العاشرة وخمس وأربعين دقيقة من صباح يوم الخميس - 10 يناير 1946م.
وصعد الملك فاروق إلى ظَهْر اليخت الملكي «المحروسة» لمقابلة العاهل السعودي والترحيب بجلالته.
وامتطى الملكان (القطار الخاص) الذي جُهّز خصيصاً ليقل العاهلين إلى القاهرة.
وفي «محطة مصر» بالقاهرة كان كبار رجال الدولة في استقبالهما.
وتحرك الموكب الملكي من محطة مصر إلى قصر الزعفران حيث نزل الضيف الكبير وحاشيته.
ولقي الملك عبدالعزيز خلال زيارته الرسمية التاريخية لمصر، التي استغرقت اثني عشر يوماً، حفاوة بالغة.
وتجدر الإشارة إلى أن مصر كلها قد استعدت للقاء الملك عبد العزيز في جميع المدن التي يمر بها الموكب طوال مدة الزيارة.
فعلى المستوى الحكومي طلبت وزارة الخارجية في أول ديسمبر 1945م - أي قبل الزيارة بنحو شهر - فتح اعتماد إضافي في ميزانيتها بمبلغ 20.000 جنيه لنفقات هذه الزيارة، ووافقت اللجنة الملكية بمجلس النواب؛ حيث تمت الموافقة النهائية من وفورات الميزانية. ولقد جاء في تقرير اللجنة أن هذه الزيارة جاءت ردًّا على زيارة ملك مصر، الذي استن سُنّة طيبة، وافتتح عهدًا جديدًا للأخوّة بين الشعوب العربية بزيارته للسعودية.
كذلك طلب الديوان الملكي المصري نفقات اليخت الملكي «المحروسة»، الذي سيكون في ركاب الملك الضيف، واعتمد مجلس النواب لذلك عشرة آلاف جنيه.
أما في الإسكندرية فقد وافق القومسيون البلدي هناك على اعتماد مبلغ عشرة آلاف جنيه للاستعداد لزيارة الضيف السعودي للمدينة.
وقررت الحكومة المصرية إصدار طابع بريد تذكاري لتخليد ذكرى هذه الزيارة التاريخية، واعتمدت ذلك وزارة المالية المصرية، وصدرت التعليمات من رئيس الوزراء المصري لكل وزارة لاتخاذ التدابير اللازمة؛ لتسهم كل منها بنصيبها في استقبال الملك عبد العزيز والحفاوة به، وأطلقت وزارة الأشغال المصرية اسم الملك عبد العزيز على شارع النيل بقسم مصر القديمة بمدينة القاهرة.
واتخذت إجراءات الأمن اللازمة، وتقرر اشتراك جنود الجيش مع الشرطة في المحافظة على النظام، وأعدت الأماكن التي سيزورها الملك عبد العزيز، طبقاً لبرنامج الزيارة الذي نُشر بالتفصيل بالصحف اليومية.
وتألفت بعثة الشرف برئاسة الأمير محمد عبد المنعم، على حين رافق الملك فاروق ضيفه الملك عبدالعزيز طوال زيارته لمصر.
وعلى الرغم من أن قانون النياشين كان ينص على ألا تهدى لمن لم يبلغ عمره أقل من 21 سنة غير أن الملك فاروق زيادة في تكريم أنجال الملك عبد العزيز رأى أن يهدي جميع الأمراء السعوديين المرافقين للملك عبد العزيز الوشاح الأكبر من نيشان النيل.
وتخليدًا لهذه الزيارة التاريخية بادر أفراد الشعب السعودي لتخليد ذكرى زيارة الملك عبد العزيز لمصر بالاكتتاب في إنشاء مستشفى لتخليد هذه الذكرى، يُسمَّى باسمه.
وبتتبعنا لبرنامج الزيارة منذ وصول الملك عبدالعزيز على متن اليخت الملكي المصري «المحروسة» إلى ميناء السويس في العاشرة وخمس وأربعين دقيقة من صباح يوم الخميس، الموافق العاشر من يناير 1946م، كان في استقبال جلالته الملك فاروق وبعثه الشرف المرافقة ورجال الحكومة المصرية وممثلو الهيئات الرسمية والشعبية، والجماهير الشعبية التي احتشدت لاستقبال الضيف الكبير ومرافقيه، وأدت شدة الزحام إلى تعديل المرور في مختلف الشوارع.
وشمل برنامج الزيارة بوجه عام القصر الملكي في عابدين، ومقر الحكومة والبرلمان المصري، والجامع الأزهر، والجامعة العربية، وأسلحة الجيش، والمؤسسات العلمية والصناعية، والمستشفيات، وجامعة فؤاد الأول (القاهرة حاليًا)، والمعالم الأثرية، والقناطر الخيرية، والمتحف الزراعي، وإصلاحية الأحداث، كما زار المحلة الكبرى، وهي إحدى قلاع الصناعة المصرية، وأنشاص ومدينة الإسكندرية التي استعرض بها الجيش المصري، وغيرها من الأماكن المهمة.
وإذا كان يوم الخميس الموافق العاشر من يناير 1946م هو يوم وصول الملك عبد العزيز إلى مصر بدءاً بميناء السويس، واتجه موكبه الميمون إلى القاهرة، يرافقه الملك فاروق وبعثة الشرف وكبار المسؤولين على المستويين الرسمي والشعبي؛ حيث وصل الموكب الملكي إلى قصر الزعفران، فإن اليوم الثاني من البرنامج الموافق يوم الجمعة الحادي عشر من يناير 1946م قام فيه الملك عبد العزيز، يرافقه الملك فاروق، بأداء صلاة الجمعة في الجامع الأزهر، وفي مساء اليوم نفسه حضر الملك عبد العزيز الحفل الرسمي الذي أقامته وزارة الخارجية المصرية على شرف جلالته، وقد شهده مائتا مدعو من كبار الشخصيات.
أما في اليوم الثالث الموافق السبت الثاني عشر من يناير 1946م فقد قام الملك عبد العزيز بزيارة جامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة حاليًا)، وحضر الملك عبد العزيز الحفل الذي أقامته الجامعة على شرف جلالته في قاعة الاحتفالات الكبرى بها، وكانت حافلة بكبار المدعوين، كما كانت مدرجاتها غاصة بجموع الطلاب الذين بلغ عددهم ثلاثة آلاف طالب، وجلس على المنصة الوسطى أعضاء مجلس الجامعة.
وقد أشارت الصحف إلى أن هذا اليوم يُعدّ يوماً خالداً في تاريخ الجامعة، التي قدمت للملك عبد العزيز جميع دواوين الشعر التي نُشرت في مصر، وجميع الكتب التي نُشرت، منها عن التاريخ والآداب والفلسفة الإسلامية، مجلدةً تجليدًا فاخرًا.
وفي هذا الحفل الجامعي، الذي أُقيم على شرف جلالة الملك عبد العزيز، ألقى محمود فهمي النقراشي كلمة وزير المعارف المصري بالنيابة عنه لوجوده في السودان آنذاك، قال فيها: إن هذا الاحتفال في الجامعة لدليل على أن العرب في نهضتهم الحاضرة، ودعوتهم إلى التآخي والتضافر والعمل لسعادتهم ومجدهم، إنما يقيمون نهضتهم على أسس ثابتة من التعليم والتهذيب، وعلى قواعد راسخة من العلوم والأخلاق.
كما أوضح أن هذه الزيارة الكريمة للعاهل السعودي الكبير إنما جاءت في أوانها متجاوبة مع الأصداء في جميع الأنحاء بجامعة الدول العربية الناشئة الفتية التي تعلقت بها آمال العرب جميعًا.
كذلك أُقيم مهرجان عربي تضمن عروضاً رياضية وغيرها، كما قدم بعض السودانيين رقصات شعبية، أعقبها إلقاء خطب ترحيبية، وإنشاد قصائد شعرية في هذه المناسبة الكريمة.
وتجدر الإشارة إلى أنه عند زيارة الملك عبد العزيز للجامعة كان الطلبة يشاركون الجماهير المرحبة بالملك الضيف، سواء في الطريق إلى الجامعة؛ حيث اصطف الطلبة مع جماهير الأهالي على جانبي الطريق هاتفين ومصفقين، ورحب الطلبة بالضيف الكبير في قاعة الاحتفالات بالجامعة، وفي استادها حيث قدم طلبة المدارس والجامعة العروض الرياضية، وكذلك طلبة الشرطة الملكية والحربية الملكية، بل قد سافر إلى القاهرة بضع مئات من جامعة فاروق بالإسكندرية للاشتراك مع زملائهم في تحية جلالة الملك عبد العزيز واستقباله، وانضم إليهم كثير من طلبة طنطا وغيرها، فزاد مجموعهم على الألف، وقد عادوا إلى بلادهم بعد أن شاركوا في الاحتفال بمقدم الملك عبد العزيز.
وقد أهدت أسرة الضاد بكلية اللغة العربية الملك الضيف تحية شعرية، تتضمن آيات الترحيب والحب والولاء بمقدم جلالته.
على حين اشتمل اليوم الرابع للزيارة، الموافق الأحد الثالث عشر من يناير 1946م، على زيارة الملك عبد العزيز لمشاهدة عروض الخيل وسباقاتها في ميدان السباق.
وفي اليوم الخامس للزيارة، الموافق الاثنين الرابع عشر من يناير 1946م، شهد الملك عبد العزيز عرضًا عسكريًا للجيش الملكي، أُقيمت ساحة خاصة له، ويُعدّ آنذاك أعظم عرض من نوعه أقيم في مصر الحديثة؛ إذ بلغ عدد القوات التي اشتركت في هذا العرض ستة وثلاثين ألف جندي مزودين بأحدث أنواع الأسلحة. وقد ظلوا يمرون أمام المقصورة الملكية لمدة ثلاث ساعات.
وقد بلغ عدد مصوري الصحف وشركات الأنباء والسينما الذين حضروا العرض مائة مصور، وهو أكبر عدد من المصورين اجتمع في احتفال رسمي في مصر حتى ذلك الحين.
كذلك لم يتخلف عن المشاركة في استقبالات الملك عبد العزيز النزلاء الأجانب في مصر على اختلاف جنسياتهم، وبينهم ضباط الحلفاء وجنودهم.
واحتفلت بجلالته السفارة البريطانية؛ حيث أقام «اللورد كيلرن» السفير البريطاني مأدبة غداء في اليوم نفسه للضيف السعودي الكبير، كذلك قام الملك عبد العزيز في اليوم نفسه بزيارة منطقة أهرامات الجيزة.
أما اليوم السادس لتلك الزيارة التاريخية للملك عبد العزيز لمصر، الموافق الخامس عشر من يناير 1946م، فقد قام الملك عبد العزيز بزيارة منطقة القناطر الخيرية، ثم زار الملك عبد العزيز بعد ذلك البرلمان المصري؛ حيث رحب بجلالته الدكتور محمد حسين هيكل باشا رئيس مجلس الشيوخ، الذي ألقى كلمة أشاد فيها بدور الملك عبد العزيز في دعم جامعة الدول العربية، وقال: «إن زيارتكم المباركة لبلادنا لفاتحة خير تستبشر بها الأمم العربية جميعًا، كما أن هذه الزيارة زادت روابط المودة والمحبة بين مصر والمملكة العربية السعودية توثقاً ومتانة».
كما قام الملك عبد العزيز بزيارة مقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية بالقاهرة في اليوم السابع، الموافق السادس عشر من يناير 1946م؛ حيث ألقى عبد الرحمن عزام باشا أمين الجامعة كلمة، قال فيها: «إن للملكين الملك عبد العزيز والملك فاروق الفضل الكبير في إقامة الجامعة العربية».
وقد أطلق اسم الملك عبد العزيز آل سعود على الشارع الذي يقع فيه قصر المانسترلي (مقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية السابق).
ثم صدر في مساء اليوم نفسه تصريح ملكي مشترك للملكين عبد العزيز وفاروق، أذاعته رئاسة مجلس الوزراء المصري، وألقاه محمود فهمي النقراشي باشا رئيس الوزراء، جاء فيه: «إن من دواعي سرورنا العظيم أن يكون اجتماعنا في هذا المكان التاريخي في الدار الجديدة لجامعة الدول العربية، تلك الجامعة التي كان من حظنا وحظ إخواننا ملوك العرب وأمرائهم ورؤسائهم أن يضعوا أساسها، وأن يرعوها ويقيموها على دعائم من التعاون والتكافل لخير العرب وخير البشر كافة، ويستجيبوا بذلك لرغبات الشعوب العربية وأملها. نحن نرغب في أن تضرب جامعتنا دائمًا للناس جميعًا المثل في تعاون صادق بين جماعة من الدول، متضافرة على سلامتها المشتركة ومتكافلة في صيانة حريتها واستقلالها. ونحن واثقون أن جامعتنا، وهي تؤدي هذه الرسالة بين العرب لا تريد علوًّا واستكبارًا على أمة أخرى، بل نرى أن من أسمى مقاصدنا ومقاصدها التعاون مع أمم الأرض كلها على البر والحق والعدل والسلم الدائم. ونحن كذلك نثق بأن جامعتنا، التي تربأ بنفسها عن كل تفكير في العدوان على غيرها، تحرص كل الحرص على أن تدافع عن الحق والعدل والحرية. ولم يكن المجهود العظيم الذي يبذله ملوك العرب وأمراؤهم ورؤساؤهم وحكوماتهم وشعوبهم لنصرة عرب فلسطين إلا تحقيقاً لمبادئ الحق والعدل. ونحن نشارك المسلمين والعرب جميعًا في إيمانهم بأن فلسطين بلاد عربية، وأن من حق أهلها، وحق المسلمين والعرب معهم، أن تبقى عربية كما كانت دائمًا. وإنَّا لنقدر كل التقدير ما يرمي إليه ميثاق الجامعة العربية من أن يكون لكل قطر عربي حقه الواضح في تقرير مصيره والتمتع بحريته الكاملة. ويسعدنا أن تسير الأقطار العربية بخطى ثابتة نحو الوحدة، وتضع من النظم ما يزيد في التقارب بينها وإحكام صلاتها، ويؤدي إلى تبادل المنافع والخيرات؛ لتسعد جميع طبقات الأمة العربية بعيش أرغد، وتنعم بالثمرات الكثيرة التي وهبها الله - سبحانه - أرضهم وبلادهم. ونحن واثقون كل الثقة بأن الشعوب العربية التي تتمثل آمالها في جامعة الدول العربية لا تريد إلا السلم والحق والإخاء العام، وأنها ستهتدي بسيرة أسلافها؛ لتحقق المثل العليا التي يوجهها إليها تاريخ العرب ونهضتهم العظيمة ودعوتهم للمساواة العامة بين الشعوب والطوائف والأفراد؛ فتتعاون جامعتنا مع المؤسسات الدولية التي تقيمها الأمم المتحدة لتحقيق حرية البشر والعدل والإخاء؛ فتكفل للحضارة الإنسانية سيرًاوفقًا في ظلال سلم دائم».
ويُعدّ هذا التصريح الملكي المشترك للملكين عبد العزيز وفاروق، الذي أذاعته رئاسة مجلس الوزراء المصري، وألقاه محمود فهمي النقراشي باشا رئيس الوزراء، بمنزلة تعبير واضح عن أهداف جامعة الدول العربية، وأسلوبها في العمل، وحرصها على عروبة فلسطين، وحرصها على التعاون مع المؤسسات الدولية التي تقيمها الأمم المتحدة من أجل رقي الحضارة الإنسانية، وتحقيق السلام الدائم والشامل.
أما اليوم الثامن من الزيارة التاريخية، التي قام بها الملك عبد العزيز لمصر، الموافق يوم الخميس السابع عشر من يناير 1946م، فقد زار فيه الملك عبد العزيز مصانع شركة مصر للغزل والنسيج في المحلة الكبرى؛ حيث طاف بأقسام المصنع المختلفة، وأقامت إدارة الشركة مأدبة غداء على شرف الملك عبد العزيز ومرافقيه من كبار الشخصيات.
ثم قابل الملك عبد العزيز بعد ذلك عقب عودة جلالته من المحلة الكبرى إلى القاهرة عددًا من الوفود، أعقبها مقابلة وفد من الجالية اللبنانية، جاؤوا للترحيب بالعاهل السعودي الذي أعرب لهم عما يكنه من العطف على لبنان واستقلاله، وأسدى النصح إلى أهله بالاتحاد والتضامن، وعدم الالتفات إلى عناصر التفرقة، كما تناول حديث الملك عبدالعزيز مع وفد الجالية اللبنانية فلسطين العربية؛ حيث أبدى اهتمامه بقضيتها.
وفي اليوم التاسع من الزيارة التاريخية للملك عبد العزيز لمصر، الموافق يوم الجمعة الثامن عشر من يناير 1946م، قام الملك عبد العزيز بزيارة المزارع الملكية في أنشاص؛ حيث شاهد الحدائق الملكية ومحطات الري، وأقيمت للملك مهرجانات عدة للترحيب بجلالته.
أما في اليوم العاشر من الزيارة التاريخية للملك عبد العزيز لمصر، الموافق السبت التاسع عشر من يناير 1946م، فقد قام الملك عبد العزيز بزيارة مدينة الإسكندرية، التي استقبلته استقبالاً حماسياً رائعاً على المستويين الرسمي والشعبي، ونزل في قصر رأس التين، وقام بزيارة منطقة الميناء وأقسامه المختلفة، واجتمع مع الملك فاروق في قصر المنتزه، ومكث بالإسكندرية في اليوم الحادي عشر للزيارة، الموافق الأحد العشرين من يناير 1946م، وغادرها في صباح اليوم الثاني عشر للزيارة، الموافق الاثنين الحادي والعشرين من يناير 1946م، بعد أن تمت بعض المقابلات المرحبة بالضيف الكبير.
واختتمت الزيارة بمأدبة غداء أقامها الملك فاروق في قصر عابدين في اليوم نفسه على شرف الملك عبد العزيز.
وقد التقى الملك عبد العزيز بعد ظهر اليوم نفسه بقصر الزعفران نقيب الصحفيين فكري أباظة، وأعضاء مجلس النقابة، ولفيف من كبار الصحفيين المصريين.
والحقيقة أن الصحافة المصرية على اختلاف نزعاتها الحزبية قد رحّبت بالملك عبد العزيز، وبالزيارة الملكية التاريخية في صفحاتها الأولى، وتتبعت أخبار الزيارة وبرنامجها، والتصريحات الملكية وكلمات الترحيب، سواء بالكلمة أو بالصورة، إلى جانب المقالات العديدة عن العاهل السعودي والمملكة العربية السعودية.
وتجدر الإشارة إلى أن الطلبة السعوديين الموجودين بمصر آنذاك قد شاركوا في استقبال ملكهم خير استقبال، وقد اجتمع جلالة الملك عبد العزيز بالطلاب السعوديين الذين حضروا بين يدي جلالته وزودهم بنصائحه القيمة.
وفي اليوم الأخير للزيارة التاريخية للملك عبد العزيز لمصر، الموافق الثلاثاء الثاني والعشرين من يناير 1946م، غادر الملك عبد العزيز الأراضي المصرية قبل المغرب من ميناء السويس بعد أن أمضى في ضيافة مصر ملكًا وحكومة وشعبًا اثني عشر يوماً.
وعقب إبحار اليخت الملكي «المحروسة» بجلالة الملك عبد العزيز وجَّه جلالته رسالة إلى الملك فاروق، جاء فيها: «لقد تجلت مصر الكريمة المضيافة عظيمة بمليكها وقادتها وشعبها، عزيزة بنهضتها، قوية بجيشها، وما جيش مصر إلا جيش العرب، فقد قمتم يا جلالة الأخ بالفضل فكانت أياماً رضوى، ثم أيام القاهرة والإسكندرية. وما كنتم ونحن نقلب الرأي في شؤون العرب جميعًا لتنسوا البلاد العربية السعودية وصلاتها بأختها العزيزة مصر، وما كنا لننسى مصر الكريمة وصلاتها بشقيقتها العربية السعودية، فكان من حظ البلدين توثيق الروابط بينهما، وتوحيد جهودهما في سياستهما، وإقامة التعاون بينهما على أثبت الدعائم. وإنه لمن سعد الطالع لنا جميعًا أن الشعور العربي المشترك بيننا هو شعور عام، اشتركنا فيه مع إخواننا وإخوانكم ملوك العرب وأمرائهم ورؤسائهم، كما اشترك معنا في شعورنا كل مسلم وكل عربي. وما جامعة الدول العربية التي أسست دعائمها في عاصمة ملككم - بفضل الله ثم بفضل جهود جلالتكم وجهود إخواننا ملوك العرب ورؤسائهم وأمرائهم - إلا أثرٌ لهذه الروح التي تربط بيننا، وتؤلف بين قلوبنا جميعًا. كلانا - والحمد لله - موقن بأن القوة في وحدة الكلمة، وأن الأخ درع لأخيه، فإن تآخينا من شأنه أن يوثق عرى التآخي بين شعبينا. وما شك أحدنا في أن مصلحة البلدين تقضي بوحدة اتجاههما السياسي، ووحدة السبيل الذي يسلكانه في منهاجهما الدولي، ذلك مبدؤنا ومبدأ شعبنا، يتوارثه الأبناء، ويبقى - إن شاء الله - على وجه الدهر بهذه الروح».
[email protected]
على التويتر @yousef_alateeg- فاكس 2333738


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.