يصل الرئيس المصري محمد مرسي إلى المملكة غداً الأربعاء في أول زياراته الخارجية بعد انتخابه في 21 يونيو الماضي، وهي زيارةٌ تحظى باهتمامٍ عربي وإقليمي. ويُنظَرُ إلى المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية باعتبارهما قطبي العالم العربي، وتقوم متانة العلاقات المصرية السعودية على ارتباطهما على الصعيدين الشعبي والسياسي بعلاقات استراتيجية وتاريخية بدأت في العصر الحديث في عهد الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود. وتوصف الرياضوالقاهرة بأنهما «محوري الشرق الأوسط بما يمثلانه من حكمة وتعقل وتآلف أمام محاور الفرقة» كما توصف العاصمتين ب «جناحي الأمة العربية والإسلامية»، بحسب تعبير مدير مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية الدكتور أنور عشقي. وتتميز العلاقات بين البلدين بالمتانة نظراً للمكانة الكبيرة التي يتمتع بها كل طرفٍ على الأصعدة العربية والإسلامية والدولية، فعلى الصعيد العربي تؤكد الخبرة التاريخية أن القاهرةوالرياض هما قطبا العلاقات والتفاعلات في النظام الإقليمي العربي وركيزته، وعليهما يقع العبء الأكبر في تحقيق التضامن العربي والوصول إلى الأهداف المنشودة التي تتطلع إليها الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج. وأدى التشابه في التوجهات بين السياسات المصرية والسعودية إلى التقارب إزاء العديد من المشكلات والقضايا الدولية العربية والإسلامية أهمها الصراع العربي الإسرائيلي والقضية الفلسطينية، ونتج عن ذلك تطابق المواقف السياسية المعلنة، ومن هنا كان طبيعياً أن تتسم العلاقات السعودية المصرية بالعمق والاستمرارية. علاقة قديمة شكلت العلاقات السعودية المصرية أحد أهم التفاعلات العربية منذ نجاح الملك المؤسس في دخول مدينة الرياض واسترداد ملك أجداده في نجد عام 1902 وحتى مبايعته «ملكاً على الحجاز وسلطاناً لنجد وتوابعها» في 1926، ثم جاءت المعاهدة السعودية المصرية في عام 1936، متزامنة مع حركتي الانبعاث في كلٍ من الجزيرة العربية ومصر، فقد استهدفت الأولى بقيادة الملك عبدالعزيز استعادة سلطة أجداده وأسلافه في نجد، على حين استهدفت الثانية التي قادها الشعب المصري ضد الاحتلال البريطاني تحقيق الاستقلال والحرية، وتشابهت الخطوط العامة لكلتا الحركتين السعودية والمصرية في الآمال والطموحات مما هيأ قدراً من التقارب والتعاطف المتبادل، وكان الملك عبدالعزيز حريصاً على أواصر الإخاء والمودة في علاقاته مع ملك مصر فؤاد الأول مما جعله يرسل برقية من الرياض بطريق البحرين لتهنئة ملك مصر وشعبها بمناسبة افتتاح أول برلمان مصري في سنة 1924. وكانت الزيارة الأولى للملك عبدالعزيز إلى مصر في 14 فبراير 1945 لمقابلة الرئيس الأمريكي روزفلت ورئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل، كما التقى الملك فاروق حينذاك. وجاءت الزيارة الثانية للملك عبدالعزيز لمصر في يناير 1946 تتويجاً للعلاقات السعودية المصرية التي تربط بين الشعبين العربيين الشقيقين، وتأتي أهمية هذه الزيارة كونها الزيارة الرسمية الوحيدة التي قام بها الملك عبدالعزيز آل سعود خارج المملكة، وكانت خير تعبير من قِبَل المؤسس عن تقديره لتراث العلاقات السعودية المصرية الزاخر بصور التعاون المخلص والمثمر مما مهد لتحقيق تلك الزيارة التي كان لها صدى بعيد المدى على المستويات الثنائية والعربية والدولية على السواء، كما كان لها أثرها الكبير في دعم العلاقات السعودية المصرية، واستغرقت الزيارة 12 يوماً ولاقت ترحيباً كبيراً على المستويين العربي والدولي. وتجدر الإشارة إلى أنه عندما تعرضت العلاقات السعودية الإيطالية للفتور، وما ترتب عليه من سفر الطيارين الإيطاليين إلى بلادهم، أمر الملك عبدالعزيز بإيفاد سبعة طيارين سعوديين إلى مصر، ليلتحقوا بالمدرسة المصرية للطيران الحربي ثم بمطار أبي قير. وتطابقت مواقف المملكة العربية السعودية مع مواقف مصر إزاء إنشاء جامعة الدول العربية بعد التشاور الذي تم بين البلدين حيث وضع الوفد السعودي مبادئ عدة في سبيل العمل العربي المشترك، ومن أولى هذه المبادئ توثيق الصلة بين المملكة ومصر بصفة خاصة، واتخاذ ذلك أساساً للبحث في كل ما من شأنه أن يؤدي إلى خير الأمة العربية، ولهذا كان الاتجاه السعودي المصري يؤكد على إقامة تعاون وتضامن بين الدول العربية يقوم على مبدأ المساواة من أجل الصالح العام، وفي أعقاب قيام الجامعة العربية فقد اتخذ مجلسها قرارات عدة في الثاني من ديسمبر 1945 لمساندة القضية الفلسطينية عن طريق العمل على منع المنتجات والمصنوعات اليهودية من الدخول إلى البلاد ذات العضوية في الجامعة حتى لا تكون الأسواق العربية مجالات لتحقيق الأغراض الصهيونية السياسية. ثورة يوليو زاد توثق العلاقات السعودية مع مصر عقب قيام ثورة 23 يوليو 1952، وظل قلب الملك عبدالعزيز يكن لمصر كل الخير، حتى إن جلالته وولي عهده رحبا في مدينة الطائف، في أغسطس 1953، بالرئيس محمد نجيب بصفته رئيساً للجمهورية المصرية في موسم الحج، قبيل وفاة الملك عبدالعزيز بأيام قلائل، وكان الملك عبدالعزيز سعيدا بالزيارة وكان الاستقبال مليئا بالحفاوة، وقد دعا الرئيس محمد نجيب الأمير سعود بن عبدالعزيز لزيارة مصر تأكيداً للروابط الحميمة بين البلدين الشقيقين، وتوفي الملك عبدالعزيز في عام 1953م، وكان من وصاياه «المحافظة على الصداقة مع مصر». المملكة وأكتوبر بإصرار إسرائيل على عدم الانسحاب من الأراضي العربية، ترتب على ذلك التنسيق السعودي المصري العربي لحرب أكتوبر 1973. وكان للملك فيصل – رحمه الله- دورٌ كبير في معركة سلاح النفط ودعم مصر والآثار التي ترتبت على ذلك، وبرهنت تلك الحرب على مستوى التنسيق السعودي المصري، وكان الملك فيصل شريك المعركة في الإعداد لها، وفي خوضها، وفي مواجهة آثارها، وكان التنسيق الذي تأمنت له أسباب السرية التامة، بينه وبين الرئيس السادات والرئيس الأسد واحداً من العوامل الحاسمة التي انفردت بها تلك الحرب في عنصر المفاجأة. ووضع الملك فيصل إمكانات المملكة العربية السعودية في خدمة المعركة، كما أرسل قوات سعودية إلى سوريا شاركت في القتال، وكانت هذه القوات تتكون من لواءين مدرعين وطائرات (لايتنج) القاذفة المقاتلة، وطائرات النقل العملاقة وصواريخ أرض أرض، كما أرسلت المملكة سرباً من الطائرات إلى مصر للمشاركة في المعركة إلى جانب مرابطة قوات على الجبهة الأردنية، كما وجه قائد الحرس الوطني نداءً إلى جميع الضباط وضباط الصف وجنود الحرس إلى قطع إجازاتهم والالتحاق بألويتهم ووحداتهم استعداداً للاشتراك في المعركة، وكان من أهم عوامل نصر العرب هو العلاقات القوية بين قيادات مصر والسعودية. الملك فهد اهتم الملك فهد بن عبدالعزيز- رحمه الله – بالعلاقات الدبلوماسية مع مصر، وحَرِصَ على تبادل الزيارات مع الرئيس المصري السابق حسني مبارك. وجاء التحالف الذي حدث إبان أزمة الخليج الثانية لمواجهة الغزو العراقي للكويت معبراً عن طابع هذه العلاقات وما تنطوي عليه من مصالح مشتركة تضع الدولتين في الموقع نفسه تجاه التطورات الإقليمية والدولية، في هذا السياق تنامى التعاون بين السعودية ومصر في المجالات المختلفة وصولاً إلى مجالي الدفاع والاقتصاد، حيث تنامى التبادل التجاري بين البلدين. الملك عبد الله بدأ خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز – حفظه الله- أولى الزيارات الرسمية لمصر في عام 2007، وبحث مع الرئيس السابق محمد حسني مبارك تطورات الأوضاع على الساحتين العربية والإقليمية والقضايا الدولية التي تهم البلدين، وتركزت المباحثات في القاهرة على القضية الفلسطينية في ضوء دعوة الرئيس الأمريكي جورج بوش لعقد اجتماع دولي في مدينة أنابوليس الأميركية حول عملية السلام، كما تناولت الزيارة أزمة الرئاسة اللبنانية والأوضاع في العراق وإقليم دارفور السوداني. ودشن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز والرئيس المصري السابق في عام 2008 السفينتين السريعتين لنقل الركاب والمركبات بين السعودية ومصر في مقر ميناء جدة الإسلامي، واللتين تحملان اسم «الرياض»و»القاهرة»، حيث قام الملك عبد الله خلال حفل التدشين بإهداء الرئيس السابق مبارك وثيقتي التنازل عن ملكية السفينتين هديةً من شعب السعودية لأشقائهم الشعب المصري وتعبيراً عما تكنه المملكة قيادة وحكومة وشعباً لمصر الشقيقة حكومة وشعباً من محبة وتقدير. وشَمِلَ اللقاء مباحثات آفاق التعاون بين البلدين ومجمل الأوضاع والتطورات على الساحات العربية والإسلامية والدولية وموقف البلدين منها، وذلك على متن السفينة «الرياض» الراسية في ميناء جدة الإسلامي. وفي 2010، تناولت مباحثات القمة المصرية – السعودية التي عُقِدَت في شرم الشيخ بين خادم الحرمين الشريفين والرئيس المصري السابق أبرز القضايا على الساحتين العربية والدولية وفي مقدمتها عملية السلام في المنطقة، في ضوء الثوابت العربية إزاء القضية الفلسطينية، وكذلك في ضوء التعاطي الأميركي مع المفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية، ونتائج التحركات الجارية في المنطقة بهدف دفع تلك المفاوضات إلى الأمام، كما ناقش مبارك وخادم الحرمين الشريفين الملف اللبناني وأزمة الملف النووي الإيراني، كانت العلاقات بين السعودية ومصر وثيقة في عهد حسني مبارك. المملكة والثورة رحبت المملكة العربية السعودية بالانتقال السلمي للسلطة في مصر، كما تمنت أن تتكلل جهود القوات المسلحة المصرية بالنجاح في إعادة السلم والاستقرار تمهيدا لقيام حكومة وطنية تحقق آمال الشعب المصري نحو الأمن والاستقرار والازدهار الاقتصادي، ولتواصل مصر دورها التاريخي على الساحات العربية والإسلامية والدولية. وبدأت المملكة العربية السعودية بضخ فوائض الاستثمارات السعودية والتي قامت بدور حيوي في خطة التنمية في مصر الجديدة، فمصر كانت ولا تزال رغم كل شيء أكبر سوق في الشرق الأوسط، وهي أكبر مستورد للقمح في العالم، وبمساعدة الاستثمارات السعودية في المجال الزراعي يمكن لمصر أن تحقق الاكتفاء الذاتي من القمح أو على الأقل تقلل من الاستيراد.وبناءً على توجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله، التزمت السعودية بدعم مصر والوقوف معها لمواجهة التحديات التي يعاني منها الاقتصاد المصري، وذلك من خلال حزمة مساعدات بلغت ثلاثة مليارات وسبعمائة وخمسين مليون دولار. ويحرص الملك عبد الله بن عبد العزيز على ما فيه خير ومصلحة الشعب المصري الشقيق، وهو ما توضحه توجيهاته بدعم الاقتصاد المصري من خلال حزمة من المساعدات بلغت ثلاثة مليارات وسبعمائة وخمسين مليون دولار، وقد بادرت المملكة بتحويل مبلغ خمسمائة مليون دولار منحة لدعم الميزانية المصرية، وقد تم تحويل المبلغ المشار إليه إلى حساب وزارة المالية المصرية في البنك المركزي المصري في مايو الماضي، كما بعثت المملكة وفدا من الصندوق السعودي للتنمية لجمهورية مصر العربية الشقيقة لبحث العناصر التنموية من هذه الحزمة التي تبلغ مليارا وأربعمائة وخمسين مليون دولار، وتم على إثرها التوقيع على مذكرة تفاهم مع وزارة التعاون الدولي بمصر حيث يحدد الجانب المصري المشاريع ذات الأولوية لدراستها من قبل الصندوق وذلك لاستكمال إجراءات التنفيذ، كما قدمت المملكة بالإضافة إلى ما أشير إليه مساعدات عينية تمثلت في تأمين (48.000) طن متري من غاز البترول المسال، وأكد وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل على أن «حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لم تتوان عن الوقوف إلى جانب الشعب المصري الشقيق انطلاقا من التزامها التاريخي في دعم ومساندة الدول الشقيقة». وتابعت المملكة بحرص الأخوة المرحلة الانتقالية في مصر وانتخابات الرئاسة وساندت الشعب المصري في هذه المرحلة وأكدت على موقفها المحايد من فوز أي مرشح بالرئاسة، وبعد إعلان فوز الرئيس المصري الدكتور محمد مرسي بعث خادم الحرمين الشريفين برقية تهنئة له.وقال الملك عبد الله في برقيته «نهنئ الشعب المصري الشقيق ونهنئكم على اختياركم رئيساً لجمهورية مصر العربية الشقيقة، وإننا إذ نقدر هذا الاختيار لأشقائنا في مصر لنأمل من الله العلى القدير أن يوفقكم ويسدد خطاكم لما فيه خدمة الإسلام وخدمة مصر وشعبها الشقيق في سبيل استقرارها ونموها وتحمل دورها الإسلامي والعروبي». بدوره، قال الرئيس المصري في أول تصريح له بعد فوزه بالرئاسة أن أولى زياراته الخارجية ستكون للمملكة، في المقابل دعا خادم الحرمين الشريفين الرئيس المصري إلى زيارة المملكة وأداء مناسك العمرة خلال زياراته التي تبدأ غدا الأربعاء. الأمير سلمان وجمال عبد الناصر
الملوك عبد الله وفهد وخالد والرئيس السادات في مخيم ملكي عام 76
خادم الحرمين الشريفين وحسني مبارك
الملك فهد وحسني مبارك
المملكة ومصر.. علاقات متينة وتعاون اقتصادي (جرافيك الشرق)