شائعة «الجن» تحول مستشفى مهجورا إلى مزار للنهب والتخريب الرياض - أحلام الزعيم منذ ما يزيد عن 26 عاما، وعلى مساحة تمتد إلى 20 الف متر مربع يقع مستشفى عرقة في مدينة الرياض. غير ان أحداً لا يعرف أي معلومة محددة أخرى عنه. فالمبنى الذي يمتد علوا لسبعة طوابق كان قد بني ليكون مستشفى للصحة النفسية، وكان يفترض بالمباني السكنية التابعة له أن تكون مأهولة بالحياة لا أن يسكنها الوحشة والخراب كما هو الحال الآن. لا شيء يدل على وجود مرفق قابل للاستخدام، فالمكان يبدو كما لو كان تعرض لسيل جارف جرده من كل ملامحه قبل أن تتولى الأيدي العابثة مهمة تدمير ما يمكن تدميره بعد ذلك. محررة «الجزيرة»، استجمعت رباطة جأشها وزارت الموقع محاولة أن تكشف لغزه المحفوف بالكتمان. المبنى الذي علقت لوحاته لتدل على أنه مصح نفسي، لم يعمل ولا لساعة واحدة منذ إنشائه. زواره في ذلك الوقت وجدوه مجهزا بمعدات طبية متكاملة، من غرف عمليات وأجهزة تكييف ومكاتب إدارية وأسرة. إلا أن هذه التجهيزات تركت على حالها لسنوات طويلة قبل أن تنتشر على الإنترنت شائعة تقول: إن المبنى مسكون بالجن، وهي الشائعة التي تحولت إلى تذكرة دخول للمتطفلين و(المغامرين) بل وحتى المخربين الذين لم تنقطع زياراتهم حتى هذه اللحظة. الفارق الوحيد حالياً هو أن ما كان في المبنى لم يعد فيه، فجميع ممتلكات المبنى أصبحت إرثاً لكل زواره الذين تكفلوا بنهب الأجهزة والمكيفات والمعدات بكل أنواعها ثم بيعها، دون أن يحرك أحد ساكناً. في المبنى المسكون لا شيء غير الوحشة والخراب يسكن البناء المحكم كقلعة لا زالت - رغم كل الصدأ الذي يعتريها- قابلة لأن تكون وكرا شافيا للعديد من المرضى الذين يزدحمون في قوائم الانتظار. الدخول إلى المستشفى الموحش والسير على الزجاج المكسور في كل بقعة والأسلاك المنسدلة من كل سقف والصدأ المنتشر تحت خيوط العناكب يتطلب منك بسملة مع كل خطوة. الصعود للطوابق العلوية كان الأشد رهبة حيث تتكسر معظم خيوط الشمس ولا تصطحب معك إلا قدرا ضئيلا لا يكفي لتشعر بالطمأنينة، فتصاب بفزع تخفض له رأسك لمجرد خرخشة هروب (فأر) من جحر لآخر. نعمة الظلمة أنها لا تمكنك من قراءة عبارات أشد هلعا مشحونة بالجن والانتحار والجنون. وأنت هناك لا تفكر إلا بشيء واحد: أن تخرج من المبنى وسيارتك لم تختف بعد. البحث عن الأب الشرعي ما زال البحث عن الأب الشرعي لهذا المبنى المجهول والمحاط بالكتمان جاريا. الشرطة التي رفع لها السكان المجاورون الكثير من الشكاوى حول زوار الموقع المجهولين ومضايقاتهم والحرائق التي يشبونها: «رفعت الى الجهة المعنية» كما ذكر لنا المتحدث الرسمي في الشرطة العقيد ناصر القحطاني: «كتبنا للشؤون الصحية للتصرف في هذا الأمر وتبيان موقفها من حراسة المبنى أو تشغيله أو ترميمه أو إغلاقه لكن لم يردوا علينا حتى الآن ولازلنا ننتظر الرد». ولم يتردد العقيد القحطاني في إثبات الشكاوى التي وردت إليهم: «أتتنا عليه ملاحظات بأن هناك دخولا وخروجا عليه. وأنه مكان غير محروس وكتبنا كل ما لدينا للشؤون». وعما إذا كان من المحتمل إغلاق المكان ومداخله بالكامل أجاب: «نحن لا نملك حق إغلاق المكان لأنه منشأة حكومية تتبع لجهة حكومية». غير أن متحدث الشؤون الصحية سعد القحطاني قال في اتصال مع «الجزيرة»: «معلومات المستشفى لدى وزارة الصحة وهو لا يتبع لنا وليس لدي معلومات عنه». بدورها نفت وزارة الصحة أن يكون مستشفى عرقة تابعا لها. وذكرت على لسان متحدثها د. خالد مرغلاني ان المستشفى لا يتبع لوزارة الصحة: «إنه يتبع لقطاع خاص ولم يكن مستشفى صحة نفسية. هو تابع للقطاع الخاص وكان يفترض أن يعطى للصحة ولم يتم ذلك ولم يدخل أبدا في نطاق وزارة الصحة». ويبدو ان موضوع المستشفى المهجور أو المعطل مسألة لا يعلم عنها الكثيرون، إذ كان جواب نائب رئيس اللجنة الصحية والبيئة في مجلس الشورى الدكتور محسن الحازمي حين سؤاله عن هذا المستشفى بأنها المرة الاولى التي يسمع فيها عن هذا المستشفى: «ليس لدي أي خبر عن مبان مهجورة أو مبان معطلة تابعة للصحة. هذا السؤال يفترض ان يوجه لوزارة الصحة، فنحن نناقش التقارير التي تأتينا من الوزارة وليس لدينا خبر عن المستشفى أو سبب عدم تشغيله. إذا وصلنا شيء مكتوب من الوزارة أو خارجها سنناقشه. لكن لم يصلنا أي تساؤل عن هذا المستشفى أو عن مبان مهجورة». الجار قبل الدار من لم يسعفهم الحظ في البعد عن الجار المسكون بالوحشة والرهبة أبدوا امتعاضهم مما يجلبه هذا المبنى المتروك لعابري السبيل من المخربين. أبو سارة -إعلامي- تحدث عن البناء مبتدئا بما نهب منه: «كل المكيفات والأجهزة منهوبة الآن. لم يعد هناك شيء في المبنى يمكن الاستفادة منه». وعن الكيفية التي تحولت (إشاعة مسكون) إلى تذكرة دخول الغرباء لهذا المبنى يضيف أبو سارة: «انتشرت شائعة في الإنترنت أنه مسكون، لكن لم نسمع أو نرى أو نلاحظ أي شيء غريب. بعد الشائعة بدأ المبنى يستقبل زيارات من شباب أو مخربين يأتون من خارج الحي لمجرد التطفل، وأصبحت هذه الزيارات مقلقة مع زيادة عدد من يأتون وتعمدهم إشعال الحرائق أكثر من مرة وإزعاج سكان الحي بتصرفاتهم وسياراتهم التي يقومون بركنها أمام البيوت. طلبنا من الشرطة تأمين المنطقة، لكن للأسف وبدلاً من ذلك أصبح المكان مجالا للتفحيط والتخريب. دورية واحدة كانت تمر في فترة ماضية ولكنها لم تعد تأتي إلى هنا». ويعرف أبو سارة المراحل التي مر بها تاريخ (تقاذف) هذا المستشفى من جهة لأخرى. فهو يسكن بجواره منذ 20 عاما: «المستشفى لم يعمل ولم تشغله وزارة الصحة ووضع عليه لوحات الصحة النفسية. ثم علمنا أن وزارة الصحة قالت: إنه ليست لديها طاقة تشغيلية له وأعطته للمستشفى التخصصي. ومن ثم تسلمه التخصصي كأمن صناعي وغيرت اللوحات». وبحسب أبو سارة فإن مستشفى التخصصي يرفض الآن تسلم هذا المكان. لم نعد نعرف الجهة المسؤولة عن المشروع. حتى السكن اصبح الآن مهجورا. ومن أتوا من الأمن الصناعي التابع للتخصصي لم يعودوا إلى هنا». سألنا أبا سارة عن آخر فترة جاء فيها موظف من جهة ما فأجاب: «آخر فترة لشخص يداوم في هذا المكان كان منذ ستة أشهر. قال لي: إنه تابع للتخصصي ويأتي بسيارة مدنية عادية. يضيف: «ما زال المكان مفتوحا للغادي والرائح. الأيدي العابثة لم تتوقف عنه والحرائق الصغيرة موجودة من وقت لآخر. والتفحيط آفة من آفات هذه المساحة. وما زلنا الجيران المتضررين من المكان».