كنتُ صغيرًا في مزرعة جدي أنام في الطين ولي صديقة, فزّاعة التي تقف بين شجيرات الذرة تخافها كل الغربان حتى العصافير الفزاعة مسكينة كانت طيبة جداً كانت تسمح لي أن أتكئ عليها كانت تحب حكاياتي أيضًا كبرت وتوفي جدي وابتاع المزرعة أناس لا تعرفهم الفزّاعة. II ذهبت للمدينة الملونة وزرت الشوارع ولفحتني حرارة الإسفلت وجدت أناسًا يشربون دخانًا ومجانين يرقصون في الشارع ورجالاً يلبسون بدلات فخمة.. ويكذبون ومسنين في المقاهي لم أجد فزّاعة اتكئ عليها وجدت عمود إنارة قديماً عند المقهى كان يتدلّى منه صوت حزين لم يكن صوت الفزّاعة يومًا. III في ليلة شتوية ووجدت أنثى تنتظر عند عمود الإنارة لديها عينان يولد فيهما دفء كانت تلبس معطفًا رمادياً وشالاً صوفيًا أزرق لم يأتها أحد حزنت.. وابتسمت ابتسامة مكسورة.. جميلة اقتربت منها وأخبرتها إن لم يرافقها هذا العمود للمنزل سأفعل أنا ابتَسَمَتَ, وحملت حزنها على كتفي لم تقل شيئاً.. كانت تمشي بهدوء الملائكة. IV سألتني مرة لما أحب الفزّاعات المخيفة أخبرتها أني لي شجرة في قلبي يزورها الخريف حين يرحل أصدقائي ولا يعودون وحَزِنَت.. لا أعلم لماذا قبل أن أراها لمرة أخيرة قالت لي: هناك في شفتيك شيء يخصني قبّلتها في جبينها الأبيض وذهبت. V صباح الأحد وجدت الشوارع نائمة الناس ليسوا أناسًا.. كأنهم يمشون لجنائزهم نزلت محتفياً بذكرى البارحة ونسيت ذاكرتي في الغرفة لم أجد أحداً.. وجدت عند عمود الإنارة فردة حذاء قديمة فيها سيجارة وورقة مكتوب فيها علمت البارحة أنك تحب فان جوخ لقد جعلت من الليلة الأخيرة مثالية.. انكسر ضلعي الأيمن... ركضت مسرعاً تخونني قدماي حين توقفت فجأة وجدت نفسي في مزرعة جدي والفزاعة لم تعد تخافها الغربان مشيت باتجاهها ووقفت ورفعت يدي مثلها جاءني العجوز قال: ماذا تفعل بُني؟ قلت: ألا تريد فزّاعة جديدة؟ (*)كاتب وقاص