ما أعظم تلك النفوس التي تستشعر ما حولها من المعاني، وتبصر بها إلى أن تصل إلى ساحل الحقيقة، نظرت إليه فإذا هو قابع في احدى زوايا بيته، قد وضع راحتيه على خديه وابحر يفكر تفكيراً عميقاً قلت له يا هذا انهض وقم وانفض غباراً حل مكان الورد والياسمين، قال دعني فأنا اليوم في عداد المنكسرين قلت وما ذاك؟ قال: انا يتيم قلت مرحا أنت في كوكبة الفالحين، أما علمت ان خير العالمين كان يتيما، رفع رأسه ودمعة على خديه قال كان يتيما، قلت نعم، أما سمعت ابن اسحاق يحدث عن ذلك الطفل اليتيم وهو يقول: كانت حليمة تحدث انها خرجت من بلدها مع زوجها وابن لها صغير، في نسوة من بني سعد بن بكر تلتمس الرضعاء وكانت معنا شارف لنا والله ما تبض بقطرة، وما ننام ليلنا من بكاء طفلنا من الجوع حتى قدمنا مكة نلتمس الرضعاء فما منا امرأة إلا وقد عرض عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأباه، إذا قيل لها انه يتيم، وذلك انا كنا نرجو المعروف من أبي الصبي، فكنا نقول: يتيم! وما عسى أن تصنع امه وجده، فما بقيت امرأة قدمت معي إلا أخذت رضيعاً غيري، فلما أجمعنا الانطلاق قلت لصاحبي: والله اني لأكره ان أرجع من بين صواحبي ولم آخذ رضيعاً والله لأذهبن إلى ذلك اليتيم فلآخذنه,قالت: فلما أخذته رجعت به إلى رحلي، فلما وضعته في حجري أقبل عليه ثدياي بما شاء من لبن فشرب حتى روي وشرب معه أخوه حتى روي ثم ناما، ثم قدمنا منازلنا من بلاد بني سعد، فلم نزل نتعرف من الله الزيادة والخير حتى مضت سنتاه وفصلته وكان يشب شباباً لا يشبه الغلمان حتى اذا كانت السنة الخامسة أو الرابعة من مولده وقع حادث شق صدره فقامت حليمة بعدها برده إلى أمه فكان عند أمه إلى أن بلغ ست سنين، ورأت آمنة وفاء لذكرى زوجها ان تزور قبره بيثرب فخرجت ومعها ولدها اليتيم محمد صلى الله عليه وسلم وخادمتها ام أيمن، فمكثت شهراً ثم قفلت وبينما هي راجعة إذ يلاحقها المرض فماتت بالأبواء بين مكة والمدينة، أرأيت يا أخي إلى تلك المصائب التي حلت على ذلك اليتيم محمد صلى الله عليه وسلم وعاد به عبدالمطلب إلى مكة وكانت مشاعر الحنو في فؤاده تربو نحو حفيده اليتيم فكان لا يدعه لوحدته المفروضة بل يؤثره على أولاده، ولما بلغ ذلك اليتيم ثماني سنوات وشهرين وعشرة أيام من عمره عليه الصلاة والسلام توفي جده عبدالمطلب بمكة وعهد بكفالة حفيده إلى عمه أبي طالب شقيق أبيه. هذه بعض اللمحات السريعة عن سيرته عليه الصلاة والسلام وكيف نشأ يتيما فهلا شمّرت أيها اليتيم عن ساعد الجد وطرحت العجز والكسل والحزن كما فعل نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، نعم أنت صغير ولكنك كبير في قلبك عظيم في قدرك، فقم يا صاحبي وانفض عنك الوهن وكن اداة بناء في المجتمع، فنحن في حاجة إليك. محمد بن عبدالله الدخيل