أن يتصدى الاتحاد الأوروبي لسياسة إسرائيل الرامية لتهجير الفلسطينيين قسرا من أراضيهم وخاصة في مناطق “ج” وتقليص وجودهم فيها خطوة جادة نحو منع إسرائيل من القيام بالتوسع.. وإقامة المزيد من المستوطنات وتأكيد للمطالبات العربية والدولية بأن ما تفعله إسرائيل من قضم للأراضي وهدم للبيوت.. واقتلاع الأشجار إنما يمثل تعديا صارخا على كل المواثيق الدولية وحقوق الإنسان فضلا عن إمكانية تحقيق إقامة دولة فلسطينية وفق حل الدولتين على حدود عام 1967. هذه الخطوة التي تبناها إليها الاتحاد الأوروبي بعد مطالبات فلسطينية وأردنية وعربية ودولية بخطورة الموقف تمثل رغبة أوروبية حادة إلى أن منطقة “ج” المهددة بالانقراض بسبب السياسة الفاشية والعنصرية الإسرائيلية تشكل 62 في المائة من مساحة الضفة الغربية وهي بمثابة سياسة الترحيل القسري الممنهج التي تتبعها إسرائيل ضد سكان هذه المناطق الأمر الذي يقضي بآمال اللجنة الرباعية والأممالمتحدة في إيجاد حل للصراع العربي – الإسرائيلي بصورة عامة والقضية الفلسطينية بشكل خاص. فالتقرير الذي تُلي في بروكسل وصادقت عليه الدول الأوروبية بشأن “إدانة” إسرائيل لسياستها في الأراضي الفلسطينية وإن كان يمثل تقدما بل وتطورا في سياسة الدول الأوروبية التي غضت الطرف عن الدور الإسرائيلي البشع في الأراضي الفلسطينية وغيرها من الدول التي احتلتها في عام 1967 يعتبر خطوة متقدمة في الالتفات ولو بشكل جزئي إلى الانتهاكات والاستفزازات وسياسة الابرتهايد التي تنتهجها إسرائيل ضد الفلسطينيين ليس في هذا الجزء “ج” الذي يضم حوالي 124 مستوطنة غير شرعية وفقا للقانون الدولي ويقع تحت السيطرة الإسرائيلية المباشرة بالإضافة إلى كون هذا القطاع أكثر الأراضي خصبا وغنى في الموارد... إلا أن التقرير ينبغي تنفيذه على الفور، وأن لا يكون ضمن أوراق الاتحاد الأوروبي أو الأممالمتحدة التي يتم وضعها في أدراج أو الملفات الدولية كما هو الحال في القرارين الدوليين 242 و338 الصادرين عن المنظمة الدولية بشأن استعادة الأراضي المحتلة عام 1967. والواقع أن الدبلوماسيين العرب والأجانب قد رحبوا بهذا التقرير المؤلف من 16 صفحة الذي يعتبر من أكثر التقارير التي وجه الاتحاد الأوروبي حدة وصرامة حتى الآن لعمليات هدم البيوت والمزارع ولنظام تخطيط للبناء يتصف بالمحظورات والتوسع الاستيطاني الذي لا يتوقف وحاجز الفصل العسكري والعراقيل أمام التنقل الحر ومنع الوصول إلى الموارد الطبيعية والحيوية بما في ذلك المياه والأرض.. وهو من يقلص الوجود الفلسطيني على مساحة كبيرة من الضفة الغربية التي تعقد الآمال عليها في إقامة دولة فلسطينية متصلة جغرافيا وقابلة للحياة. ولعل أهمية هذا التقرير أنه جاء من الاتحاد الأوروبي نفسه حيث شكك هذا الاتحاد بصدقية العديد من التقارير العربية سابقا حول هذه الأعمال الاستفزازية والقرارات الفلسطينية التي اتخذتها السلطات بخطورة الأوضاع في الأراضي المحتلة لكون التقرير الأوروبي أشار بصورة واقعية وموضوعية إلى الزيارة الدراماتيكية في إعداد المستوطنين حاليا هناك والذي وصل حوالي 350 ألفا في المنطقة “ج” على حساب الفلسطينيين الذين يقدر عددهم بحوالي 150 ألفا فيما كان عددهم حوالي 1967 ما بين 300 إلى 350 ألفا من الفلسطينيين الذين يقطنون في منطقة غور الأردن المعروف بتربته الخصبة بشكل ملحوظ. وأهمية هذا التقرير تكمن أيضا بتزامنه مع الندوة التي عقدها السناتور السابق جورج ميتشيل مبعوث الرئيس الأمريكي السابق لمفاوضات السلام الفلسطينية الإسرائيلية بواشنطن هذا الأسبوع الذي حمّل فيها الاحتلال الصهيوني مسؤولية عدم انطلاق العملية السلمية بفضل السياسة الأمريكية ومواقف الرئيس الأمريكي أوباما كحليف قوي يلتزم بشكل كامل وثابت لدعم إسرائيل مشددا على عدم إنهاء الاحتلال وقيام دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة وقابلة للحياة على الأراضي المحتلة عام 1967 وعاصمتها القدس مع تبادل أراضي متفق عليها ستكون لها عواقب وخيمة خاصة وأن الخطر الديمغرافي جاثم ويلوح في الأفق. كم كان جميلا لو أن ميتشيل نفسه قد حذر إسرائيل أثناء مفاوضاته المكوكية مع الفلسطينيين والإسرائيليين خلال فترة توليه المساعي الحميدة التي دامت حوالي ثلاث سنوات والتي لم يحقق خلالها أي نتائج إيجابية لإهاء هذا الوضع المتأزم شأنه مثل بلير رئيس اللجنة الرباعية الدولية والتي حرص على إبداء تحرك ملحوظ خلال العام الحالي من عشر سنوات مضت على تشكيل اللجنة الرباعية والتي كانت جهودها تصطدم برفض إسرائيل ودعم أمريكي أوروبي الأمر الذي أفشل العملية السلمية بشكل قاطع وملحوظ. فالتقرير الأوروبي لن يحقق آمال وتطلعات الفلسطينيين إذا لم يرافقه رغبة أوروبية بل أمنية في تنفيذه وإنهاء الانتهاكات الإسرائيلية ليس في المنطقة “ج” بل في كل الأراضي العربية المحتلة لأن كل المطالبات السابقة من أوروبا بشأن رفض الاستيطان لم يتم تحقيقها من قبل إسرائيل فضلا عن أن المباحثات الفلسطينية – الأسرائيلية التي عقدت عدة جولات في عمان وستعقد أيضا في الخامس والعشرين من الشهر الجاري برعاية اللجنة الرباعية لم تُحدث أي اختراق لدى الجانب الإسرائيلي لوقف الاستيطان وهو ما يعرف بأن هذه المباحثات إنما هي محاولات أمريكية في نهاية حكم أوباما للدفع بمفاوضات من أجل القفز عن موعد السادس والعشرين من الشهر الجاري الذي تحدثت عنه اللجنة الرباعية. ولكن لماذا تخشى الدول الأوروبية تحديد اليوم السادس والعشرين من هذا الشهر؟ والجواب كان واضحا بأن إسرائيل والدول الأوروبية تخشى من أن يمثل هذا اليوم العودة إلى التركيز وتفعيل المقاومة الشعبية والحراك السياسي الدولي لمحاصرة إسرائيل في المنظمات الدولية بعد أن نجحت مساعيها بانضمامها عضوا كاملا في منظمة اليونسكو والواقع أن هذه التحركات الأوروبية هي بمثابة دعم جديد للجهود العربية وخاصة الأردنية التي يقودها جلالة الملك عبد الله الثاني في الدفاع عن القضية الفلسطينية وإقامة الدولة الأمر الذي ينبغي على الدول كافة دعم هذه الجهود لحل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية فضلا عن أن كل المؤشرات تشي إلى أن الموقف الفلسطيني أخذ يتطور بصورة واضحة نحو الإدانة الدولية لإسرائيل لمواقفها من الاستيطان وسياسة تهجير الفلسطينيين وتهويد مدينة القدس بالرغم من الدعم الكبير الذي تلقاه من الولاياتالمتحدةالامريكية وغيرها من الدول الاوروبية التي تريد إطالة الأزمة بإشغال العالم بالملف النووي الإيراني ومدى خطورته على دول المنطقة بالتهديدات الأمريكية والإيرانية حول مضيق هرمز!!