«تمخض الجبل فولد فأرا».. وليته حتى ولد فأرا، ولكن يبدو أنه كان حملا كاذبا وسرابا لا أثر له، هذا ما ينطبق على مساعي من يسمى بأقوى رجل في العالم، وهو الرئيس الأمريكي باراك أوباما، فقد تعهد مع بدء فترته الرئاسية قبل عامين بإيقاف الاستيطان الصهيوني في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة، أو على الأقل تجميده. ولكن بعد مرور نصف فترته الرئاسية أخفق أوباما بجدارة في تحقيق ما وعد به، وذهبت وعوده بوقف الاستيطان أدراج الرياح، مع وعوده الأخرى بإغلاق معتقل جوانتنامو، فقد أعلنت واشنطن بكل وضوح فشلها الذريع في إلزام إسرائيل بتجميد بناء المستوطنات في الضفة الغربيةالمحتلةوالقدس الشريف، وأنها تخلت عن جهود حمل تل أبيب على مجرد تجميد مؤقت يستمر 90 يوما فقط، وقد رحبت القيادة الصهيونية بتلك الخطوة الأمريكية. وفي تحد جديد تخرج الحكومة الصهيونية لسانها للعالم، وبالتزامن مع القرار الأمريكي المتخاذل، قررت لجنة التنظيم والبناء الإسرائيلية في القدس طرح مشروع لبناء 130 وحدة استيطانية في مستوطنة جيلو في القدسالمحتلة، في تجاهل شديد للقرارات الدولية ونداءات المجتمع الدولي، ممثلة في تصريح الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، الذي أبدى أسفه الأربعاء كون «إسرائيل» لا تأخذ في الاعتبار الدعوة الموحدة للمجتمع الدولي حول تجميد الاستيطان، ولا تفي بالتزاماتها الواردة في خريطة الطريق اللجنة الرباعية: الولاياتالمتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة حول تجميد جميع النشاطات الاستيطانية في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة، بما في ذلك القدسالشرقية، فضلا عن معارضة الدول الأعضاء ال27 في الاتحاد الأوروبي للاستيطان الإسرائيلي «غير الشرعي» في الضفة الغربية، كما أكدت ذلك وزيرة خارجية الاتحاد كاثرين أشتون، حيث قالت: «موقف الاتحاد الأوروبي حول المستوطنات واضح: إنها غير شرعية في نظر القانون الدولي، وهي عقبة أمام السلام». وكان الفلسطينيون قد انسحبوا من المفاوضات، بعد انتهاء فترة تجميد للاستيطان يوم 26 سبتمبر الماضي، بعد أقل من شهر من استئناف المباحثات المباشرة بين الجانبين، والتي كانت الأولى منذ ما يقرب من عامين، وأعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس أنه لن يقبل مفاوضات جديدة «ما بقي الاستيطان»، مطالبا بمرجعية واضحة للسلام. وتعد الدعوة الأمريكية للجانبين الفلسطيني والصهيوني لإجراء مباحثات منفردة في واشنطن، وفي هذا التوقيت، وقبل وقف البناء الاستيطاني الصهيوني، مناورة سياسية خطيرة، تشير، ليس فقط إلى تراجع أمريكي، بل وعلى تشجيع غير مسبوق لمناورات سياسة إسرائيل العدوانية الاستعمارية التوسعية، وتنطوي على تواطؤ بين الإدارة الأمريكية والحكومة الصهيونية لقطع الطريق على الآفاق الإيجابية التي فتحها الاعتراف البرازيلي والأرجنتيني بدولة فلسطين في حدود عام 1967، الذي من المتوقع أن تتلوه اعترافات دولية أخرى. وبذلك فإن واشنطن تعطي تل أبيب الأولوية في خياراتها السياسية للاستيطان، ونهب الأرض الفلسطينية والفصل العنصري والتطهير العرقي الذي تمارسه في المناطق الفلسطينية، لقطع الطريق على إمكانية قيام دولة فلسطينية مستقلة، الأمر الذي دعا المفاوض الفلسطيني إلى رفض العودة إلى أي شكل من أشكال التفاوض، قبل وقف جميع النشاطات الاستيطانية في جميع الأراضي الفلسطينية بما فيها القدس الشريف. إن الإدارة الأمريكية بقرارها ذلك، لم تستطع الوصول إلى وقف الاستيطان، الأمر الذي يجعل أي مفاوضات بلا معنى، لأن معنى ذلك أن إسرائيل تواصل تغيير تركيبة الأراضي المحتلة السكانية وغيرها يوما بعد يوم، ما يجعل المفاوضات مجرد منظر أو ربما غطاء لتمكين الاحتلال من مواصلة هذه السياسة التوسعية.. فما موقف لجنة المتابعة العربية من هذه التطورات الخطيرة، وهل ستستمر في الدعوة إلى مفاوضات لا نهائية غير مجدية مع الاحتلال الصهيوني، أم يكون لها وقفة لتعديل المسار وتصويب الطريق؟ .