تسبب التسعة عشر خاطفا من تنظيم القاعدة الذي يتزعمه أسامة بن لادن والذين نفذوا الهجمات بالطائرات على الولاياتالمتحدة في 11 أيلول/سبتمبر الماضي في إحداث تحول جذري في السياسة الخارجية للولايات المتحدة كما أحدثت تحولا في نظرة الرئيس الأمريكي جورج دبليو. بوش إلى العالم. وفجأة أصبح الرئيس الجديد الذي أثار قلق زعماء العالم باعتباره كاوبوي من تكساس لا يهتم بأي شيء يحدث خارج بلاده زعيما عمليا ديناميكيا لتحالف دولي ضد الارهاب. كما أن الادارة الأمريكية التي رفضت معاهدات واتفاقيات الأممالمتحدة حول ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض والاسلحة البيولوجية وغير ذلك من القضايا. وجلبت على نفسها سخرية العالم كسبت فجأة دعما عالميا ضد أسامة بن لادن وشبكة تنظيم القاعدة الذي يتزعمه وتزاحم زعماء العالم في محاولة ليحصلوا على صورة مع بوش أو لتنقل عنهم وسائل الاعلام قولهم بأنهم من الخصوم الالداء للإرهاب. وقال بوش بمناسبة ذكرى مرور ثلاثة أشهر على هجمات أيلول/سبتمبر ان تلك الهجمات وضعت خطا فاصلا آخر في حياتنا وفي حياة أمتنا. فقد تبدد وهم الحصانة وأصبح الشر البعيد خطرا ماثلا.ورغم أن نظرة وموقف بوش إلى العالم ربما تكون قد تغيرت. إلا أنه أصبح من الواضح أن هذا العالم لا يزال يدور حول نفس المحاور القديمة. وربما تقبل الرئيس الأمريكي .الذي وصف بأنه أحادي في الشهور الثمانية الأولى من توليه منصبه. العالم كحلفاء ضد الارهاب لكن مبدأ بوش الجديد بأنك إما تكون معنا أو أنك مع الارهابيين لم يترك أي مجال للتلاعب بالالفاظ. وفي التنفيذ يعد هذا المبدأ مرنا حيث يحدد التعاون بصورة مختلفة لكل دولة لكنه لا يزال يوصف من جانب النقاد بأنه أحادية متعددة الاطراف. ويرى كثيرون أن إعلان بوش الشهر الحالي أن الولاياتالمتحدة ستنسحب من معاهدة الصواريخ المضادة للصواريخ البالستية لعام 1972 وسعيه لانشاء الدرع الدفاعي الصاروخي بمثابة عودة إلى الاحادية بل إنها تعد دليلا آخر على أنه لم يتخل عن تلك السمة.ومع ذلك فإنه في الوقت الذي يقال فيه إن السياسة الخارجية الأمريكية لا تزال أحادية فإن تغيرات مثيرة قد طرأت على الخريطة الدبلوماسية فالقوات الأمريكية تتمركز في جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق بآسيا الوسطى بمباركة موسكو. وقد ظل بوش طويلا يهزأ من مفهوم بناء الأمة لكن الولاياتالمتحدة تشارك حاليا في خطط إعادة إعمار أفغانستان حتى لا يعود الارهاب ليضرب بجذوره هناك مجددا. لكن بوش ألقى الضوء على تغيرات عالمية أخرى في خطابه في 11 كانون الأول/ديسمبر الجاري. وقال بوش إن تهديدا جديدا للحضارة بدأ يزيل الخطوط القديمة للمنافسة والخصومة والاستياء بين الامم. روسياوأمريكا تقيمان علاقة تعاون جديدة وتتحالف الهندوالولاياتالمتحدة بصورة متزايدة في سلسلة من القضايا. حتى وإن كنا نعمل عن قرب مع باكستان وتضطلع ألمانيا واليابان بأدوار عسكرية جديدة. تتناسب مع وضعهما كديمقراطيتين عظيمتين. وبالنسبة للعلاقات مع الصين فقد بدأت بداية سيئة مع الادارة الأمريكية الجديدة عندما بدا بوش رافضا لبكين في مساعيه الدبلوماسية الأولى وأضافت مسألة طائرة التجسس المثيرة للجدل في شهر نيسان/أبريل الماضي مع تعليقات بوش حول الدفاع عن تايوان إلى الاعتقاد بأن الولاياتالمتحدةوالصين بسبيلهما لأن تصبحا متنافستين إن لم تكونا عدوتين. من أجل النفوذ في آسيا ومع ذلك ومع نهاية العام هدأت العلاقات الأمريكيةالصينية. وعلى الرغم من العلاقة الحميمة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلا أنه لم يتسن لبوش كسب دعم روسيا لبرنامج عقوبات جديد ضد العراق ويظل الجدل مستمرا داخل الادارة الأمريكية من أجل سياسة أكثر تشددا للإطاحة بالرئيس العراقي صدام حسين. وفي الشرق الأوسط ظل النزاع الاسرائيليالفلسطيني عامل إرباك للسياسة الخارجية الأمريكية. وأصر بوش على تجنب التدخل بشكل مكثف في المفاوضات بين الفلسطينيين والاسرائيليين والذي استهلك وقت الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون في الشهور الأخيرة من فترة رئاسته ورفض بوش باستمرار مقابلة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات. غير أن مساعي الولاياتالمتحدة بأن تتعامل مع الوضع بحيادية تعقدت بسبب أحداث 11 أيلول/سبتمبر التي جعلت من الصعوبة بمكان على الولاياتالمتحدة انتقاد الردود العدوانية الاسرائيلية الحادة والمتزايدة على أعمال العنف الفلسطينية. وتنفي واشنطن أنها منحت أرييل شارون رئيس الوزراء الاسرائيلي ضوءا أخضر لكنه يبدو واضحا علي نحو متزايد أن إسرائيل لا تشعر بأن أمريكا تحاول كبح جماحها.