تحية طيبة وبعد: فقد قرأت في صحيفتنا الغراء الجزيرة خبراً بعنوان (الجزيرة تعايد منسوبيها بحفل عشاء) وهذا كرم معهود من الجزيرة والقائمين عليها إدارة وتحريراً ومسؤولين وهم يستحقون الشكر على حفاوتهم بعامليهم خاصةً وان الناس «يعيِّدون» في بيوتهم ومنتزهاتهم وزياراتهم والعاملون في الجزيرة يحضّرون للقراء ما يستمتعون به من قراءة الموضوعات المسلّية في العيد. وفي نهاية الحفل كما قرأت ألقى الزميل علي العنزي رئيس قسم التصحيح بالجزيرة قصيدة رائعة تستحق المناسبة وتستحقها، وهأنذا أعرض أو أستعرض قصيدة الأخ علي: 1 عيد بأية حال عدت يا عيدُ أما كفانا لهذا البيت ترديدُ؟ والمطلع جميل ينعي على الناس ترديدهم لبيت أبي الطيب المشهور: عيد بأية حال عدت ياعيدُ بما مضى أم لأمر فيك تجديدُ؟ ومطالع القصائد بالإنشاء لا الخبر هو المطلوب من الشعراء حتى لا يكونوا وصفيين تقريريين. وأبو الطيب لازم الهموم ولازمته فهو لا يحتفل بالعيد، وكثير من الناس ولعلي واحد منهم لا يفرحون بالعيد، وكل حسب حالته. قال أبو العلاء: أبكت تلكم الحمامة أم غنت على فرع غصنها الميادِ؟ فالمسرور يظنها تغني والمحزون يظنها تنوح على أن لي ملاحظة: ألم تردد البيت في مطلعك هذا مع المرددين؟ هذه واحدة. والثانية هموم المسلمين وفلسطين منهم محت فرحة الأعياد. والثالثة: أني أغبطك ولا أحسدك على فرحتك بجمال العيد. 2 العيد بسمة حبٍّ كيف نقتلها؟ وكيف لا يبهج الأعيادَ تغريدُ؟ العيد بسمة، هذا تشبيه بليغ. كيف نقتلها؟ معك حق.. حرام ان نقتلها بل على الأقل لندع الفرحة تملأ مباسم الأطفال. والتغريد والزقزقة جميلة في العيد وسوف أشتري مجموعة كناري أجعلها تطرب العمارة التي أسكن فيها. وعلى فكرة.. الاستفهام في البيت يفيد التعجب والاستنكار بلاغة قوية واستعمال الإنشاء كما قلت هو مطلوب الشعر: والإنشاء أساليبه مجموعة في هذا البيت: مُرْ وانْهَ وادعُ وسَلْ واعرضْ لحضِّهمُ تمنَّ وارجُ/ كذاك النفي قد كملا. فهي الأمر والنهي والدعاء (النداء) والاستفهام والعرض (بألا) والتحضيض (بهلاَّ) والتمني (بليت) والترجي (بلعلَّ) أما النفي فيأتي في الخبر والإنشاء ومجموع البيت مع النفي يفيد نصب المضارع بأن المضمرة بعد فاء السببية (المسبوقة بنفي أو طلب). 3 ها نحن في محفل بالود يجمعنا مشاعر الصدق إثبات وتأكيد وأدعو لكم في تلك الحفلة الكريمة بأن يستمر الود والمحبة تجمعكم (وهي لا تكفي وحدها) بل لا بد معها من العشاء (لحم وأرز وفواكه) وكنت سمعت قصيدة (زجلية) في فلم أظنه لشادية مطلعها: اليوم بلغتِ العشرينا وأتانا أخوكي يدعينا والشاهد منها قول أحد المدعوين لزميله: يا شيخ محمد ما رأيك في هذي الحفلة والزينهْ؟ فيرد عليه قائلاً: الحفلة من غير الأكلِ كالساعة من غير المينا ويقول: يَسلامٌ لامٌ لَوْ لَوْلَو جاءوا بخروف يكفينا .... إلخ ويا أخ علي ما شك أحد في محبتكم للجزيرة حتى تثبتها وتؤكدها بمشاعر الصدق ولعله من باب «ولكن ليطمئن قلبي». 4 صرح الجزيرة شمس المجد ما أفلت باسم الجزيرة نَيْلُ السبق معقودُ ولله الحمد فلن تأفل إن شاء الله شمس مجد الجزيرة وقصب السبق معقود لها بالمرتبة الأولى والثانية والجزيرة كما قال شاعر الفخر: إن تُبتدرْ غايةٌ يوماً لمكرمةٍ تلقَ السوابق منا والمصلينا والسابق الأول والمصلي الثاني ولسان حال الجزيرة يقول: ترى الناس ما سرنا يسيرون خلفنا وإن نحن أومأنا إلى الناس وقّفوا وكنت قرأت احصائية قالت ان توزيع «الجزيرة» أكبر توزيع في المملكة. صرح الجزيرة: هذا تشبيه بليغ من باب إضافة المشبه به إلى المشبه. ما أفلت شمس المجد: هذه كناية نسبة. والكناية ثلاثة أنواع: 1 كناية عن صفة مثل: فلانة بعيدة مهوى القرط والصفة طول العنق وهو جمال مثل رقبة الناقة وجيد الغزالة. قال المجنون يخاطب الغزالة مشبهاً لها بليلى: فعيناشِ عيناها ولونُشِ لونها وجيدشِ إلا أنها غير عاطلِ (بشنشنة بني تميم) وجيد ليلى غير عاطل أي أنه مُقلَّد بقلائد الحُلي. 2 كناية عن موصوف مثل قول المتنبي يكنّي عن القلب: بوصفه: فأتبعتها أخرى فأضللت نصلها بحيث يكون اللب والرعب والحقد (أي أنه أطلق السهم في القلب) 3 كناية عن نسبة كقولهم: المجد يمشي بين أثوابه. وهكذا نرى الأستاذ علي العنزي تأتي في ثنايا شعره النكت البيانية عفوية دون تكلف دلالة على أنه شاعر مطبوع. وقد فرحت له بالشعر الفصيح، وهذا قولهم: لا يصح إلا الصحيح، أليس هو في الجزيرة العظيمة رئيس قسم التصحيح؟ 5 تاريخها بصمة في عالم الصحفِ وقمة عرشها للناس معهودُ أي ان الجزيرة طبعت بصمتها المتميزة، بتاريخها الزاهر، واعتلت عرش الصحافة مع الفخر العظيم وهذا عهد الناس بالجزيرة الصحيفة العظيمة ولا بأس يا أخ علي بدون زعل لو أنك وجدت طريقة لتنوين «الصحف» فإشباعها في الشطر الأول بالكسر (الصُّحُفي) يعني.. وعرشها للناس هنا كناية تصريحية، فقد شبه علو الجزيرة بارتقاء العرش. 6 كم من رئيس لتحرير صباه هنا الصيد والليل والاسفار والبيدُ 7 حتى غدا فارساً والحبر صهوته تسربلت خيله البيضاء والسودُ 8 قد خرّجته ليبقى فخر صنعتها وفرحة الأم تشدوها الزغاريدُ ولعله يقصد رؤساء التحرير الذين بدءوا عملهم محررين في الجزيرة فكان صباهم وشبابهم في جريدة الجزيرة وكانوا يتصيَّدون الأخبار بالليل والنهار يواكبون الحدث في المكان والزمان حتى غدوا فرسان الكلمة ومصاحبي الحبر، وقد تخرجوا من هذا الصرح «الجزيرة» الجريدة وفرحة الجريدة الأم «الجزيرة» بهم لا توصف حتى كأنها تزغرد فرحاً بنجاحهم. ومعروف عن الجزيرة تخريجها لعدد كبير من رؤساء التحرير في الصحف والمجلات الأخرى، ومعروف ان الأستاذ الكبير خالد بن حمد المالك رئيس تحرير الجزيرة يسمى «رئيس رؤساء التحرير» وأذكر من رؤساء التحرير الذين تخرجوا في الجزيرة الأساتذة: محمد الوعيل وعبدالعزيز العيسى وعثمان العمير وعبدالرحمن الراشد ومطر الأحمدي وغيرهم ممن لا تحضرني أسماؤهم، وقد ملأوا الصحافة وشغلوا الناس. ونلاحظ في القصيدة الكنايات وتسمية الأشياء بغير أسمائها وهذا مطلوب في الشعر، وهو يدلُّ على تمكن شاعرنا علي من ناصية الشعر الرصين الجزل. 9 من نبعها تنهل الأقلام رونقها ورأسها شامخ والديدن الجودُ وهذه صفات رائعة خلعها شاعرنا على الجريدة الجزيرة: فهي النبع ينهل (يستقي) منها الكتاب بأقلامهم، ومع كثرة نهلهم إلا أنها تزيد (ماء يوازى بأعلى نبتها الشجر) مع علو الهامة (فخراً وتيهاً) والكرم المعتاد. من نبعها: استعارة تصريحية، تنهل الأقلام: استعارة تصريحية، ورأسها شامخ: استعارة مكنية. 10 ولا تزال بذاك الغنج والألقِ وازدانت النُّجل والازهار والجودُ قلت: ولا تزال الجزيرة (ولا زالت إن شاء الله) في توهجها مع الغنج والدلال متألقة بعيونها النجل، ووجهها الوردي وعطائها الممتد. وكنت أود لو قلت يا أخ علي «في ألقٍ» بدل اشباع «الألقي» كما ذكرنا آنفاً. 11 فتيّة في بهاء الحسن عشاقها تغريهمو روعة فيها وتجديدُ والقصيدة من البحر البسيط (مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن) في كل شطر وهو بحر بسيط على اسمه له ايقاع قوي في الأذن، كما أنه بحر غنائي. قلنا إن الأصل فيه هكذا (مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن) لكن أكثر ما تأتي التفعيلة الرابعة هكذا (فَعِلنْ) أو كما أتت في مطلع القصيدة (فاعلْ أو فالُنْ) لكن التفعيلة الرابعة في البيت الذي نحن بصدده جاءت على الأصل (فاعلن) ولا بأس. فتيّة كما غنت أم كلثوم من شعر رامي: «حبك شباب على طول». في بهاء الحسن: حسناء جميلة في الشكل والمضمون والمظهر والمخبر واللفظ والمعنى. والروعة هنا الجمال. والتجديد مطلوب حتى لا يتطرق الملل والرتابة. هامش على الروعة: لما غنى الفنان الأصيل «عبدالمجيد عبدالله» أغنية «رهيب» بمعنى شديد الجمال ولا علاقة لنا ولا له بالإرهاب لا من بعيد ولا من قريب ، قلت لما غنى عبدالمجيد «رهيب» لحقته أحلام فغنت «مثير» ولحقه رامي عياش فغنى «رائع» ولا إبداع وسامحونا . 12 الكل يطلب وصلاً عاهدته بها وقد وفت عهدها والوصل ممدودُ أما وفاء الجزيرة بوصلها ووصالها فمحمود وأما وفاء المحبات بوعد الوصل فمذموم. قال كعب بن زهير رضي الله عنه: كانت مواعيد عرقوب لها مثلاً وما مواعيدها إلا الأباطيلُ وقال كثيِّر عزَّة: قضى كل ذي دَيْن فوفّى غريمَه وعزة ممطولٌ معنّى غريمهُا وأتمنى وأرجو استمرار وصال الجزيرة صباح كل يوم إلى جميع قرائها، فقد قرأت منذ فترة عتباً من احدى مناطق المملكة على تأخر وصول الجزيرة أو أحياناً عدم وصولها وهذا ليس ذنبها ولكن ذنب الموزع. ملاحظة: كنتُ مدحت الجزيرة فيما مضى بقصيدة قلت فيها بمعنى بيت الأخ علي: كلٌّ يحنُّ لوصلهامهما تباعدت المسافة وخرجت على الصفحة هكذا «كل يجنُّ».. فيا رئيس التصحيح ليس لهذه الدرجة الجنون بل الحنين. 13 حسناؤنا علَّمتنا كيف نعشقها وبادلتنا بهذا العشق أنْ زيدوا وعشقك لحسنائك «الجزيرة» بعد ان عملت بها وعرفتها لكن كثيراً من الناس يعشقونها على السماع حيث انتشر صيتها في الآفاق كما قال بشار: يا قوم أُذني لبعض الحي عاشقة والأذن تعشق قبل العين أحيانا 14 ان الجزيرة قد قالت مقولتها عيد بأجمل حالٍ عدت يا عيدُ إن شاء الله ولا زالت أيام الجزيرة وأهليها أعياداً. ما رأيك يا أخ علي في نهاية هذا العرض أن أشدو لك بأغنيتين للسيدة أم كلثوم الراحلة أصبحتا من معالم العيد وهما فعلاً تحملان فرحة العيد وسروره... الأولى: حبيبي يسعد أوقاته ع الجمال سلطان من ضحكته وابتساماته فرحتك يا زمان ومنها: حبيبي زي القمر قبل ظهوره يحسبوا المواعيد زي القمر يبعت نوره من بعيد لبعيد زي القمر بس جماله كل يوم يزداد وكل ما يهل هلاله تنعاد الأعياد والليلة عيد ع الدنيا سعيد فرح ومواعيد وانت حبيبي الثانية: يا ليلة العيد أنستينا وجددت الأمل فينا يا ليلة العيد ومنها: هلالك هل لعينينا فرحنا له وغنينا وقلنا السعد حيجينا على قدومك يا ليلة العيد ولو سرت في العالم العربي من المحيط إلى الخليج ليلة العيد لسمعت شدو أم كلثوم بهاتين الأغنيتين حتى أن كثيراً لا يعرفون ثبوت هلال العيد إلا بسماع احدى هاتين الأغنيتين. ويكفي هذا.. شاكراً للأستاذ علي اتاحته الفرصة لاستعراض قصيدته الجميلة، كما أشكر جريدة الجزيرة السُّعَيِّدة وعزيزتي الجزيرة المعيِّدة وكل عام والعالم الإسلامي قاطبة بكل خير، والقراء الكرام والسلام ختام. نزار رفيق بشير - الرياض