رأتني زوجتي وأنا منكبٌّ متقوس الظهر أفتش في صفحات ديوان المتنبي، أبحث عن بيت شعر من قصائده يشفي الغليل، ويشرح الصدر ويسلِّي الخاطر. فصاحت زوجتي بأعلى صوتها وقالت : قم يا رجل واترك عنك خرابيطك، لقد أمرضت جسمك، وعذبت نفسك، وضيعت وقتك، وأشقيت أهلك، في بحثك عن أبيات شعر قد عتى عليها الدهر، ومرت عليها أحقاب الزمن، أبيات شعر لا تفك رموزها ومعانيها إلاَّ بقواميس لغة العرب البالية. يا زوجي هداك اللَّه : أنت لا تؤمن بالتطور ولا التحول، ولا بالتغير أو التبدل، الناس من حولك في وادٍ، وأنت في وادٍ آخر. نحن يا زوجي العزيز في عصر العولمة، عصر الفضائيات، عصر الفن والطرب، عصر الشعر الشعبي الذي تنصب له الخيام والقباب، وتقام له السرادق والمهرجانات.. نحن في عصر الكرة والرياضة والرياضيات.. أنت يا زوجي لا تقرأ الصحف والمجلات، صفحات عديدة فيها مليئة بأخبار الممثلين والممثلات وأصحاب الأقدام الذهبية التي تُشترى بملايين الريالات، وقصائد نبطية يمزق عندها شعر صاحبك والمعلقات. أنت كأنك لا تعيش في الرياض، لأنك لا تعرف أن جميع المحلات من دكاكين وسوبر ماركات صارت معولمة لا يقرأ لوحاتها إلاَّ أصحاب الحداثات، والناس لا تأكل إلاَّ في المطاعم والفنادق والاستراحات.. يا زوجي لن أطيل عليك، ولكن: إما أن تكون معنا في عصر العولمة أو تهيم على وجهك في الفلوات.. لقد أعذر من أنذر. ص ب 87416 رمز بريدي 11642