اتفق أغلب الباكستانيين على أن حركة طالبان باتت في ذمة التاريخ بعد تخليها عن معقلها الاخير في قندهار بجنوب افغانستان فيما يراقبون عن كثب التطورات المستمرة في هذه الدولة المجاورة. ووفقا لنتائج استطلاع للرأي العام الباكستاني فإن نسبة تصل إلى 72 في المائة من الباكستانيين اعتبرت ان طالبان كان لا بد ان تسلِّم مدينة قندهار فيما اعترضت نسبة بلغت 22 في المائة من الذين شاركوا في هذا الاستطلاع على قرار طالبان التخلي عن معقلها الاخير واحجمت نسبة قدرها 3 في المائة عن الادلاء برأي صريح. وأثار تسليم حركة طالبان لمدينة قندهار مخاوف بين الباكستانيين بشأن مصير الآلاف من مواطنيهم الذين كانوا يقاتلون إلى جانب طالبان في المعقل الاخير لهذه الحركة بجنوب افغانستان مستعيدين المشاهد المخيفة للمذابح التي تعرض لها متطوعون باكستانيون في حركة طالبان بعد ان وقعوا في قبضة ميليشيات التحالف الشمالي في مزار الشريف وقندوز بشمال افغانستان. وانعكست هذه المخاوف في تعليقات وسائل الاعلام الباكستانية فضلا عن المناقشات في الشارع الباكستاني التي اتخذت منحى متشائما مع الاحاديث القلقة بشأن المستقبل المظلم للباكستانيين في قندهار بينما تجددت الانتقادات الحادة لقادة الاحزاب المتشددة الذين حرضوا هؤلاء الشباب على القتال في صفوف طالبان. وتركّز وسائل الإعلام الباكستانية حاليا على المشهد الأفغاني بعد تخلي حركة طالبان عن معقلها الاخير في قندهار بجنوب افغانستان وانعكاسات هذا المشهد على باكستان معتبرة في اغلبها ان طالبان باتت في ذمة التاريخ. وكانت أنباء وردت يوم الأحد لاسلام آباد قد أفادت بأن الفصائل الافغانية المتنافسة في قندهار قد توصلت «في ظل وساطة من جانب حامد قرضاي رئيس الادارة الانتقالية في افغانستان» لاتفاق يقضي بتعيين جول اغا شيرازي حاكما للمدينة وهو المنصب الذي كان يشغله عام 1994 قبيل دخول طالبان قندهار فيما سيكون الملا نجيب الله الذي تسلّم المدينة من طالبان مساعدا لشيرازي. وقد تم التوصل لهذا الاتفاق في المقر السابق للملا محمد عمر زعيم طالبان في قندهار والذي مازال مكانه غير معلوم شأنه شأن اسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة. وقال المحلل الباكستاني كونوار ادريس أن أحد الدروس المستخلصة من هزيمة طالبان تتمثل في أن الكلمات وحدها ليست كافية للدفاع عن الاوطان حتى ولو كانت مشحونة بأقصى درجات الحماسة، فالحروب اليوم تتطلب المعرفة والتكنولوجيا وهي مسألة تفتقر لها طالبان بشدة. واعتبر هذا المحلل الباكستاني أن حرب افغانستان تمثل نقطة تحول في تفكير شعبه الذي بات يرى ان العلاقات مع أي دولة يتوجب ان ترتكز على المصالح الاقتصادية والامنية المشتركة بدلا من الرؤى الحالمة. وذكرت مصادر رسمية في اسلام آباد أن نقاط الحراسة المتحركة عند معبر شامان الحدودي بين باكستانوافغانستان قد دفعت لمسافة كيلومتر واحد للامام وفي اتجاه بلدة «سبين بولديك» الحدودية الافغانية بعد أن سلمت حركة طالبان معقلها الأخير في قندهار «الجمعة». وبهذه الخطوة تقل مساحة «الارض المحظورة» الفاصلة بين باكستانوافغانستان عند خط «ديوراند لاين» الحدودي وهي الارض التي يصل عرضها لنحو 2 كيلومتر. ومازال سكان بلدة شامان الحدودية باقليم بالوشيستان الباكستاني يتحدثون بفزع عن الانفجارات المدوية في قندهار والتي رجت هذه البلدة الحدودية رجا من جراء القصف الجوي الأمريكي البالغ العنف قبيل تخلي طالبان عن المدينة التي حاق بها دمار شامل. ووفقا لأنباء وردت لبلدة شامان الحدودية الباكستانية القريبة من قندهار فإن ثلاث شاحنات باكستانية محملة بالفواكه قد دمرت من جراء هذا القصف على طريق يصل بين قندهار وسبين بولاداك وأصيب السائقون الثلاثة باصابات بالغة. وقد عاد 17 باكستانيا من المتطوعين للقتال إلى جانب حركة طالبان إلى بلادهم بعد أن أطلقت ميليشيات التحالف الشمالي سراحهم غير أن هؤلاء الباكستانيين الذين عادوا من معبر تورخام الحدودي مع افغانستان سيكونون عرضة للمحاكمة في باكستان بسبب دخولهم الأراضي الافغانية بصورة غير مشروعة للقتال في صفوف طالبان، فيما اشارت مصادر امنية إلى ان هؤلاء العائدين ينتمون للاقليم الحدودي الباكستاني المتاخم لافغانستان ومدينة كراتشي عاصمة اقليم السند. واستبعدت هذه المصادر حدوث ردود افعال انتقامية من جانب سكان القبائل الباكستانية ضد اللاجئين الافغان المنتمين عرقيا للتحالف الشمالي المعبِّر عن الاقليات العرقية في افغانستان والذين يقيمون حاليا في الحزام القبائلي الباكستاني المتاخم لافغانستان. وكانت المعاملة السيئة التي تعرض لها المتطوعون الباكستانيون في صفوف حركة طالبان من جانب بعض المجموعات الافغانية أثناء رحلة عودتهم لبلادهم قد أثارت موجة من الغضب بين قبائل الباشتون الباكستانية التي ينتمي لها أغلب هؤلاء المتطوعين. وتسمح السلطات الباكستانية بدخول الجرحى من مقاتلي طالبان للعلاج في مستشفيات بالمناطق الحدودية على أن يجرى اعتقالهم واستجوابهم من جانب الاجهزة الامنية بعد تلقيهم العلاج اللازم في المستشفيات التي يخضعون فيها لحراسة مشددة. واعتبر المحلل الباكستاني منصور اعجاز تسليم طالبان لمعقلها الاخير في قندهار بمثابة اعتراف بهزيمتها في الحرب التي بدأت يوم السابع من شهر اكتوبر الماضي.. موكدا في الوقت نفسه على أن التطورات الاخيرة في قندهار تكشف بوضوح عن سوء التقديرات التي أطلقها بعض المحللين وتوقعوا فيها أن يطول أمد الحرب وأن تكون طالبان هي المنتصرة في نهاية المطاف. وقال معلِّقون في وسائل الاعلام الباكستانية إنه مع تسليم قندهار يكون حكم طالبان الذي دام خمس سنوات في افغانستان قد دخل في ذمة التاريخ وان كان حكم هذه الحركة قد انتهى من الناحية الفعلية منذ الاسبوع الثاني من شهر نوفمبر الماضي مع سلسلة التراجعات والانسحاب السريع من مزار الشريف وكابول وهيرات. ومع ذلك فإن المحلل الباكستاني هيمايون اختر اكد على ان الحرب لم تنته بعد في افغانستان بتخلي طالبان عن قندهار.. مشيرا إلى أن بمقدور هذه الحركة الاستفادة من موسم الشتاء القارص والتضاريس الجبلية الوعرة في افغانستان لشن حرب عصابات تحول دون ادعاء الامريكيين بأنهم كتبوا كلمة النهاية للحرب الافغانية. وأفادت تقارير وردت لاسلام آباد ان بعض سكان قندهار حملوا الأعلام القديمة لافغانستان بألوانها التي تجمع بين الاحمر والاخضر والاسود بعد ان مزقوا الاعلام البيضاء لحركة طالبان. وأشادت وسائل الإعلام الباكستانية بالدور الذي لعبه حامد قرضاي رئيس الادارة الانتقالية الجديدة في أفغانستان في اقناع حركة طالبان بعدم جدوى الاستمرار في التشبث بمعقلها الاخير في قندهار وتفادي اراقة المزيد من دماء الابرياء من المواطنين الافغان. وكان حامد قرضاي اول من اطلق مقولة «نهاية طالبان» مع تخليها عن مدينة قندهار فيما افادت انباء وردت لاسلام آباد ان المئات من سكان العاصمة الافغانية كابول اندفعوا للشوارع وهم يلوّحون بصور العاهل الأفغاني السابق ظاهر شاه في سياق احتفالاتهم بسقوط طالبان وانسحابها من معقلها الاخير في قندهار وثاني اكبر مدينة في افغانستان بعد كابول. ويرى بعض الافغان ان قيام الملك السابق ظاهر شاه بدور في المستقبل السياسي لبلاده قد يكون أحد الضمانات لتفادي حدوث معارك دموية بين الميليشيات على غرار ما حدث في النصف الاول من العقد الماضي مما أسفر عن مقتل الآلاف من المدنيين الابرياء وخاصة في العاصمة كابول. وفي سياق عرضها للدروس المستفادة من صعود وسقوط حركة طالبان.. قالت صحيفة الدون الباكستانية انه من دواعي الحق الاقرار بأن هذه الحركة نجحت في توفير نوع من الامن في ربوع افغانستان بعد مرحلة الفوضى والتقاتل بين الفصائل الافغانية المتناحرة عقب انسحاب القوات السوفيتية من الأراضي الافغانية في نهاية سنوات الثمانينات من القرن العشرين غير ان طالبان عزلت نفسها عن العالم وعن الشعب الأفغاني ذاته بسبب غلوها وتشددها والرؤى بالغة التزمت التي تبنتها اثناء سيطرتها على اغلب الأراضي الافغانية. ودعت الصحيفة كل الدول المجاورة لافغانستان بما فيها باكستان لمد يد العون على صعيد اعادة البناء وارساء الاستقرار وتحقيق المصالحة الوطنية في هذه الدولة التي عانت طويلا من الخلافات بين الفرقاء.. مشيرة إلى انه من الافضل لباكستان تجاهل التصريحات غير الودية التي اطلقها يونس قانوني وزير الداخلية في الادارة الانتقالية من نيودلهي. ونوهت الصحيفة بأهمية التنسيق بين باكستان وأصدقائها في التحالف الذي تقوده الولاياتالمتحدة لضمان وجود حكومة صديقة في العاصمة الافغانية كابول دون أن تتحيز هذه الحكومة لأي دولة من دول المنطقة. وذكرت مصادر دبلوماسية في اسلام آباد أن الأخضر الابراهيمي الممثل الخاص للامين العام للامم المتحدة في أفغانستان سيسعى خلال زيارة يقوم بها في القريب العاجل لباكستان لتهدئة مخاوف الباكستانيين حيال اتجاهات الادارة الانتقالية الجديدة في كابول والتي تعززت مع التصريحات غير الودية التي اطلقها يونس قانوني من العاصمة الهنديةنيودلهي محذرا فيها باكستان مما وصفه بالتدخل في الشؤون الداخلية لبلاده. واعتبر معلقون باكستانيون أنه مع تسليم حركة طالبان معقلها الاخير في قندهار تكون الحرب قد انتهت من الناحية الفعلية بالنسبة للافغان وانتقلت إلى افراد مشاة البحرية الامريكية «المارينز» الذين سيكون عليهم مواصلة مهمتهم الشاقة في البحث عن الملا محمد عمر زعيم طالبان وأسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة وبقية قادة هذا التنظيم. وقالوا إن الحرب الحالية في افغانستان ستبقى في الذاكرة طويلا باعتبارها واحدة من اقذر الحروب لما سببته من خسائر في ارواح المدنيين ودمار وشقاء رغم ان هذه الحرب انطلقت تحت شعار ضرب معاقل الارهاب. وذكرت صحيفة نيوز الباكستانية أن التاريخ لن يصف الحرب التي تدور رحاها حاليا في افغانستان بأنها أول حروب القرن الحادي والعشرين وانما سيصفها بأنها أول مأساة انسانية في القرن الجديد. واستبعدت الصحيفة أن ينسحب الامريكيون قريبا من افغانستان.. مشيرة إلى أن المارينز الذين نزلوا مؤخرا لارض المعارك يتطلعون لاضافة صفحة مجد جديدة في سجلات مشاة البحرية رغم انهم يقاتلون في ظل ظروف مثالية تضمن أقصى درجات السلامة والامن لهم بدءا من المظلة الجوية والقنابل الذكية وغض الدول المجاورة لافغانستان الطرف عما يحدث في هذه الدولة وليس انتهاء بمباركة المجتمع الدولي لهذه الحرب التي غاب عنها أي مراقبين بما يسمح بارتكاب أي انتهاكات للمعاهدات الدولية الخاصة بالحروب. ورغم أن حركة طالبان تبدو الآن وكأنها لاتزيد عن حرف محذوف من كتاب التاريخ «كما تقول الصحيفة» فإن هذه الحركة قد تتحول في قادم الايام إلى فكرة أو مثل يردده الناس عند الحديث عن المثاليات واليوتوبيا فيما لم تستبعد الصحيفة أن يترحم الافغان انفسهم في الاشهر المقبلة على الامن الذي نعموا به تحت حكم طالبان. وكشفت مصادر حسنة الاطلاع في اسلام آباد النقاب عن ان السلطات الباكستانية اعتقلت 28 شخصا يشتبه في انتمائهم لتنظيم القاعدة لدى محاولتهم التسلل من افغانستان للاراضي الباكستانية عبر بلدتي شامان ودالاباندين وبعض الممرات في المناطق الجبلية بالقطاع الحدودي الفاصل بين الدولتين. وذكرت صحيفة نيشن أن المشاكل التي تواجهها باكستان من جراء الحملة العسكرية الامريكية في أفغانستان تتضاعف، موضحة انه سيكون على السلطات الباكستانية حشد اكبر قدر ممكن من الامكانات العسكرية للحيلولة دون تسلل عناصر تنظيم القاعدة وحركة طالبان من الأراضي الافغانية لباكستان عبر خط الحدود الحافل المسمى «ديوراند لاين» الذي يمتد بين الدولتين بطول اكثر من 1400 ميل ويزخر بالثغرات الطبيعية. وقالت الصحيفة ان هذه المشكلة مع الحاجة الماسة للفرز والتمييز بين عناصر تنظيم القاعدة وطالبان من جهة وبين اللاجئين الذين يسعون بالفعل لدخول الأراضي الباكستانية بحثا عن ملاذ بعد أن اضطروا لمغادرة بلادهم المدمرة. واضافت ان الحكومة الباكستانية لابد انها تضع في اعتبارها الاوضاع على امتداد خط السيطرة الفاصل بين شطرى كشمير والقطاعات الحدودية الاخرى مع الهند عند اتخاذ أي قرارات بدفع تعزيزات عسكرية جديدة صوب الحدود مع افغانستان. وطالما أن الولاياتالمتحدة لم تتمكن حتى الآن من تحديد مكان اسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة أو الملا محمد عمر زعيم حركة طالبان فإن المتاعب الباكستانية وخاصة على مستوى الاجهزة الامنية مستمرة على حد قول الصحيفة التي مضت في تعداد المشاكل الناجمة عن الاوضاع الراهنة في افغانستان ومن بينها مشكلة اللاجئين الافغان المقدر عددهم في باكستان بنحو ثلاثة ملايين شخص فضلا عن اشكالية الباكستانيين الذين دخلوا افغانستان بصورة غير مشروعة للقتال إلى جانب حركة طالبان. ومع الزيارة التي قام بها يونس قانوني وزير الداخلية في الادارة الانتقالية الافغانية الجديدة لنيودلهي دعت صحيفة نيشن لاعادة فتح السفارة الباكستانية في كابول بسرعة لامداد صانعي القرار السياسي في اسلام آباد بالمعلومات الفورية عن الاوضاع في افغانستان فضلا عن تكثيف الاتصالات مع هذه الادارة الانتقالية برئاسة حامد قرضاي حتى لاتضع الهندافغانستان في جيبها على حد قول الصحيفة. وكان عزيز خان المتحدث باسم وزارة الخارجية الباكستانية قد نفى ان يكون عبد السلام ضعيف السفير السابق لحكومة طالبان قد طلب حق اللجوء السياسي في باكستان.. مشيرا إلى انه يقيم لفترة مؤقتة في باكستان لإنهاء بعض الامور المتصلة بمنصبه السابق.