إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر موضوع عظيم، جدير بالعناية لأن فيه تعلق مصلحة الأمة ونجاتها، وفي اهماله الخطر العظيم والفساد الكبير واختفاء الفضائل وظهور الرذائل. وقد أوضح الله جل وعلا في كتابه العظيم، منزلته من الإسلام وبين سبحانه وتعالى أن منزلته عظيمة، حتى أإنه سبحانه في بعض الآيات قدمه على الإيمان الذي هو أصل الدين وأساس الإسلام، كما في قوله تعالى «كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله» (آل عمران: 110)، ولا نعلم السر في هذا التقديم، إلا عظم شأن هذا الواجب وما يترتب عليه من المصالح العظيمة العامة، ولا سيما في هذا العصر فإن حاجة المسلمين وضرورتهم إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شديدة، لظهور المعاصي وانتشار الشرك والبدع في غالب المعمورة. بهذه الكلمات افتتح سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله كلامه عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كتابه الموسوم (وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» الواقع في (51) صفحة من القطع الصغير والذي جاء في المقدمة ثم أجاب على سؤال لماذا بعث الله الرسل؟ وسؤال لأي معنى قدم هذا الواجب؟ ومن هم أهل الرحمة. وناقش التوجيه الرباني ب «ولتكن منكم أمة»، كما تناول مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الثلاث وأثر اهمال الأمر والنهي في رد الدعاء وعدم النصر. وحكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفضل الصبر والاحتساب والتفقه في دين الله. وأشار سماحته رحمه الله إلى أنه قد كان المسلمون في عهده صلى الله عليه وسلم وعهد اصحابه يعظمون هذا الواجب ويقومون به خير قيام، فالضرورة إليه بعد ذلك أشد وأعظم لكثرة الجهل وقلة العلم وغفلة كثير من الناس عن هذا الواجب العظيم، وقال: في عصرنا هذا صار الأمر أشد، والخطر أعظم لانتشار الشرور والفساد، وكثرة دعاة الباطل وقلة دعاة الخير في غالب البلاد، مشيراً إلى أن هذا سبب أمر الله سبحانه وتعالى به وترغيبه فيه، وقدمه في آية آل عمران على الإيمان. وهي قوله تعالى: «كنتم خير أمة أخرجت للناس» آل عمران: 110» ويعني أمة محمد صلي الله عليه وسلم فهي خير الأمم وأفضلها عند الله، كما في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أنتم توفون سبعين أمة، أنتم خيرها وأكرمها على الله عز وجل». وفي مبحث: لماذا بعث الله الرسل؟ قال سماحته إن الرسل بعثوا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأصل المعروف توحيد الله والإخلاص له، وأصل المنكر الشرك بالله وعبادة غيره، وجميع الرسل بعثوا يدعون الناس إلى توحيد الله الذي هو أعظم المعروف وينهون الناس عن الشرك بالله الذي هو أعظم المنكر. بعدها تناول رحمه الله في مبحث أهل الرحمة: أن الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر والمقيمين الصلاة والمؤتين للزكاة والمطيعين لله ورسوله، هم أهل الرحمة، فقال سبحانه وتعالى: «أولئك سيرحمهم الله» التوبة: 71، فدل ذلك على أن الرحمة انما تنال بطاعة الله واتباع شريعته ومن أخص ذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا تنال الرحمة بالأماني، ولا بالأنساب، ككونه من قريش، أو من بني هاشم، أو من بني فلان. ثم تطرق سماحته رحمه الله لمراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقال: قد جاءت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تؤيد هذا الأمر، وتبين ذلك أعظم بيان وتشرحه فيقول المصطفى عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فان لم يستطع فبلسانه فان لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان «أخرجه الإمام مسلم في صحيحه، فبين صلى الله عليه وسلم مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الثلاث. وأشار سماحته إلى عوامل النجاح والتوفيق بالقيام بهذه الشعيرة وعد منها الصبر والاحتساب مبيناً أن من وفقه الله للصبر والاحتساب من العلماء والدعاة والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر والاخلاص لله، نجح ووفق وهدى ونفع الله به كما قال سبحانه وتعالى: «يا أيها الذين آمنوا ان تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم» محمد: 7. وأكد سماحته أن الرابحين الناجين في الدنيا والآخرة هم أهل الإيمان والعمل الصالح المتواصين بالحق وبالصبر ومعلوم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتواصي بالحق والتواصي بالصبر من جملة التقوى لكن الله سبحانه وتعالى خصها بالذكر لمزيد من الايضاح والترغيب والمقصود أن من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر ودعا إلى الله وصبر فهو من أهل هذه الصفات العظيمة الفائزين بالربح الكامل والسعادة الأبدية اذا مات على ذلك . وفي اشارة من سماحته إلى عامل آخر من عوامل النجاح والتوفيق قال: رحمه الله: فلا بد يا أخي المسلم أن تعرف المعروف بالتعلم والتفقه في الدين، ولابد أن تعرف المنكر بذلك ثم تقوم بالواجب من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فالتبصر والتفقه في الدين من علامات السعادة ودلائل ان الله أراد بالعبد خيراً كما في الصحيحين عن معاوية رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين».