الحمد لله الذي شرف هذه الأمة؛ فجعلها خير أمة أخرجت للناس، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله، أحمده تعالى وأشكره على ما أولاه، وأشهد أن لا إله إلا الله، كتب الخيرية والفلاح لدعاة الخير والإصلاح، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله حامل لواء الدعوة والجهاد والكفاح، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه الذين ساروا على نهجه، وترسموا خطاه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم نلقاه. فإن من فضل الله علينا أن هدانا لدين الإسلام، ومن علينا باتباع سنة خير الأنام صلى الله عليه وسلم، وجعلنا من هذه الأمة، أمة محمد صلى الله عليه وسلم، التي فاقت سائر الأمم، والتي من أبرز سماتها: الإيمان بالله عز وجل، والدعوة إليه، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال الحق سبحانه:( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله) الآية. لذا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر القطب الأعظم في هذا الدين، والمهمة الكبرى للأنبياء والمرسلين والصالحين، بل قد عده بعض أهل العلم ركناً سادساً من أركان الإسلام، كل ذلك لما يشمل عليه من الفضل العظيم، والخير العميم، والفوائد والمصالح العاجلة والآجلة، ولما يترتب على تركه من استشراء الباطل وانتشار الفساد، وغلبة المعاصي وهيمنتها، وهي الجالبة لسخط الله، المنذرة بمقت الله وعاجل عقوبته على الفرد والأمم. فالواجب على الناس النصح والتعاون فيما بينهم على البر والتقوى، والتواصي بالحق والصبر، وإشاعة الخير والفضيلة، ومحاربة الشر والرذيلة. إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أمارة الإيمان، وإن تركه علامة النفاق قال تعالى:(المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف) وقال سبحانه :( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف) الآية. بل هما من أعظم أسباب النصر على الأعداء والتمكين في الأرض، قال عز من قائل :( ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز * الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر) الآية. وهما طوق النجاة وسربال الحياة قال عز وجل:( فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون ) الآية. وبالجملة فهما من أفضل الأعمال، وآكد الفرائض، وأجب الواجبات، والزم الحقوق، وقد جاء كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بما يؤيد ذلك، يقول أصدق القائلين سبحانه :( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ) الآية. وإن شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليست مقصورة على أحدٍ بعينه من الأشخاص أو الهيئات، ولكنه واجب كل مسلم وكلٍ على قد استطاعته، وبحسب منزلته ومكانته، بيد أن على أهل الحل والعقد من الدعاة والعلماء، والمختصين والوجهاء ما ليس على غيرهم، فالأب مسؤول عن أسرته وأهله وأولاده، والمعلم في مجاله، والموظف في دائرته، والتاجر في سوقه، وهكذا كل على ثغرة من ثغور الإسلام، بل المسلم الحق حيثما حل ووقع أفاد ونفع؛ لأنه عضوٌ في جسد هذه الأمة، له مكانته وعليه واجباته، وهو مطالب بالتفاعل مع مجتمعه، والألم لألمه، والنشاط في محيطه، نشراً للخير والصلاح، ودرءاً للشر والفساد. وإذا أفلت زمام الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وطوي بساطه، وقلّ أنصاره، وأخفقت رايته، وأهمل علمه وعمله، فشت الضلالة، وشاعت الجهالة، وفسدت البلاد، وهلك العباد. وإن الناظر فيما أصحاب المجتمعات المعاصرة من تفاقم المحرمات، وانتشار المنكرات، مما تعجز عن وصفه الكلمات، ويترجم عنه الحال في كثير من الجوانب العقدية والشرعية؛ والأخلاقية والفكرية، مما ذهبت مه الغيرة، وهتكت من أجله الأعراض، وانتشرت الأفكار الهدامة، والمبادئ المنحرفة، وتطاول فيه الفساق من الرجال والشباب والنساء، ليتساءل: أن الغيرة الإسلامية؟! بل أين النزعة الإنسانية، والشهامة العربية، والرجولة الأصلية؟! هل نزعت من القلوب، واضمحلت من النفوس؟!. إنه إذا الخبث، وانتشر الفساد، ولم يغير، عمّ العذاب الصالح والطالح، فعن أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها قالت :( قلت: يا رسول الله! أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث ) متفق عليه. ومع ذلك كله فلا يزال – ولله الحمد والمنة – في أرض الله من هو قائم لله بحجته، وصادع بدعوته، ولا نيأس من روح الله، بل نتفاءل خيراً إن شاء الله، ولكن الأمر بحاجة إلى المزيد من الجهود الإسلامية المتضافرة؛ لتحقيق هذا المبدأ العظيم ونشره في بلاد المسلمين، ليعم الخير وينتشر، ويتوارى الباطل ويندحر، وما ذلك على الله بعزيز. وإن الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي تولي شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اهتماماً بالغاً في المسجد الحرام والمسجد النبوي، وذلك لما تحظى هذه الشعيرة من عناية فائقة، ورعاية رائقة من قبل ولاة أمرنا الميامين، وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين، وسمو ولي عهده الأمين، ودعمهم اللامحدود للرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وإن من فضل الله تعالى على هذه البلاد المباركة تفردها عن غيرها، وتميزها عن سواها، بهذا الجهاز المبارك، - الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر-، فلنتعاون جميعاً في تحقيق هذا المبدأ العظيم، ولنكن يداً واحدة على من يريد حرق سفينة أمتنا بالشر والفساد، ورائدنا في ذلك الإخلاص، والحكمة والشفقة، والرفق والأناة والرحمة؛ فتلك أبرز الصفات التي ينبغي أن يتحلى بها من يتصدّى لهذا الأمر العظيم، فهم دعاة خيرٍ ورحمة، وحرصٍ وشفقة، وغيرة على دين الله القويم، وخوفٍ على إخوانهم المسلمين، ومن كان بهذا المثابة، فأولى أن يساند ويعاضد، ويشجع، ويآزر ويكرم مادياً ومعنوياً. ويطيب للرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد الحرام التعاون مع الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ للقيام بهذه الشعيرة على أكمل وجه، وأبهج صورة وفق تطلعات ولاة أمرنا – رعاهم الله –. وأسأل الله جل وعلا أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه من الأقوال والأعمال، وأن يحفظ بلادنا بلاد المسلمين من شر الأشرار، وكيد الفجار، وشر طوارق الليل والنهار، وأن يعين ولاة أمرنا إلى ما فيه الخير للبلاد العباد، وأسأله سبحانه أن يحفظ علينا عقيدتنا وقيادتنا وأمننا واستقرارنا ووحدتنا، وأن ينصر جنودنا، المرابطين على حدودنا إنه سميع قريب مجيب الدعوات. * الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي