سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
لا يشترط في الآمر والناهي العصمة ولكن الحرص على الصلاح في نفسه قدر المستطاع د, عبدالله الجبرين مؤكدًا أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
لابد مع الأمر من الإلزام بالمعروف ولابد مع النهي من الإلزام بترك المنكر بدلالة الأحاديث
الامر بالمعروف والنهي عن المنكر موضوع قد طُرق كثيراً، وقد تحدث عنه العلماء قديماً وحديثاً، وقد سجلت فيه المحاضرات الكثيرة والفت فيه مؤلفات قديمة وجديدة، ومع ذلك فلازلنا نرى ونسمع بين الفينة والاخرى محاضرة او كلمة او مقالا او رسالة علمية او مؤلفا في هذا الجانب العظيم فلا يزال الناس بحاجة ان يتعاهدوا هذا الامر حتى يصلح حال الناس ويقلعوا عن المنكرات. ولعل من اواخر هذه المحاضرات ما القاها فضيلة الشيخ د, عبدالرحمن بن عبدالله الجبرين عضو الافتاء سابقاً حيث تحدث عن عدة جوانب مهمة في هذا الامر العظيم حيث افتتحها فضيلته كما هو المعتاد بتعريف المعروف والمنكر فقال: المعروف هو ما امر الله تعالى به وامر به نبيه صلى الله عليه وسلم، والمنكر ما نهى الله عنه ونهى عنه نبيه صلى الله عليه وسلم، والمعروف هو ما تعرفه النفوس المؤمنة المطمئنة وتألف له وتشهد بحسنه وملاءمته، والمنكر هو ما تنكره النفوس بفطرتها وتنفر منه وتمقته وتمقت اهله, مشيراً الى ان الله تعالى ما امر بشيء الا وفيه مصلحة ولا نهى عن شيء الا وفيه مضرة، وما امر بشيء وقال العقل ليته نهى عنه ولا نهى عن شيء فقال العقل السليم ليته امر به، بل كل ما امر به فهو خير وفيه مصالح محققه وكل ما نهى الله عنه ففيه شر وفيه مفاسد محققه. حقيقة الإنكار بالقلب بعد ذلك تساءل فضيلته، ماذا يفيد الامر والنهي؟ فيجيب قائلاً: تكثر الادلة في الامر مثل قوله تعالى:وامر بالمعروف وانه عن المنكر ومثل قوله تعالى: ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، فالامر ليس ان تقول افعل كذا ولا تفعل كذا، بل لابد مع الأمر من الإلزام ولابد مع النهي من الإلزام، الزام بفعل المعروف والزام بترك المنكر ولا يكفي مجرد كلمة افعل او لا تفعل، كما تدل على ذلك الاحاديث الكثيرة، ولكن بحسب القدرة ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم:من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فان لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان فأمر بالتغيير،ومعلوم أنك اذا مررت بصاحب منكر فقلت اتركه ثم وليت وهو يفعله ولم يتركه لن تبرأ ذمتك اذا كنت قادراً على التغيير، لانه صلى الله عليه وسلم أمرنا بتغيير المنكر وكذلك امرنا بالالزام بالمعروف ولكن قد تختلف الاحوال كما في الحديث. ويستطرد فضيلته فيقول, ان الامر بالمعروف معناه الالزام به بفعله والنهي عن المنكر الالزام بتركه وهذا هو واجب كل من له قدرة ولكن اذا خشي على نفسه انتقل الى الانكار الاخف من ذلك فرتب النبي صلى الله عليه وسلم الانكار على ثلاثة، الاول الانكار باليد بازالة المنكر ومحو اثره واتلاف اجهزته وآلاته ونحوها فاذا لم يقدر وكان اهل المنكر اقوى منه وخشي من بطشهم وشدتهم وكانوا اهل قوة ومنعه انتقل الى الانكار بالقلب والانكار بالقلب لهؤلاء العصاة مقتهم والابتعاد عنهم والتحذير منهم ومن اعمالهم وهجرهم ولو كانوا اقارب فهذا هو حقيقة الانكار بالقلب. من أراد أن يكون من خير الأمة بعد ذلك يستدل فضيلته بالادلة من القرآن والسنة وهي كثيرة نذكر بعضها فيقول: ومن ذلك قول الله تعالى: ولتكن منكم امة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر مبيناً وجه الدلالة في هذه الآية بأن الامة هي الجماعة الذين يحصل بهم الكفاية، ويحصل لهم الاهلية ويحصل بهم القدر الواجب والكافي، اي ان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يجب على الاعيان جميعاً ولكن على البعض، فيجب على البعض الذين يحصل بهم الكفاية، فاذا كان هناك مجموعة في كل بلد، عشرة او مائة مثلاً او نحوهم، يقومون بهذا الامر وينفذون هذا الامر ويقومون به حق القيام سقط الاثم على الباقين، فاذا لم يقم بهذا الامر هذا العدد تعين ان يضاف اليهم عدد آخر الى ان يحصل بهم الكفاية، فاذا تركوه او قصروا به ولو كانوا عدداً كبيراً تعين على غيرهم، واذا تركوه كلهم اثموا كلهم ولا شك ان هذا فيه دليل على انه فرض على الجميع بأن اثمهم جميعاً على الترك اذا كانوا قادرين وهو دليل على تكليف الجميع، اي ان اهل البلد كلهم مكلفون فاذا لم يقم بهذا الامر من يكفي فعلى كل منهم اثم بقدر قدرته. ويواصل فضيلته فيقول انما يسقط الاثم عن العاجز عجزاً كلياً، واما قول الله تعالى:ولتكن منكم امة فالامة يعني مجموعة يحصل بهم القدر الواجب:يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وهو دليل ايضاً على ان الدعوة الى الله تعالى من فروض الكفاية، الدعوة الى الخير، والدعوة الى الاسلام، والدعوة الى تعاليمه، كذلك ايضاً من الادلة قوله تعالى:كنتم خير امة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ، هكذا وصف الله تعالى هذه الامة بأنها خير امة اخرجت للناس، ولكن لابد من هذا الشرط فقد روي عن عمر رضي الله عنه انه قال:من اراد ان يكون من خير الامة فليؤد شرط الله ، وشرط الله في خيرية هذه الامة ثلاث صفات تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله فانظر كيف قدم الامر بالمعروف والنهي عن المنكر على الايمان بالله، مع ان الايمان بالله شرط لبقية الاعمال، ولكن تقديم الامر والنهي دليل على اهميتها وعلى علو شأنهما وهو دليل على الآكدية. متى الهداية؟ واضاف فضيلته: واما في السنة فقد وردت احاديث كثيرة تدل على اهمية الامر والنهي ما ذكر ابو بكر رضي الله عنه انه قال على منبره ايها الناس انكم تقرأون هذه الاية يا ايها الذين آمنوا عليكم انفسكم لا يضركم من ضل اذا اهتديتم ، واني سمعت رسول صلى الله عليه وسلم يقول:ان الناس اذا رأوا المنكر فلم يغيروه اوشك ان يعمهم الله بعذاب من عنده , مشيراً إلى ان هذه الآية كثيراً ما نسمع بعض العصاة يقولونها ويرددونها ويحتجون بها، ولكن يقول بعض العلماء: ان الله تعالى قال:لا يضركم من ضل اذا اهتديتم فلا نكون ممن اهتدى الا اذا امرنا ونهينا، فمعناه اذا اهتديتم وقمتم بالامر والنهي وقمتم بانكار المنكرات وجاهدتهم اهل المعاصي وبذلتم ما في استطاعتكم في تخفيف المعاصي والمنكرات فانكم بذلك تبرؤون، وقد ورد في حديث آخر اذا خفيت المعصية لم تضر الا صاحبها فاذا ظهرت فلم تغير ضرت العامة فاذا ظهرت امام الناس واقرها الجماهير ضرت العامة ومعناه انهم يستحقون جميعاً العقاب الذي توعد الله به من فعل شيئاً من هذه المنكرات. نماذج من المنكرات وحول صفات الآمر والناهي فيقول فضيلته: لابد ان يكون الآمر والنهي من اهل الصلاح والاستقامة فيطهر نفسه اولاً من المعاصي، ولكن لا يشترط في الآمر والنهي ان يكون معصوماً فان العصمة للرسل ولكن يحرص على اصلاح نفسه قدر المستطاع، كذلك عليه ان يبدأ بأهل بيته فعليه ان يطهر بيته من الملاهي ومن المعاصي والمحرمات وان يحرص على اقامة اولاده وتطهيرهم من الادناس وكذلك ذريته ونسائه ومن كان تحت ولايته حتى لا يكون عليه اعتراض من احد، فان كثيراً من الناس تأمرهم فاذا امرتهم قالوا لك اصلح اولادك اولاً، واصلح اهلك ونساءك،واصلح نفسك، ولكن اذا قمت بما اوجب الله عليك بما يتعلق بأهلك واولادك كان امرك ونهيك حقاً بمعنى انك قمت بما امر الله تعالى به ولم يجدوا عليك اعتراضاً. ويستطرد فضيلته قائلاً: اما اذا امر ونهى الشخص ولكن لم يكن عنده القدرة والصلاح ما يكفي لتغيير المنكرات بيده فان عليه التغيير باللسان وهو التغير الذي يقدر عليه كل عاقل وكل عارف بأن هذا من المنكر فالمنكرات المتفشية كثيرة وان كانت تتفاوت في عظم شأنها واهميتها، ومنها على سبيل المثال: منكر الاغاني فالغناء ورد في تحريمه ادلة كثيرة تدل على انه محرم ذكرت في الكتاب والسنة وكلام العلماء والائمة، وهذا المنكر قد تفشى وتمكن قل ان تجد بيتاً الا وفيه اشرطة الاغاني بل وتسمعها في السيارات، واوضح فضيلته ان هذا المنكر علينا ان نسعى في تخفيفه وذلك لانه وسيلة الى الفواحش وارتكاب المنكرات، ومن المنكرات ايضاً مسألة التبرج والسفور حيث يكثر في بعض البلاد النساء اللاتي ابدين التبرجن، واولياء الامور قد تساهلوا معهن فصارت المرأة تمشي كاشفة وجهها وساعديها ويديها ونحو ذلك ولا شك ان هذا منكر واذا قدر انها تحجبت ولكن ابدت عينها من وراء هذا الخروق التي تسمى بالنقاب وابدت اكثر وجهها فان ذلك من اعظم الفتنة بها التي تلفت الانظار اليها، ومن المنكرات شرب الخمور والمسكرات وما اكثر الذين يتعاطونها سراً وقد يفتخرون بذلك ولا شك ان ذلك من المنكرات التي يجب انكارها، ومن المنكرات ايضاً المخدرات والمفترات والدخان والنارجيلة فان ذلك لا يختلف احد على انه من المنكر وانه اذا تمكن جلب الشر وجلب الفساد، فلذلك علينا ان نسرع في اقتلاعه وتخفيفه وازالة آثاره، مضيفاً فضيلته من المنكرات ما عمت به البلوى من تصوير النساء في الصحف وعرضها كذلك في الافلام وعبر الشاشات، وكذلك استقبال القنوات الفضائية التي تستقبل الشرور وتستقبل الفواحش وتبث المنكرات ولا شك ان هذا من اشد المنكرات وان بسببه فعلت الفاحشة من الزنا واللواط ومقدمات ذلك، وقد كثر المشتكون من فعل ابنائهم لهذه الفواحش والسبب هو رب البيت الذي ادخل هذه المنكرات، ومن المنكرات التساهل في الصلوات وما اكثر الذين يتساهلون بهذه الفريضة التي فرضها الله والتي الزم بها وجعلها عمود الاسلام. التذكير والتخويف ثم يتحدث د, الجبرين عن طريقة الانكار فيقول معلوم ان في كل بلدة من هذه البلاد ولله الحمد هيئة قد نصبوا لهذا الامر والنهي وقد سموا بالآمرين والناهين وهؤلاء يجب عليهم الامر والنهي وجوباً عينياً لانهم مسؤولون عن ذلك ولانهم يعينون وقد فقهوا وعرفوا ماهو معروف وماهو منكر واما غيرهم فالواجب عليهم فرضاً كفائيا، فالذي لا يستطيع التغيير باليد فيغير باللسان وذلك عبر التذكير والتخويف فيذكر صاحب المنكر بأنه مسلم وفي بلاد تدين بالاسلام وتفتخر به وبأنك تقر بأن الخير بما امر الله به والشر فيما نهى الله عنه وبأنك تعلم عاقبة اهل الخير من السعادة في الدنيا والآخرة وعاقبة اهل الشر من الشقاوة في الدنيا والآخرة، وكذلك ايضا يحذر صاحب المنكر من العقوبة العاجلة في الدنيا والتي قد تكون اشد من الآخرة لان الكثير من الناس غلبت عليهم شهواتهم وغلبت عليهم اهواؤهم فلا يتذكرون الا اذا ضربت لهم الامثال واخبروا بعاقبة اهل المعاصي وما حصل لهم من العقوبات العاجلة في الدنيا سواء في زمننا هذا او غيره لما له من وقع في النفوس، وكذلك يذكرون اصحاب المنكرات بأن هناك قوة تأخذ على ايديهم وتحجزهم وتمنعهم فاذا اصروا فلابد من رفع امرهم الى الجهات المسئولة التي لديها صلاحيات تؤهلها لان يأخذوا على ايديهم ويأطرونهم على الحق اطرا، ويشير فضيلته الى ان اصحاب المنكرات يحتاجون الى رفق يقول تعالى:ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن فلذلك نقول ان تغيير المنكر بالايدي وازالته يسبقه تغيير باللسان بالاقناع بأن تذكر صاحب المنكر وتقنعه وترشده وتخوفه وتبين له سوء العاقبة، فهذا يعتبر مقدمة للانكار باليد لانك اذا بطشت وانكرت مباشرة بيدك فقد ينفر منك ويصفك بالتسرع والعجلة. ولا تيأسوا من روح الله وحول جانب اليأس الذي قد يعتري بعض الآمرين والناهين يؤكد فضيلته انه قد يغلب على كثير من الناس اليأس اذا رأوا كثرة المنكرات وكثرة العصاة فيقولون لا فائدة في الامر والنهي ولا اهمية له فنقول على المسلم الا ييأس من رحمة الله لانه قد يهدي الى تعالى اولئك العصاة فيكون لك اجر كبير، قال تعالى: ولا تيأسوا من روح الله انه لا ييأس من روح الله الا القوم الكافرون . مشيراً كذلك الى ان الله قد امر بالصبر على الاذى في ذات الله تعالى، ولذلك حكى الله تعالى عن لقمان اذ قال لابنه:وامر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما اصابك فلابد للآمر والناهي ان يناله شئ من الاذى فبعض العصاة يستهزىء اذا امر بالصلاة او بشيء من العبادات وقد يسخر ومع ذلك فلا يجوز ان ييأس من جراء ذلك وان نتحمل ونصبر ونأمر وننهى.