منذ اندلاع الثورات العربية فيما يعرف بالربيع العربي والحكومة الإيرانية تبحث لها عن قاسم مشترك مع هذا الوضع الجديد في تلك البلدان الثائرة. وقد واكبت إيران هذه الأحداث إعلامياً، فخصصت في القسم العربي لصوت الجمهورية الإسلامية من طهران برامج يومية للرصد والتحليل الذي يشتمل على الكثير من الكذب والتضليل خصوصاً فيما يتعلق بالبحرين وسوريا. فمن متابعة ما تذيعه من تقارير وتحليلات عن الأوضاع في هاتين الدولتين ينكشف المنهج الإيراني في علاقاتها الدولية وخصوصاً مع العالم العربي، فهي ترى ما يحدث في هذه الدول لا بعين الحقيقة بل بعين مصلحتها التي تسعى إلى تحقيقها بالقوة والسيطرة. ولست أقصد بالمصلحة هنا المصلحة الوطنية، ذلك أن المصلحة الوطنية هدف لكل نظام سياسي في العالم اليوم وتحقيق المصلحة الوطنية لا يقدح في حسن العلاقات الدولية. لكن المصلحة لدى الحكومة الإيرانية هي إيصال مبادئ الثورة الخمينية إلى المنطقة الإسلامية بأسرها. فموقف جمهورية إيران مما يحدث في البحرين وفي سوريا أكبر دليل على أن جمهورية إيران لا تملك مبادئ ثابتة في العلاقات الدولية، وذلك أن إيران تعلم جيداً أن بعض الكتل البرلمانية المعارضة في البحرين ليس لديها مشكلة وطنية، والمشكلة لديها هي في اعتناقها الأيديولوجيا الخمينية التي صدرتها إيران إلى البحرين عن طريق بعض العناصر الموالية لإيران، وهذا هو ذات الشيء الذي حصل في لبنان سابقاً من خلال ما يعرف بحزب الله، وهذا عكس ما يحصل في سورية تماماً فالشعب السوري المضطهد طيلة عقود لا يريد إلا كرامته الإنسانية وحريته المدنية وأن يعيش على أرضه بسلام بعيداً عن وصاية نظام بشار وحزب الله اللذين تساندهما إيران بكل ما أوتي من قوة. فالذي يقيس ما يجري في سورية على ما يجري في البحرين كالذي يقيس الخمر على الماء. وعلى ذلك، فلن يصدِّق العرب والمسلمون ما تزعمه إيران من ترحيب بتلك الثورات وإطراء لها، لأن ذلك لا يعدو حيلة مكشوفة للتسلل إلى تلك البلدان العربية وزرع بذور الفتنة في مجتمعاتها ثم تركها تعاني في جحيم الطائفية كما فعلت ذلك في لبنان والعراق وتحاول أن تفعله اليوم في دول أخرى (مصر وليبيا). فمنذ قيام الثورة الإيرانية والعلاقات الإيرانية العربية غير جيدة، والسبب في ذلك هو النوايا الإيرانية المعلنة وغير المعلنة تجاه المنطقة بأسرها، فهي تملك مشروعاً توسعياً على أساس طائفي تهدف منه إلى تمزيق العالم العربي، فلم يكن الفكر السياسي الذي جاء به الخميني وسارت عليه إيران بعده لم يكن في يوم من الأيام إيجابياً أو قابلاً للإيجابية مع الآخرين، يدل على هذا العزلة التي يعيشها النظام السياسي الإيراني في العالم اليوم. ولم تكن إيران لتبلغ بعض ما أرادت من التأثير في المنطقة العربية لولا الفراغ الذي تركه تخلي دول عربية كبرى عن دورها الذي كان يجب أن تقوم به في المنطقة ورسم حاضرها ومستقبلها، وهي قادرة على ذلك بما تملك من أدوات التأثير وعوامل القوة. ونتمنى أن لا يستمر هذا الفراغ لأن المنطقة ستدفع ثمناً باهظاً جراء ذلك. إن معرفة العقيدة السياسية لإيران اليوم تجعل الحوار العربي مع هذا النظام أمراً مستحيلاً، ذلك أن الولي الفقيه الذي يرسم سياسات الجمهورية يساوي تماماً في الفكر السياسي الإيراني الإمام الغائب المعصوم - عندهم - فإذا علمنا أن هذا الإمام الغائب المعصوم هو في هذا الفكر في رتبة ومنزلة تفوق رتبة ومنزلة الأنبياء - عليهم السلام - علمنا أن الولي الفقيه في منزلة من يملك الحقيقة المطلقة، وهذا في حقيقته خلع لصفات الألوهية والربوبية على هذا الولي الفقيه. هذه هي الروح السياسي لإيران اليوم وتُعرف بنظرية ولاية الفقيه. وفي الحقيقة أنها ليست سوى نظرية سياسية، بل هي أيديولوجيا عقدية، وهي امتداد للعقيدة الباطنية الإلحادية التي تؤله البشر وتبطل الشرائع، وتهدف إلى إقامة دولة هؤلاء على أنقاض دولة الإسلام في كل مكان وزمان يوجدون فيه، وقد ظهروا عبر التاريخ الإسلامي بمسميات عدة كلها تعود إلى الفكر الباطني. فجذور الفكر السياسي الإيراني اليوم تعود إلى تلك الأصول الإلحادية، فجميع الفتن والقلاقل التي عاشتها الدولة العربية الإسلامية منذ نشأتها كان مصدرها في الغالب باطني النزعة والوجهة، وعصرنا الحاضر خير شاهد على ذلك. ليس باستطاعة أحد أن يصدق ما تقوم به إيران من التباكي على مظلومي العالم العربي وهي التي فتكت بمئات الآلاف من أبناء العراق بعد الاحتلال الأمريكي، وذلك من خلال منظماتها وأجنحتها السياسية والعسكرية التي تقمصت روح الولي الفقيه ونظامه في طهران، وتكررت هذه الجريمة في سوريا اليوم عن طرق مرتزقة الفكر الباطني الذين يتوافدون على سوريا من لبنان وإيران والعراق لقتل الشعب السوري وإذلاله. فأي حوار وأي تعاون يمكن أن يتم مع هذا النظام المتشبع بالحقد والكراهية لكل ما هو عربي ومسلم إلا من كان على ملتهم ونحلتهم. إن النظام الإيراني لا يملك اليوم أي مشروع حضاري أو تنموي في المنطقة، لأن فاقد الشيء لا يعطيه، فهو لا يملك إلا مشروعاً تخريبياً يعتمد الورقة الطائفية، وأما زعمه دعم المقاومة ضد إسرائيل فهو أمر لم يعد يخفى بطلانه وكذبه على أحد، فكل ما يحدثه نظام طهران من ضجة حول المقاومة ومساندتها إنما هو لتبرير وشرعنة تسليح حزب الله وعدم نزع سلاحه، كما يطالب بذلك اللبنانيون كافة، وذلك لكي بقى هذا الحزب كما الأحزاب الأخرى في العراق وسوريا خنجراً في خاصرة العرب والمسلمين وأداة لتنفيذ الإرهاب الإيراني في المنطقة كما هو مشاهد، وما حرب 2006م التي بدأها حزب الله بإطلاق صواريخه تجاه إسرائيل إلا بتوجيه من إيران بعد أن اشتدت عليه الضغوط لنزع سلاحه، فأراد أن يخلط الأوراق من جديد ويعيد أكذوبة المقاومة من جديد. لقد وجهت المحكمة الدولية الخاصة بالتحقيق في اغتيال الرئيس المغدور رفيق الحريري -رحمه الله- الاتهام إلى عناصر من حزب الله اللبناني ويرفض أمين هذا الحزب تسليمهم للعدالة الدولية، وهذا يشير إلى أن حزب الله اللبناني متهم باغتيال الرئيس المغدور رفيق الحريري -رحمه الله- لكن السؤال الأهم فيما لو ثبتت هذه التهمة: هل قتل هذا الحزب للرئيس الحريري كان أصالة عن نفسه أو نيابة عن غيره؟! ومن هو هذا الغير؟! لقد استعادت مصر والأردن أراضيها المحتلة بالحرب أو المفاوضات فما الذي استعادته سوريا ولبنان من أراضيهما المحتلة؟! كل هذا يكشف عن كذب إيران وجيوبها في المقاومة ضد إسرائيل، إن اختطاف عشرات المعارضين السوريين في لبنان منذ اندلاع الثورة السورية وما يلقاه اللاجئون السوريون في لبنان من مضايقات ومعاملة لا إنسانية، كل ذلك يشير إلى أن إيران وأذرعتها في لبنان لا تستهدف إلا الشعوب العربية المسالمة، فكيف يصدق العرب دموع التماسيح التي تذرفها إيران على مظلومي العالم!! * أستاذ مساعد بكلية الملك خالد العسكرية - الرياض