الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خير أهل الأرض والسموات وبعد: يقول الحق سبحانه وتعالى في محكم كتابه الكريم: {كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ} (185) سورة آل عمران. إيماناً بقضاء الله وقدره تلقت الأمة نبأ وفاة ولي العهد الأمين صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله- عبر وسائل الإعلام المختلفة من محلية وعربية وإسلامية وأجنبية يوم السبت 24-1-1432ه الموافق 22-10-2011م لقد أحدث هذا الخبر صدمة لأبناء هذا الوطن الكبير وللأمتين العربية والإسلامية في آن واحد لما يمتاز به من مكانة مرموقة عندهم. وأصبح القلم يقف عاجزاً عن إبراز المشاعر والأحاسيس التي يختلجها القلب في تلك الخطة لأن الأمر كبير والمصيبة أليمة وأصبحت الألسن تردد قول الله عز وجل: {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}. وقال تعالى: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً} فإن هذا مصير كل إنسان منا في هذه الحياة لا بد من الرحيل، لا بد من الرحيل، مهما طال عمره وسار وجال على هذه الأرض المباركة لا بد من الانتقال من دار الفناء إلى دار البقاء رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته- وجميع أموات المسلمين كافة كما قال الشاعر الحكيم: هو الموت ما منه ملاذ ومهرب متى حط ذا من نعشه ذاك بركب وقال شاعر آخر: الموت نقاد على كفه جوهر يختار منها الحسان وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال: (كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل). ليس من السهل.. التحدث عن مناقب ومآثر هذا الرجل العظيم في عجالة وعن دماثة خلقه وتواضعه الجم وطلاقة وجهه وابتسامته التي لا تفارق محياه وعن أعماله الجليلة وإنجازاته الكبيرة خلال مسيرة حياته العملية الطويلة الحافلة بالعطاء والإنجاز والتطوير والبناء والبر والإحسان فقد كان رحمه الله مدرسة بما تعنيه الكلمة ورجل دولة بما تحمله الكلمة من معنى ودبلوماسي. بسمات معينة يمتاز بالحكمة والروية والتأني والتريث والحنكة السياسية الثاقبة والقيادة العسكرية المحنكة يجيد الخطاب السياسي وغيره بحكمة واقتدار وفصاحة ووضوح البيان والتبيان تمتاز بالمفردات اللغوية الجميلة وبالعبارات القوية وقد أفنى عمره وشبابه خدمة لوطنه ودينه ومليكه في عدة قطاعات مختلفة وحمل عدة حقائب وزارية متعددة منذ عهد والده مؤسس هذا الكيان العظيم جلالة المغفور له الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود طيب الله ثراه وذلك على النحو التالي: - أميراً لمنطقة الرياض منذ 1366ه الموافق 1947م ثم وزيراً لوزارة المواصلات منذ 1375ه الموافق 1955م الأمر الذي جعله جديراً بتولي المسؤوليات العظام التي أوكلت إليه لم يأل جهداً في تقديم كل ما يملك من إمكانات وخبرات في كل موقع تبوأ قيادتهم آنفاً. - وفي عام 1382ه الموافق 1962م تسلم زمام قطاع مهم وكبير وهو وزارة الدفاع والطيران سنوات طويلة كلها حافلة بالبناء والتطوير والإعداد والتدريب والإمداد والتجهيز وتطوير العقل البشري علماً ومعرفة وفكراً وتدريباً وتسليحاً على أحدث المعدات الحربية وأحدث التقنيات الحديثة المطورة عالمياً سواء في مجال الطيران أو مجال الدفاع وتطوير البنية التحتية لكافة قطاعات القوات المسلحة من بناء قواعد عسكرية ومطارات ومستشفيات ومراكز صحية ومساكن وتطوير الطيران المدني والعسكري بأحدث الطائرات العملاقة التي توصل إليها العالم وتطوير أسطول الإخلاء الطبي بأحدث الطائرات الحديثة والمتطورة وأخذ ينشئ جمعيات خيرية في كافة أنحاء بلادنا المترامية الأطراف تقدم خدمات إنسانية كبيرة وعظيمة إلى جانب مبادراته بإصلاح ذات البين والتدخل في إعتاق الرقاب من حد السيف ومبادراته اللا محدودة حيث يعتبر الأمير الراحل شخصية إنسانية معروفة بأعمال الخير داخل البلاد وخارجها سجله حافل بهذه الأعمال الإنسانية الجليلة. فنوازع الخير تملأ قلبه ودواعي الإنسانية تحيط به من كل جانب فيعتبر هذا الأمير ركناً من أركان هذا الكيان العظيم وستبقى أياديه البيضاء باقية في هذا الدنيا ومآثره وأعماله الخيرة وسجاياه ناصعة للأعيان. رحل سلطان الخير عن هذه الدنيا الفانية بعد أن وضع لنفسه مكانة مرموقة بين أمته وبين قادة العالم. وفي الختام لا يفوتني أن أقدم خالص العزاء وصادق المواساة لقائدنا وباني نهضتنا خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله ورعاه وسدد على دروب الخير خطاه. وإلى صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز آل سعود ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدالخلية وجميع إخوانه العظام وأبنائه الكرام وأفراد الأسرة المالكة الكريمة والشعب السعودي النبيل. وأسأل الله رب العرش العظيم أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته ورضوانه ويسكنه فسيح جناته ويلهم أهله وذويه الصبر والسلوان. {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.