كنت قد أشرت في بحث سابق عن تطور الخطاب الإعلامي السعودي في مائة عام أن المملكة العربية السعودية قد مرت بأربعة خطابات كبرى خلال المائة عام التي بدأت بالتأسيس الحديث (الثالث) للدولة السعودية.. ابتداء من الملك عبدالعزيز ومرورا بأبنائه الملك سعود والملك فيصل والملك خالد رحمهم الله وإلى عهد الملك فهد بن عبدالعزيز حفظه الله.. وذكرت أن هذه الخطابات الكبرى تمثلت في الخطاب التوحيدي والخطاب التضامني والخطاب التنموي والخطاب الشوروي.. وفي عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد، وتحديدا خلال العشر السنوات الماضية، دخلت المملكة العربية السعودية مرحلة جديدة ونوعية في تطور اعلامها ومؤسساتها الاعلامية.. وهذا التحديث والتطور هو جزء من منظومة التغير التنموي الشامل الذي دخلت فيه المملكة تهيئة واستعدادا للقرن الحادي والعشرين، والتي جاء من ضمنها وضع تأسيسات تنظيمية حديثة للدولة تواكب عصر التطور وتواجه مستجدات الظرف الإقليمي والدولي، ومن بينها صدور أنظمة الحكم والشورى والوزراء والمناطق، والتي تعد مرحلة تأسيسية جديدة في تاريخ الدولة السعودية الحديثة.. ومن الطبيعي ان يتحرك الإعلام في فضاء هذه التغيرات بشكل مختلف وبطريقة جديدة.. وهذا ما عنيته بالخطاب الشوروي الجديد الذي ربما أسميه بالخطاب الإعلامي التعددي أو التجديدي.. وهو الخطاب الذي نعيشه اليوم ونمارسه واقعاً وتطبيقاً خلال السنوات الماضية.. ولكن لماذا التغير؟ 1 إذا كانت المؤسسات الإعلامية في المجتمعات الغربية ترى بأنها مؤسسات مستقلة ولا تقع في دائرة النفوذ الحكومي، بل إنها تسعى إلى أن تكون مؤسسات منافسة للمؤسسات الاجتماعية الأخرى مثل الحكومة والبرلمان والشرطة وغيرها.. فإن الحال في كثير من الدول النامية بما فيها العربية هو في كون المؤسسات الإعلامية التي يفترض أن تقوم بانتاج وترويج الخطاب السائد تابعة وليست متبوعة للمؤسسات الرسمية. ولهذا عادة ما تقف مؤسسات الإعلام العربية في حيرة من أمرها أمام بعض أو معظم الأحداث الجديدة والمواقف السياسية الطارئة، ريثما تتلقى توجيهات أو إشارات تستطيع من خلالها استطلاع الرأي الرسمي للحكومة، وبالتالي تتصرف إعلامياً طبقاً لهذا الموقف أو هذا التوجه. ولا يكفي في بعض الأحيان أن تقوم هذه المؤسسات باستنتاج الموقف الرسمي من خلال الخبرات السالفة والمواقف السابقة، بل إنها تحتاج إلى «المراوحة» الإعلامية في انتظار استجلاء الموقف الرسمي، حتى لو اضطرت الوسيلة صحيفة أوإذاعة أو تلفزة إلى إغفال الحدث وتجاهله لمدة زمنية تؤثر على علاقة المؤسسة الإعلامية بمتلقيها، مما يعكس مزيداً من فقدان الثقة مع الوسيلة الإعلامية. ومن هنا كان التغير موجهاً في الأساس إلى تأسيس علاقة ثقة بين المؤسسات الإعلامية وجمهور المتلقين الذي يمثل المواطن فيها شريحة أساسية.. وكانت الطريقة التي تم تبنيها هي فصل الخبر عن الرأي الرسمي، بحيث يتم مباشرة الإعلان عن الحدث وتتم لاحقاً الدراسة والتحقيق في الحدث بما في ذلك جمع معلومات وتحليل الموقف وتكوين رأي رسمي في ذلك.. 2 المصداقية قد تكون سبباً في تأزم العلاقة الطرفية بين مؤسستي الإعلام والتلقي.. وتنشأ هذه الأزمة نتيجة بعض الفرضيات الخاطئة التي تعتمد على اعتقاد سائد بأن وسائل الإعلام الوطنية تمتلك جمهورها ولا يمكن أن يتأثر هذا الجمهور أو يتبعثر وجوده على وسائل أخرى.. إن الواقع الجديد الذي فرضه البث المباشر عبر فضائيات الأقمار الصناعية قد غيّر هذه الصورة إلى الأبد. إن أهم جانب يمكن من خلاله زرع الثقة أو استعادتها في بعض الأحوال يكمن في مجال تطوير الخبر الإعلامي وإعادة صياغته وتقويمه وتحديد أولويات جديدة له تتناسب مع طموحات ورغبات المتلقي .. أما الخبر القديم فلم يعد يتناسب مع تنوع البث الفضائي وتعدد القنوات الإخبارية وسرعة متابعتها وتغطيتها. 3 نظراً لما وصلت إليه تقنيات الفضاء الإعلامية من متابعة دائمة للأحداث والمواقف، فإن مفاهيم المواعيد الثابتة للأخبار لم تعد تتناسب مع مفاهيم الخبر الجديدة.. ولم يعد هناك متلق مرتبط بالوقت الذي تفرضه عليه محطة من المحطات من أجل أن يعرف ما يدور في هذا العالم.. ولهذا تتجه معظم محطات العالم إلى تعويد المتلقي على بث الحدث وإعلان الخبر الهام مباشرة في أي وقت ودون الانتظار للأوقات المعينة للأخبار.. وفي نفس الوقت تقوم هذه المحطات بالإبقاء على المواعيد الثابتة لنشرات أخبارها وبرامجها الإخبارية بهدف تلخيص أهم الأنباء والإعلان عن الأخبار الأقل أهمية وإعطاء التحليل المناسب واستضافة أصحاب القرار للتعليق ومعرفة ردود الفعل. الخطاب الجديد: الخطاب الإعلامي السعودي الجديد بدأ يتعمق في مضامين ويتكرس في واجهات أجهزة الإعلام السعودية.. وكان قد بدأ فعلاً في حضوره وأخذنا نتعايش معه خلال السنوات الأخيرة الماضية.. ويعد الملك فهد الشخصية الأولى التي صنعت هذا الخطاب وأطرت حدوده.. وبدأت حركة هذا الخطاب في الانبثاق منذ إعلان خادم الحرمين الشريفين حفظه الله عن صدور الأنظمة الأساسية للحكم والوزراء والشورى والمناطق مع مطلع العقد التسعيني الميلادي.. وبعد إعلان تلك الأنظمة واعتمادها والعمل بها في السنوات التي تلت ذلك، بدأت المملكة مرحلة معايشة روح وفضاء هذه الترتيبات التنظيمية التي أوجدتها هذه الأنظمة. إن النقلة النوعية التي دفعت بها هذه التنظيمات قد تركت فضاءات جديدة يتطلب ملؤها بطروحات وقضايا ومشروعات تتناسب مع حجم حركة التغيير ومساحة الوعي العام ودرجة النضج في التجربة الوطنية، التي تقف مع نهاية قرن كامل من التعليم والعمل والبناء والعطاء المتواصل وبداية قرن جديد من التطلعات والمستقبل والإنجاز. كما يجب ملاحظة أن هناك دفعاً مستمراً من قيادة هذه البلاد لبث روح التجديد في كافة الإدارات والأجهزة والهيئات وفق رؤية حديثة تواكب متغيرات الزمن وعجلة التنمية والتقدم وبما لا يخدش كرامة إنسان هذه الأرض أو يحط من موروثه الأساسي ومقدراته العقدية. إن الخطاب الجديد أخذ يدب رويداً رويداً وكلمة كلمة وفكرة فكرة وقضية قضية في تخطيط الوعي وجدولة الاهتمامات وتجسيد الفجوات واستكمال البناءات وتفعيل المؤسسات. وفوق كل شيء تفعيل مؤسسة المواطن التي أصبحت المؤسسة الخامسة أو السلطة الخامسة في المجتمع العربي السعودي، بعد السلطات القضائية والتنفيذية والتنظيمية والإعلامية. الخطاب الإعلامي السعودي في المرحلة الحالية هو خطاب جديد في نوعه ودرجته وهو امتداد وانعكاس لما طرأ من تغييرات في طبيعة ووظائف المؤسسة السعودية الحديثة، التي تتطلب تبعاً لذلك إعادة في التأسيس وتجديداً في الإدراك بمسلمات البناء الوطني الجديد. مرتكزات الخطاب: 1 العقلانية: إن هذه الركيزة يجب ألا تفهم بأنها حضور بعد غياب أو وجود بعد عدم، ولكن المقصود بذلك أن العقلانية على الرغم من كونها المحرك الأساسي لكل خطاباتنا السابقة، إلاّ أننا في فترة من الماضي كنا نعيش بشكل اندفاعي وراء دعم كل المؤسسات الخارجية دون أدنى شرط أو تفكير أو مساءلة.. وقد كنا نضخ كل أشكال الدعم دون تمييز أوتردد.. وقد أثبتت التجربة التي خاضتها المؤسسة السعودية إبان أزمة الخليج ضرورة أن تكون هناك عمليات فرز وتمييز للأشخاص والمواقف والمؤسسات والدول التي تتعامل معها المملكة.. وهكذا فالعقلانية في الخطاب الوطني الجديد تعني وضع مرتكز جديد في تقييم وضعية رؤيتنا تجاه الآخر والأشياء من حولنا. 2 الانفتاح.. لقد حسم الخطاب الوطني الجديد مسألة الانفتاح التي أصبحت مرتكزاً جديداً يتأسس عليها هذا الخطاب. وقد كان العذر فيما مضى أن يكون هناك خطاب محافظ نظراً لظروف البدايات التي كان يعيشها الإنسان والمؤسسة والدولة.. أما اليوم فإن الانفتاح يعد لغة تقدمية إيجابية تعطي الخطاب زخماً إيجابياً يستطيع أن يتبارى به مع الخطابات الأخرى. وقد أتاحت التقنية الاتصالية الحديثة بما حملته من إمكانيات فضائية واسعة مجالاً رحباً في أن يكون الخطاب الجديد منفتحاً على الآخر وقابلاً للحوار والمناقشة في أجواء إعلامية وثقافية متعقلة، كما أن نضج الإنسان والمؤسسة السعودية ساعد الخطاب في أن يكون منطلقاً وغير مكبل مندفعاً وبلا تقييد حتى يستطيع مجاراة الخطابات المنافسة. 3 الجماعية.. أهم ما يتميز به الخطاب الجديد هو لغة الجماعية التي يبثها الخطاب والتعددية في الأشخاص والموضوعات والمحاور التي يتناولها الخطاب.. واليوم أصبحت المملكة بعد خبرتها الطويلة في شتى مجالات الحياة متهيئة لإنتاج كفاءات مقتدرة في السياسة والاقتصاد والفكر والإعلام والأكاديميا والعلوم والرياضة وغيرها من مختلف الشئون والاهتمامات العامة. وأصبح الخطاب الجديد لغة يجيدها عشرات ومئات، بل ألوف القيادات التي كونتهاوصاغتها تجربة المؤسسة السعودية. وهذا التنوع والإثراء يحتاج أن يجد طريقه ضمن منظومة الخطاب الجديد، والجماعة هنا ليس مقصوداً بها العددية فحسب، بل هناك نوعية في الموضوع والدرجة يستطيع هذا الخطاب إنتاجها من خلال رؤيته وتناوله للأشياء. شواهد الإعلام الجديدة: أولاً: الأنظمة: تعرضت الأنظمة التي تحكم الإعلام في المملكة العربية السعودية خلال السنوات الماضية لإعادة نظر من خلال المجالس التنظيمية والتنفيذية.. وقد صدر في العام قبل الماضي نظام للمطبوعات والنشر، وصدر مؤخراً نظام المؤسسات الصحافية الجديد.. ولربما تحتاج المرحلة القادمة وضع تصورات جديدة للسياسة الإعلامية السعودية، كما صدرت مؤخراً القواعد التنظيمية لنشرت الأخبار التلفزيونية.. (أ) نظام المطبوعات والنشر: إن النظام في مجمله يعد نظاماً يحمل في طياته الكثير من التجديدات والملامح التطورية التي تعكس الوضعية المستجدة في الساحة الإعلامية، وخصوصاً ما يتعلق فيها بمفاهيم العولمة ومتغيّرات التقنية الاتصالية الحديثة.. ويمكن إجمالاً تلخيص ملامح هذا النظام في جانبين أساسين: 1 النظام الجديد موجه في درجته إلى الشرائح النخبوية في المجتمع، وليس إلى القطاعات العريضة من الجماهير، ومن ذلك على سبيل المثال: * المادة السادسة.. الحرية المطلقة للجامعات والمؤسسات التعليمية والمؤسسات الصحافية والأندية الأدبية والثقافية في طبع كل احتياجاتها وفق رقابة ذاتية من قبل هذه الجهات. * المادة الحادية والعشرون.. السماح للمؤسسات التعليمية والبحثية والجمعيات المهنية والأندية الأدبية باستيراد ما تحتاجه من مطبوعات خارجية وفق رقابة ذاتية من هذه الجهات. * السماح للباحثين والمفكرين وأساتذة الجامعات بإدخال الكتب التي يحتاجونها من الخارج لحيازتهم الشخصية. 2 النظام الجديد يؤسس ويعمق مفهوم الرقابة الذاتية أكثر من النظام السابق الذي كان يجعل رقابة وزارة الإعلام هي المحك الأساسي لإدخال الكتب وإجازتها.. وهذا يتمثل في منح صلاحيات للجهات المختلفة من الجامعات والمؤسسات التعليمية والجمعيات العلمية المهنية والمؤسسات الصحافية في أن تنشر وتستورد الكتب والمجلات وفق رقابة ذاتية تمارسها تلك الجهات وليس وفق أذونات مسبقة من وزارة الإعلام.. وكذا تعزيز الثقة في الشرائح المتعلمة من الباحثين والأساتذة في إمكانية اقتنائهم الكتب التي يرغبون فيها حسب ما يرونه محكاً ذاتياً يمارسونه على تلك الكتب والمجلات.. (ب) نظام المؤسسات الصحافية لا يوجد في نظام المؤسسات الصحافية القديم مواد توضح الوظائف الاجتماعية للصحافة أو تحدد السياسة العامة التي تنتهجها وسائل الإعلام المطبوعة. كذلك لم يشر النظام إلى أهمية وظائف الترفيه والتثقيف والمعلومات والتوجيه. وقد كانت هذه ثغرة في نظام المؤسسات الصحافية حتى جاء المجلس الأعلى للإعلام ووضع تصوراً ومنهجاً واضحاً يحدد وظائف ومهمات الإعلام السعودي بكافة أجهزته من إذاعة وتلفزيون وصحافة. وهذه بعض الملاحظات العامة حول هذا النظام: 1 جاء النظام الجديد ليربط نظام المؤسسات الصحافية بالسياسة الإعلامية واعتبارها موجها أساسياً للمضامين والأهداف التي تسعى إلى تحقيقها المطبوعات المختلفة الصادرة عن المؤسسات الصحافية. 2 قام النظام الجديد بتفنيط المسائل المختلفة لهيكلة العمل الإداري الصحافي وتم توزيع بنود النظام على مجموعة عناصر: * أعضاء المؤسسة. * الجمعية العمومية. * مجلس الإدارة. * الإدارة والتحرير. * حل المؤسسة وتصفيتها. 3 عدم إشارة النظام إلى المستلزمات المالية للمشروعات الصحافية والاكتفاء بذكر ضوابط التحديد المسبق لرأس المال الكافي لتحقيق أهداف المؤسسة، بينما في النظام القديم تم تحديد مبلغ وقدره «مائة ألف ريال» كحد أدنى لرأس مال المؤسسة.. 4 إضافة مجموعة مواد خاصة بحسابات المؤسسة وضرورة وجود ميزانيات سنوية وحسابات قانونية، وتخصيص جزء من الأرباح (10%) كاحتياطي للمؤسسة. 5 أسقط النظام الجديد شرط السن الذي حدده النظام القديم في عضوية المؤسسة، حيث كان الشرط ألا يقل عمر العضو عن 25 سنة، وأضاف النظام الجديد شرط عدم انتسابه لمؤسسة صحافية أخرى حتى تصبح هناك خصوصية للأعمال والمنافسات التي على صعيد كل مؤسسة. 6 يسهل النظام الجديد من إمكانية الانضمام للمؤسسة لأعضاء جدد، كذلك شراء أسهم الأعضاء الحاليين، وكذلك إعطاء فرصة لورثة الأعضاء في أن تتواصل عضوية أحدهم في هذه المؤسسة إذا توافرت الشروط المطلوبة في ذلك العضو. 7 تمت الإشارة في النظام الجديد إلى الجمعية العمومية نظراً لزيادة أعضاء المؤسسات الصحافية ولضرورة وجود هيكل إداري يضم كل الأعضاء، ولم يشر النظام القديم إلى الجمعية عدا الإشارة العامة إلى أعضاء المؤسسة باعتبارهم أصحاب الامتياز ولهم حقوق متساوية. 8 وضع النظام الجديد عدة ضوابط لسلطة وإختصاصات عمل الجمعية العمومية وطريقة عضويتها وآلية تنفيذ قراراتها. 9 تم تحديد اختصاص وعمل ومواصفات مجلس إدارة المؤسسة في النظام الجديد، على عكس النظام القديم الذي كان يشير إلى ذلك من خلال اختصاصات وعمل المدير العام للمؤسسة. 10 حددت اللائحة في النظام الجديد مواعيد انعقاد المجالس المختصة في المؤسسات، على أن يكون في الحد الأدنى سنوياً للجمعية العمومية، وأربع مرات سنوياً لمجلس الإدارة. 11 حدد النظام الجديد آليات اختيار الشخصيات الإدارية والتحريرية للمؤسسة، على النحو التالي: * رئيس مجلس الإدارة: يتم اختياره من خلال تصويت يشارك فيه أعضاء مجلس الإدارة، بشرط ألا يكون المدير العام أو رئيس التحرير لأي مطبوعة من مطبوعات المؤسسة. * المدير العام: يتم ترشيحه من قبل مجلس الإدارة والتصويت على اختياره من خلال الجمعية العمومية. التطور التنظيمي للإعلام في عهد الملك فهد * رئيس التحرير: يتم ترشيحه من قبل مجلس الإدارة والتصويت على اختياره من خلال الجمعية العمومية بشرط موافقة مسبقة من وزارة الإعلام على ذلك. 12 لم يشر النظام الجديد تأييداً أو نفياً إلى فكرة الجمع بين منصبي المدير العام ورئيس التحرير، على الرغم من ذكرهما منفصلين عند تحديد أعضاء مجلس الإدارة إشارة إلى تفضيل عدم الجمع. 13 لم يحدد النظام الجديد عدد المحررين المطلوب تفرغهم للصحيفة، على عكس النظام السابق الذي حدد أربعة للصحف اليومية ومحررين للمجلات الأسبوعية. ويأتي ذلك نتيجة أن الإعداد والكفاءات ستكون مطلباً تشترك في دعمه الإدارة العامة ورئاسة التحرير دون أن يكون هناك حاجة لتحديد أرقام قد يتجاوزها الزمن بعد سنوات طويلة كما حصل مع النظام القديم. 14 انتقلت صلاحيات الإعفاء للمدير العام ورئيس التحرير من وزارة الإعلام إلى كونها إجراءات داخلية في المؤسسة، حيث يمكن الإعفاء بتوصية مسببة من مجلس الإدارة بأغلبية ثلثي الأعضاء، شرط موافقة الجمعية العمومية على ذلك. 15 تم في النظام الجديد وضع بعض الاشتراطات والضوابط التي تساهم في تعزيز المحررين الصحافيين، والتي لم يشر لها النظام القديم. 16 يتم وضع لوائح داخلية تحدد واجبات العاملين في المؤسسة وحقوقهم ونظام للمكافآت والجزاءات. 17 يوضع سلم رواتب لمنسوبي المؤسسة لضمان حقوقهم في الترقيات والعلاوات السنوية. 18 لا يتم إعفاء المحررين الصحافيين على وجه الخصوص إلا بتوصية مسببة من رئيس التحرير بشرط موافقة مجلس الإدارة عليها. 19 يؤسس النظام الجديد لإنشاء هيئة للصحافيين تعنى بشئونهم وتدافع عن حقوقهم، وهي أقرب ما تكون إلى مفهوم نقابة الصحافيين في دول أخرى. 20 حدد النظام الجديد مدة الإشغال المؤقت لمنصبي المدير العام ورئيس التحرير بثلاثة أشهر يتم خلالها تكليف أحد منسوبي المؤسسة بالقيام بدور وأعباء العمل في هذين المنصبين، ولكن يتم التعيين الجديد خلال تلك الفترة التي حددها النظام. 21 من أهم الاختلافات الواضحة بين النظامين هو التحول نحو التخصص والصناعة الاحترافية للصحافة الذي تضمنه النظام الجديد، على عكس المرحلة التي كانت سائدة عند وضع النظام القديم قبل حوالي أربعة عقود من الزمن، حيث كانت المشروعات الصحافية بسيطة وذات آفاق محدودة. 22 ينص نظام المؤسسات الصحافية القديم والجديد على ضرورة ألا تصبح المؤسسات مشاريع تهدف بالدرجة الأولى إلى الربح المادي. ويقترح النظام أن تستغل هذه المؤسسات الأرباح التي تحصل عليها في تنمية وتطوير العمل الصحافي في المملكة. مقارنة بين النظامين حسب أعداد المواد طبيعة المواد نظام نظام 1963 2001 تكوين المؤسسة 7 4 عضوية المؤسسة 7 2 الجمعية العمومية 0 2 مجلس الإدارة 0 5 الإدارة والتحرير 17 9 حل المؤسسة وتصفيتها 1 2 أحكام عامة 2 6 المجموع 34 30 (ج) السياسة الإعلامية: ظهرت السياسة الإعلامية في المملكة عام 1402ه وذلك من خلال المجلس الأعلى للإعلام وتمثل السياسة الإعلامية قواعد وخطوط عامة توجه الإعلام السعودي.. وأحسب أن هذه السياسة هي في طور المراجعة وإعادة النظر لتواكب المستجدات الإعلامية القائمة والمرتكزة على العملية الاتصالية في الداخل والخارج. ثانياً: دراسة أوضاع الأجهزة الإعلامية الرسمية: تجرى دراسات حالية ببعض المجالس المختصة لدراسة إمكانية منح الأجهزة الإعلامية مرونة إدارية معينة تسهل مهمتها إيقاع العمل السريع ومن هذه الأفكار إمكانية تحويل وكالة الأنباء السعودية والتلفزيون والإذاعة أو بعض هذه الأجهزة إلى مؤسسات عامة وهي صيغة وسطية بين نظام الإدارة الحكومية ونظام الشركات التجارية. ثالثاً: قواعد الأخبار الجديدة: بصدور التوجيهات السامية الجديدة باعتماد قواعد لنشرات الأخبار في التلفزيون السعودي. يكون هذا الجهاز قد قفز إلى آفاق تطويرية مهمة وانطلاقات إعلامية منذ تأسيسه عام 1385ه/1965م.. ومن أبرز هذه التجديدات والقواعد ما يمكن أن نصفه بمستويات التطوير التالية: أ التغطية الفورية: التغطية الفورية أصبحت سمة من سمات الحقبة الإعلامية الجديدة.. فلم يعد يعرف المتلقي عن الأحداث بعد وقوعها، بل انه يريد أن يعيش مع الأحداث لحظة بلحظة ودقيقة بدقيقة، فقد أصبحنا نعيش داخل الأحداث وليس خارجها. ومن هنا فإن التوجه الجديد لتغطية الأخبار والأحداث والمناسبات المحلية والدولية مباشرة وعلى الهواء هو في حد ذاته نقلة مهمة لجهاز التلفزيون ولمفاهيم الإعلام الجديدة في المملكة. (ب) القطع البرامجي للإعلان الحدثي: وهذا هو المعمول به حالياً في كثير من محطات التلفزة العربية والدولية، حيث ينتظر ويتوقع المشاهد أن يتابع أهم الأحداث والأخبار الطارئة مباشرة ومن خلال قطع البرامج المعتادة والإعلان عنها... وأهمية هذا الاتجاه يعزز الثقة بين المؤسسة التلفزيونية وبين المشاهد والمتلقي. لكون المشاهد يعلم بأن متابعته لبرامج اعتيادية لا يعني غيابه عن مستجدات الأحداث العالمية، فالتلفزيون سيقدم له خدمة الإعلان الفوري لما سيحدث محليا ودولياً.. وثقة المشاهد في أداء التلفزيون لهذه الوظيفة الإعلانية سيعزز من علاقته مع ذلك الجهاز ويغنيه عن التحول إلى محطات خارجية أخرى لمتابعة آخر المستجدات العالمية. (ج) الترتيب الأخباري حسب أهمية الحدث: نعلم أن لكل مجتمع أولوياته المؤسساتية وعادة ما يحافظ على تلك الأولويات في كل ما ينشر ويقال من أخبار وأحداث وتغطيات، ولكن الترتيب البرتوكولي للأخبار تغيّر في كثير من محطات الإذاعات والتلفزة العربية والدولية. ومن هنا جاءت القواعد الجديدة لنشرات أخبار التلفزة لتعطي بعداً جديداً وإضافة نوعية للنشرة وذلك بترتيب الأخبار حسب أه ميتها الموضوعية وليس حسب الإجراء البروتوكولي المعتاد... فقد يتقدم الخبر الدولي على المحلي، والعربي على الدولي وقد يظل الخبر المحلي متصدراً لأهميته الموضوعية. د التحديد الزمني للنشرة: مع الانشغالات الكبيرة للجمهور والارتباطات العديدة، لم يعد من الممكن الانتظار لمتابعة نشرة أخبارية مفتوحة غير محددة بوقت ولهذا جاءت القواعد الجديدة لنشرات الأخبار الرئيسية على الأقل لتحد من الإطالة الزمنية للنشرة وتزامن المقروء في النشرة مع المعروض المرئي. ان القواعد الجديدة لتطوير نشرات الأخبار تعد نقلة جوهرية في أداء الإعلام السعودي ويجب أن ندرك أن هذه القواعد ينبغي أن تمتد إلى كل من أداء ووظائف الإذاعة، وأداء ووظائف وكالة الأنباء السعودية، وأداء ووظائف الصحافة المحلية كذلك.. ختاماً شهد الإعلام السعودي في عهد الملك فهد بن عبدالعزيز حفظه الله، وتحديداً خلال العقد الماضي، تحولات نوعية كبرى، على مستويات عديدة، منها الأنظمة التي تكون عادة تتويجا رسميا لهذا التحول.. ومنها قواعد وسلوكيات إعلامية مهمة ترشد القائمين على الإعلام والاتصال بتوجهات جديدة.. ولا شك أن أجهزة الإعلام في المملكة لا تعمل في فراغ، بل هي متفاعلة مع المتلقي القارىء، المستمع، المشاهد في الداخل والخارج الذي تحاول استقطاب اهتمامه وبناء علاقات حميمة مبنية على مصداقية مشتركة بين طرفي المعادلة الإعلامية: المرسل والمستقبل.. واذا استرجعنا مفرزات التغير في كليتها، فسنجد أن الاعلام السعودي قد حقق مساحات واسعة من الانتشار على كافة المستويات، ومنها على سبيل المثال: 1 إصدارات جديدة أضيفت نوعياً إلى سوق الصحافة المحلية.. 2 تطور نوعي في الخدمة الصحافية الشاملة التي تقدمها صحافتنا الوطنية من خلال استحداث أساليب وممارسات مهنية جديدة. 3 الانتشار الأفقي في الجغرافيا العربية والدولية لصحافتنا المحلية. 4 التوسع في انتشار الصوت والحضور السعودي في الخارج من خلال عدد من الصحف والمؤسسات الاعلامية السعودية الادارة والاتجاه وعلى كافة الأصعدة. 5 نشاط بارز وملموس للاعلام الخارجي من خلال الاستقطاب العام للصحافة والاعلام الأجنبي في محاولة للتأثير على الرأي العام العالمي نحو مواقف وسياسات المملكة. وتظل هذه التحولات مهمة في خطوة رائدة لاعلامنا، ونتوقع انه مع مرور الوقت ستكون هناك خطوات أخرى تصب في إطار تطوير شامل لأجهزة الإعلام، المناط بها مسئولية وخدمة المجتمع السعودي بما يتمشى مع الثوابت الاجتماعية وتعزيز الدور الاستراتيجي للمملكة ومكانتها العربية والإسلامية والدولية. * أستاذ الإعلام الدولي والصحافة جامعة الملك سعود