برزت الأهمية الإستراتيجية لهذه الإمارة العربية الممتدة على الساحل الشرقي للخليج العربي وتطل معظم مدنها على ضفاف شط العرب وقد تميزت بكثافة أشجار النخيل وجودة أنواعه وشكلت زراعتها أكثر من 40% في مجموع السلة الغذائية الإيرانية وجعلها المستشرقون الغربيون قاعدة لتحركهم (التجسسي) للبلاد العربية التابعة للحكم العثماني مع بداية الحركات الانفصالية القومية لهذه الشعوب عن سلطة السلطنة ونفوذها وقد غذى وكلاء الشركة الهندية الشرقية (سلطة الاستعمار البريطاني) في القارة الهندية وأشهرهم السير ارنولد ولسن وسير برسي كوكس ورفيقتهم المشهورة مسز بيل منسقة تشكيل الدولة العراقية والتي نصبت الملك فيصل الأول (رحمه الله) أول الملوك الهاشميين على عرش العراق.. إمارة الأحواز كانت مركزاً للحراك السياسي البريطاني في الشرق العربي ولتهيئة المناخ المعادي والمناسب لشن الحرب العالمية الأولى في القرن التاسع عشر 1914 - 1918م وقد تشكل شعبها العربي الأصيل من مجموعة قبائل عربية تنتهي جذورها في الجزيرة العربية والتي ساعدت الفتح الإسلامي لها في عهد الخليفة الراشد عمر الخطاب -رضي الله عنه- وقضائهم على حاكمها الفارسي آنذاك الهرمزان عام 17 هجري ودامت عربية إسلامية في العهود الأموية والعباسية حتى نهاية السلطنة العثمانية. واستمرت حرة مستقلة طيلة خمسة قرون لم تستطع جيوش الصفويين ولا العثمانيين من استعمارها وإخضاع أمرائها لسلطتهم! وتعامل السير برسي كوكس الحاكم البريطاني للخليج والشرق العربي آنذاك مع شيوخ إمارة الأحواز بكل ندية واحترام وعقد أول اتفاقية بريطانية في الشرق مع الأمير خزعل بن جابر الكعبي بالموافقة على مرور خط بترولي على أرض إمارته إلى مصفاة عبادان البترولية والتي تملكها شركة بريطانية بإيجار سنوي قدره (650 جنيه ذهب).. فقد تم تفريس اسم الأحواز العربية إلى إقليم (الأهواز الإيراني) إثر اتفاق السلطة البريطانية وحكومة البهلوي رضا خان على تسليم الأمير العربي خزعل الكعبي وولي عهده الشيخ عبدالحميد إلى القائد العسكري الإيراني (زاهدي) ونفيه إلى طهران وضم الإمارة إلى دولة إيران رسمياً عام 1925م والتي تعيش حتى يومنا هذا تحت السلطة الإيرانية في عهدي الحكم الشاهنشاهي والخميني وتعرض أهلنا العرب في الأحواز والبالغ عددهم أكثر من عشرة ملايين نسمة إلى صنوف التمييز العنصري القومي والظلم والاستبداد وحرمانهم من أبسط حقوقهم المدنية والشرعية وتنفيذ أقسى عملية تهجير جماعي للقبائل العربية نحو الوسط والشمال الإيراني وتوطين مجموعات سكانية فارسية على أرض الوطن الأحوازي العربي لتغيير ديمغرافية الأحواز وتفريس مدنها وأنهارها ويشكل أحفاد بنو كعب وبني مالك وبني لام وبني عامر وبكر وتميم السكان الأصليون لإقليم الأحواز العربي المحتل لأكثر من 80% من سكانها. ويحظى هذا الإقليم العربي المحتل أهمية بالغة لاقتصاديات إيران، حيث ينتج 87% من البترول والغاز المصدر منها ويتألف تنظيمها الإداري من 24 مدينة حضارية تميزت بجسورها الجميلة ومعمارية خاصة يمتزج فيها الفن الموروث لحضارات عميقة في التاريخ القديم والحديث منذ سومر وكلدان وآشور وبابل حتى فارس والدولة الإسلامية في عهودها المستمرة منذ الفتح ومعركة القادسية حتى سقوط إمارة بني كعب العربية لاحتلالها من قبل الغزو الإيراني عام 1925م وعلى شكل خيانة ورشوة قدمها السير برسي كوكس الحاكم البريطاني للخليج العربي للشاهنشاه البهلوي رضا خان ثمناً للاتفاقية البريطانية الإيرانية وباحتكار إنتاج البترول لمائة عام على الأرض الإيرانية وبعد تنفيذها تخلص الإيرانيون من الأمير خزعل وابنه بدس السم لهما وانتهى عهد إمارة بني كعب إلا أن أحفادهم من عرب الأحواز لم يستكينوا لهذا السلب الظالم لوطنهم من قبل دولة إيران وبكل عهودها فقاد الشيخ محيي الدين الزئبق انتفاضة شعبية واسعة اشترك فيها معظم أبناء القبائل العربية واحتلوا منطقة الحويزة لأكثر من ستة أشهر ولم تحظَ بدعم عربي آنذاك لانشغالهم بتشكيل دولهم الجديدة بعد اتفاق سايس - بيكو السيء الصيت الذي قسم الوطن العربي بين الفرنسيين والإنجليز. وشهد عام 1936م ثورة عشائرية مشتعلة في كل منطقة الاحواز قام بها زعماء بني كعب بزعامة حيدر بن طلال إلا أن البوارج البريطانية ساعدت السلطة الإيرانية في إخماد هذه الثورة الوطنية. ولم يستطع القمع والتسلط الإيراني إخماد نار الحرية والوطنية في نفوس أحفاد أهلنا العرب في الأحواز وبعد صبر طويل وتنظيم سياسي حديث تشكلت منظمات وطنية عربية هدفها تخليص وطنهم الأحواز من الاستعمار الإيراني وإعلان دولة الأحواز العربية وفي عام 2005م تفجرت الانتفاضة الوطنية العربية في كل المدن الأحوازية وقد قوبلت هذه الثورة الوطنية بصنوف البطش والقتل اللاإنساني وبقيت جثث الوطنيين العرب معلقة على أعمدة الكهرباء لأكثر من أسبوع في عبادان والمحمرة والأحواز شاهدة على النظام الخميني الظالم! ملف هذه القضية العربية الإسلامية الإنسانية لابد أن يحتل مكاناً متقدماً على طاولة اجتماعات أمانة الجامعة العربية ومؤتمر العالم الإسلامي ورابطة العالم الإسلامي وكل المنظمات الإنسانية والتي تهتم بحقوق الإنسان العربي.. فقد ذكر المؤرخ الفرنسي جاك برس في كتابه «أوراق من الخليج العربي هذه المفارقة التاريخية في ضياع وسلب الحق العربي» قائلاً (الأحواز العربية تشكل الطرف الشرقي للهلال العربي والذي يبدأ شمالاً من سهول فلسطين مارًّا بلبنان وسوريا والعراق وقطع الإنجليز شماله وباعوا فلسطين لليهود وشرق الهلال الأحواز لإيران)!! هذه عبرة تاريخية تستحق التأمل والحذر (الآن) على مستقبل أمتنا العربية؟ هيئة الصحفيين السعوديين - جمعية الاقتصاد السعودية