في المقالين السابقين فهمنا هامش الربح وكيفية حسابه من الفائدة وطريقة تقييمه بإرجاعه للفائدة وكيف أن طول مدة التمويل خير من قصره وقد حصل خطأ من محرر الصفحة في طباعة مقال الأسبوع الماضي - كما حصل من قبل في مقالات متقدمة-، مما يسبب خلطاً وسوء فهم بالنسبة للقارئ الكريم. لذا فسأعيد ما حصل من خطأ الطباعة والتحرير في الأسبوع الماضي في آخر المقال اليوم. تمهيد لمفهوم الإجارة المنتهية بالتمليك: نظام الإجارة المنتهية بالتمليك في السيارات نظام تمويلي لشراء السيارات، ابتكرته العقلية القانونية والتسويقية الغربية. فهي مجدية وعادلة عندهم من الناحية القانونية، حيث إن احتفاظ البائع بملكية السيارة يسهل عليه استردادها في حالة تعثر المشتري عن السداد دون اللجوء إلى الإجراءات القانونية الطويلة والمكلفة التي يجب اتباعها في حالة رهن السيارة بعد انتقال ملكيتها إلى المشتري، وقيمة السيارة لا تستحق كلفة المطالبات القانونية. وهي كذلك مجدية من الناحية التسويقية، فاسم الإجارة يُحدث عند الزبون تقبلا لدفع القسط الشهري لأنه غالبا ما يقارنه بسعر استئجار السيارة من شركات تأجير السيارات, الذي يكون أعلى بكثير من القسط الشهري لنظام الإجارة للسيارة المنتهي بالتمليك، (وهذا التضليل التسويقي التمويلي قد استغله تجار السيارات عندنا فرفعوا سعر الفائدة أحيانا إلى 18 في المائة تحت مسمى هامش الربح التأجيري). وبنوكنا وفي أحدث طرقها للالتفاف على جمود القوانين عندها وغيابها، ومن أجل تضليل المواطن ومؤسسة النقد، ومن أجل تصديق ما يسمى بالهيئة الشرعية، ومن أجل إعطاء البنك اليد العليا المطلقة عند النزاع تخرجه من التناقضات القانونية بين ما هو ممارس وما هو قانوني، أصبحت -أي بنوكنا- تقدم نظام تأجير المنازل المنتهي بالتمليك كحل لتمويل المنازل, مطورين بذلك هذا النظام الغربي المستخدم أصلاً لتمويل السيارات. والغرب لم يدع وسيلة ابتكاريه في تمويل المنازل إلا لجأوا إليها لكنهم لم يستخدموا هذا النظام في المنازل كما استخدموه في السيارات لعدم إمكانية تطبيقه إذا كانت ملكية البنك للمنزل حقيقية، (والغرب يعتمد حقائق معاني الألفاظ). فالسيارة تتناقص قيمتها مع الأيام وتمويلها تمويل قصير الأجل فلن تنشأ هناك مشكلة لو أرجع المستأجر السيارة لأنها ستباع في الحراج بقيمتها المتبقية غالبا. والقانون عند الغرب -كما هو القضاء الشرعي عندنا- لا يلزم المستأجر بشراء السيارة. وأما المنازل فتمويلاتها تمويلات طويلة الأجل وقيمتها على المدى الطويل غالباً ما تزداد وتتضاعف أضعافاً عديدة, وأما في المدى القصير فأسعارها عرضة للطفرات أو الانهيارات. في كلا الحالين سواء في طول المدة أو قصرها فإن هناك عدم انضباطية في حالة تملك البنك المنزل إلا عن طريق المشاركة الحقيقية وغير الممكنة عن طريق سداد جزء من القيمة شهرياً. لذا فالبنوك هناك تقوم بها حقيقة باستخدام طريقة أخرى واقعية تسمى الرهن العقاري بالمشاركة Shared Appreciation Mortgages SAMs، وسأشرحه وطريقة حسابه في مقال لاحق ضمن أساليب ونماذج تمويلية. ومن الخطأ الذي يسيطر على طريقة التفكير عندنا هو الحكم على المستقبل بنظرة الأمس, فالذي يظهر لي أن المبتكرين لهذه الأنواع من عقود التمويلات عندنا قاسوا المستقبل الاقتصادي لبلادنا على الأحوال الاقتصادية التي مرت بها المملكة في ال 30 عاماً الماضية، وهذا قياس مع الفارق, فمنذ عام 1978م تقريبا لم تشهد المملكة تضخماً في الأسعار (وقد بينت ذلك بالرسم البياني في أول مقال في هذه السلسلة). وذلك لأسباب عدة ليس هذا محل تفصيلها، ولكن يمكن تقسيم العقود الثلاثة هذه مقاربة وعلى عجالة إلى قسمين. القسم الأول ثبات الأسعار أو انكماشها في العقد الأول كنتيجة تصحيحية لتضخم الأسعار الهائل الذي صاحب السنوات الثلاث الأولى بعد طفرة النفط (شبيه بوضع اليابان). والقسم الثاني هو انكماش الأسعار أو ثباتها في العقدين اللذين يليان الأول, فذلك يُعزى إلى توقف النمو الاقتصادي عندنا في بلادنا أو تناقصه بالاستهلاك. ولكن هذه الحقبة من تاريخ السعودية الاقتصادي لن تتكرر - بإذن الله-, فالبلاد ستشهد نمواً اقتصادياً سنوياً متدرجاً خارج قطاع النفط - تشهد له أمور كثيرة ليس هذا محل تفصيلها. هذا النمو سيحفزه جانب ازدياد الطلب الكلي الذي هو سبب حتمي لارتفاع الأسعار، فلولا ارتفاع الأسعار لما أنتج المنتجون. وهناك في أمريكا في أحيان نادرة إجارة منتهية بالتمليك للمنازل ولكنه لا يقع بين مؤسسة تمويلية وبين متمول ولكن بين صاحب المنزل والمشتري. وله عدة صور تتلخص في أن من كان تاريخه الائتماني سيئ والمؤسسات التمويلية لا تتعامل معه فيلجأ إلى دلالين عقاريين ينسقون صفقة بينه وبين مالك المنزل يستأجر فيها البيت وله خيار الشراء بسعر محدد ولكنه مرتفع ليقابل سعر المستقبل. وهناك صور أخرى كثيرة له ولكنه لا يُستخدم من قبل المؤسسات التمويلية أي البنوك أو مؤسسات التمويل. ومن طرقه المشهورة أن يدفع المستأجر لمالك المنزل عربوناً على أن له حق الشراء بعد سنه حتى ثلاثة أعوام وبمكن أكثر قليلا بعام أو اثنين والقصد من ذلك أن يتمكن المشتري من تنظيف سجله الائتماني لكي يستطيع التعامل مع البنوك بسجل ائتماني نظيف. إذن فالعقد لا تمويل فيه، إنما هو إيجار محض حقيقي ليس به أي من أصل ثمن البيع وهناك عربون يحفظ الحق بالشراء بعد مدة قصيرة. وهذا يحدث عندهم أيضاً إما لوجود مشكلة في البيت كضرائب متأخرة أو مجاري معطلة فلا يقبل البنك أن يمول المنزل، أو أن يكون الشاري ذا سجل ائتماني فيه تفليس فهو عقد حاضر بين اثنين لا علاقة بمفهوم التمويل فيها فلا يخلط بين هذا والتمويل البنكي الذي نتحدث عنه عندنا في الإجارة المنتهية بالتمليك. فإذا ذهبت مشكلة البيت أو الشاري وأصبح من الممكن شراءه عن طريق تمويل فهنا يدخل البنك بأحد أنواع التمويل الكثيرة ليس منها الإجارة المنتهية بالتمليك لأن الإجارة المنتهية بالتمليك لا تصلح في المنازل كما وضحنا من قبلنا في البلاد التي يحكمها قانون واضح وليس فيها فوضى وصورية ما يسمى بالصيرفة الإسلامية التي ستخلق مشاكل كبيرة في المستقبل بسبب هذا النوع من العقود. وفي هذه الوقفة المختصرة لنظام الإجارة المنتهية بالتمليك تمهيد كاف لموضوع مقال اليوم. مثال رقمي على ارتفاع قيمة المنازل إذا استمر الاقتصاد السعودي في نمو معتدل: ولو افترضنا متوسط معدل 3 في المائة تضخماً سنوياً على الأقل -وهو معدل مثالي لتحقيق نمو متواصل معقول- فالبيت الذي قيمته اليوم 1000.000 ريال سيساوي تقريبا 2.456842 ريال بعد ثلاثين عاماً بافتراض عدم لحاق نكسات أو طفرات للحي والمدينة التي هو فيها. فستنشأ عندنا هنا مشكلة حقيقية إذا كان البنك يملك جزء كبيرا من البيت وأراد المواطن شراءه في نهاية العقد أو السداد المبكر خلال مدة العقد. فالبنك هو صاحب اليد الطولى في ذلك لأن العقد باطل شرعا وقانونا عند القضاء الشرعي الذي يتبع هيئة كبار العلماء التي لم تجز هذا النوع من العقود -أي الإجارة المنتهية بالتمليك- على أنه بيعتين في بيعة، وأنا هنا لا أبدي رأياً شرعياً بل عرضا لما هو حادث فالمسألة قد قتلت بحثا من المهتمين بها وفيها بحوث قيمة وجيدة فلا أزيد عليها. أربعة أمثلة على أربعة نماذج للتمويل من الممكن استخدامها بطريقة الإجارة المنتهية بالتمليك: (فالإجارة المنتهية بالتمليك مقصدها الأساسي هو ارتهان البنك للأصل بالحفاظ على ملكيته لضمان السداد وما عدا ذلك فكل النماذج الأربعة هي نماذج تمويلية اعتيادية تصلح بطريقة الإجارة المنتهية بالتمليك أو بمجرد الارتهان العادي للأصل أو دون ارتهان كبطاقات الائتمان ومن هذه الأربعة النماذج التمويلية يوجد عندنا في السعودية النموذجين الأوليين فقط). المثال سوف نفترض فيه أن هناك منزلا يُراد تمويله بتمويل مقداره مليون ريال، وبفائدة مقدارها 7.5 % لمدة ثلاثين عاما وهناك ثمانية نماذج تمويلية أساسية ممكنة سنستعرض أربعة منها هذا الأسبوع: النموذج الأول بدفعة أخيرة: فلو افترضنا مثلا أن عقد التمويل (مثل بعض عقود الإجارة المنتهية بالتمليك الذي عندنا) ينص على إجارة لمدة ثلاثين عاما يكون الإيجار فيها ثابتا مقداره شهريا هو (6.695) ريالاً والدفعة الأخيرة مقدارها (400.000) ريال. فهذا تمويل مقدار الفائدة فيه هو 7.5%. أي ما يسمونه بهامش ربح مقداره (6%). (طريقة حساب هامش الربح هنا هو كما شرحنا من قبل في الأسبوعين الماضيين: تقسم مجموع الفوائد خلال الثلاثين عام وهي (1.810.303) على ثلاثين سنة فيكون هامش الربح سنويا هو 60.343 ريال ثم تقسم على رأس المال الممول (1000.000) فيصبح هامش الربح -كما يسمونه عندنا- 6%. سنوياً. أي أن مقدار ما سيدفعه المتمول خلال الثلاثين عاماً هو (2.810.303) ريالات. النموذج الثاني بدون دفعة أخيرة: أي أنه تمويل عادي كأي تمويل يدفع فيه من رأس المال والفائدة كالأمثلة في الأسبوعين الماضيين أو مثل بعض عقود الإجارة المنتهية بالتمليك الذي عندنا. وهنا تكون الدفعة المستقبلية تساوي صفراً إذن فالدفعة الشهرية ستكون (6.992) ريالاً وهامش الربح هو 5.06% لأن مجموع الفوائد هو (1517172) ريالاً خلال الثلاثين عاماً. أي أن مقدار ما سيدفعه المتمول خلال الثلاثين عاما هو (2.517.172) ريالاً. النموذج الثالث بدفعة أخيرة تكون هي كل رأس المال المتمول: وهذا النوع من التمويل وإن كان ممن المكن تسميته بإجارة منتهية بالتمليك فهو في واقعه تمويل يُسمى (تمويل بدفع الفائدة فقط) أي أنه كالسندات أو ما يسمى عندنا «بالصكوك». وهنا تكون الدفعة المستقبلية تساوي (1000.000) إذن فالدفعة الشهرية ستكون (6.250) ريال وهامش الربح هنا يساوي الفائدة الحقيقية لأن رأس المال المتمول لا يتناقص مطلقاً أي أن هامش الربح هنا هو 7.5% لأن مجموع الفوائد هو (2.250.000) ريال خلال الثلاثين عاماً. أي أن مقدار ما سيدفعه المتمول خلال الثلاثين عاما هو (3.250.000) ريال. النموذج الرابع بدفعة شهرية أقل من الفائدة المستحقة: وهذا النوع مثل النموذج الثالث (لا يدفع حتى قيمة الفائدة بل أقل) لأنه هو تمويل يوضع فيه حدود على الدفعة الشهرية بحيث تكون أقل من الفائدة ويُحمل الفرق عند استحقاقه مع فوائده على الدفعة الأخيرة. فلو افترضنا أننا جعلنا الدفعة الشهرية (5000) ريال فقط أي أقل من الفائدة المستحقة شهريا وهي (6.250) ريالاً أي أن هناك 1250 ريالاً تحمل شهرياً على الدفعة الأخيرة وتبدأ حساب الفوائد استحقاقها. وطريقة حسابها بالآلة أو بالبرنامج هو أن نضع الدفعة الشهرية = 5000 والقيمة الحالية لرأس المال المتمول= 1000000 وعدد الدفعات 360 والفائدة 7.5% ثم نحسب الدفعة المستقبلية أي الأخيرة والتي سنجد أنها أصبحت تساوي (2.684.306) ريالات فيكون هامش الربح هنا يساوي 11.61 % أي أكثر من الفائدة الحقيقية لأن رأس المال المتمول يتزايد كل شهر بدلاً من أن يتناقص كالنموذج الثاني. فمجموع الفوائد في هذا النموذج هو (3.484.306) ريالات خلال الثلاثين عاماً. أي أن مقدار ما سيدفعه المتمول خلال الثلاثين عاما هو (4.484.306) ريالات. (وعلى كل حال، فمثل هذا التمويل لا يوجد عادة لمدة ثلاثين سنة بل خمس سنوات فقط في الغالب ثم يعاد تمويله كل خمس سنوات. ويعتمد ذلك على كون قيمة العقار المرهون تغطي على الأقل 80% من الدفعة الأخيرة). أي النماذج أفضل بالنسبة للمتمول؟: سأوجل المقارنة إلى الأسبوع القادم إنشاء الله بعد أن نكمل النماذج التمويلية الثمانية ونعرضها ونتائجها في جداول رقمية، ولكن بشكل عام فكلما كان من المتوقع أن ترتفع نسبة التضخم في المستقبل كلما كانت النماذج التمويلية التي تؤخر السداد هي الأفضل والأحسن، ولكل حسابه بالتفصيل وندعه في وقته إنشاء الله. طول مدة السداد أفضل من قصرها طالما أن سعر الفائدة لم يزد كثيراً: فالناس اليوم لا يستطيعون معرفة كلفة التمويل الحقيقية بسبب استخدام هامش الربح بدلا من الفائدة. حتى ولو عرفوا لا يبالون به كمبالاتهم واهتمامهم بمقدار الفائدة. فمثلاً تمويل منزلي لمدة ثلاثين عاماً بهامش ربح مقداره (4.65%) هو نفس تكلفة تمويل منزلي لمدة عشر سنوات بهامش ربح مقداره (3.93%)، فكلاهما فائدته 7%. ولكن كيف ينظر السعودي وغيره إلى هذين العرضين في الجدول المرفق. [email protected]