أما أن أمتنا العربية تهوى الشعر وتعشقه فأمر معروف في تاريخها عبر القرون. وأما أنه أدى أدواراً مهمة في هذا التاريخ فشيء يدركه كل من درسه وتتبعه. وأحسب أنه قد تملَّك أفئدة كثير من أبناء هذا الوطن وبناته، بادية وحاضرة. البعض وهب مقدرة على قوله، والبعض الآخر وهب قدرة على تذوقه ونقده. وكانت مسقط رأس كاتب هذه السطور، عنيزة، من البلدان التي ازدهر فيها الشعر، ونبغ فيها عدد من الشعراء الكبار، كما كانت مقصداً لعدد آخر ممن لم يولدوا فيها، منهم من استقر فيها فترة، ثم رحل عنها، ومنهم من قدم إليها واستوطنها حتى وفاته، ومنهم من كان يزورها بين آن وآخر للتسامر مع شعرائها ومتذوقي الشعر في ربوعها. وكان ممن سعدت بمعرفتهم من أهلها، نقاداً وشعراء: عبدالله المنصور المرزوقي، وعبدالله بن إبراهيم السناني رحمهما الله وسعد بن عبدالعزيز السليم، وإبراهيم بن محمد الواصل، أمد الله في عمريهما، ومن حسن حظي أن أبا محمد الواصل في الرياض، فاتحاً مجلسه العامر، وفالا حجاجه الأريحي، وواهباً فكره وذاكرته. وكم هو جميل أن يجد المرء فرصاً يرتاح فيها من وطأة العمل وأعبائه، ويتمتع بما يهواه ويعشقه من حديث من يوده ويقدره. حينما تتاح لي الفرصة أذهب إلى مجلس أبي محمد الذي هو «مجلس ما فيه نفس ثقيلة» على حد قول راكان- ، فأتمتع مع من يتمتعون بما يقصه من قصص، وما يرويه من شعر. وما في قصصه التي يقصها إلا الجميل، ولا في شعره الذي يرويه إلا الرائع. وكان مما جنيته من ورد حديقته في زيارتي الأخيرة له ما يأتي: كانت هناك امرأتان إحداهما تحب زوجها والأخرى تكرهه. فقتل الزوج المحبوب في الغزوة التي قام بها الفريق، وسلم الزوج المكروه. فقالت زوجة هذا الأخير: ليت شوقي مثل شوق سميَّحة مذبوحِ وادخل الحكم أربعة واتم عشر السنه واتجضر عند جضات العرب وأنوحِ أجتلد من بينهم والا فراقه جنة ولَّ يا عصر الندم ما عاد بك مصلوحِ شربة الما من قصير البيت فيها منَّة يجحدون الما ولو حنَّا بغرقه نوحِ البطاحي تزعج الما والسما له حنَّة وإذا كان للحب عجائبه فإن للكره مصائبه. والأبيات السابقة تذكر بشيء مما أبدعه من ألهم روعة الشعر، عبدالله بن سبيل، رحمه الله، إذ قال: للحب في وجه المقابل مواري ضحك الحجاج ورفعته وانطلاقه والا من المبغض تشوف النكاري ياله فراقك وانت تاله فراقه ما أروع أبا محمد الواصل، كريماً ممتعاً برواياته وأقاصيصه، وما أسعد من يسعفهم الحظ بالجلوس عنده والاستماع إليه.