لا يكاد يذكر اسم «ضراس» إلاّ وتُذكر أشهر قصص العشق القديم الذي جسده هذا الجبل بأروع معاني الذكريات الجميلة بين العاشق ومعشوقته, حتى ليخال لك أن كل ما يحيط بالجبل من رمال قد تمخض بأروع المواقف النبيلة, فما أن تقف على مشارفه حتى تستحضر أجمل صور الوفاء والحنين إلى المعشوق والعشق الذي رُسم بمرارة الآهات وصيحات الهائم النادم بأعذب الكلمات العذرية. جبل ضراس الذي اشتهرت به قصة عشق «ابنة العم» يقع وسط نفود حائل، ويبعد عنها 85 كيلو متراً, وتحيط به الرمال الكثيبة من كل الاتجاهات. آخر كلام.. «أجمل ما في الحب معاناته» أحداث القصة وتعود أحداث قصة هذا الجبل في قصة عشق بين شاعر آلمه فراق معشوقته وعذّبه الندم، حيث أخذ يردد قصيدته التي طالما تغنت بها الأجيال جيلاً بعد جيل، وبين ابنة عمه التي حارت بين الحنين إلى الذكريات الجميلة التي عاشتها معه وبين موقفه الذي كان سبباً في الفراق بينه وبينها. الشاعر الذي نظم القصيدة عُرف بطيبه وكرمه وشجاعته ونسبه, وعاش قصة غريبة ونادرة الذكر, ووقعت أحداث القصة في جبة, حيث أحب الشاعر ابنة عمه؛ نظير وفائها وحبها له, فما كان منه إلاّ أن تقدم إلى خطبتها من عمه لتكون زوجة له, وكانت القبائل آن ذاك تحترم وتقدر الزوجة الوفية الخدوم والمطيعة لزوجها, وعاش الشاعر فترة من الزمن أجمل أيام عمره قضاها مع الزوجة الوفية التي طالما احترمت مبادئ القبيلة وعادات الأهل, وخدمت زوجها لتضل الوحيدة في قلبه. وفي ذات يوم كان النساء «يروون» الماء من البئر وكانت ابنة العم تذهب هي وخمسة من بنات قبيلتها لجلب الماء؛ ليفاجأن بقاطع طريق أراد التحرش بهن، وإلاّ سيقطع قربة من ترفض، إلاّ أن «بنت الرجال» رفضت وشق قربتها، وخوفاً من الفضيحة شاع خبر كاذب أنه تحرش بها، وانتشرت الكذبة ضد المرأة العفيفة الطاهرة، حتى وصل الأمر إلى زوجها الذي بادر بضرب ابنة عمه وتطليقها دون أن يتحقق من الأمر, وبعد مضي ثلاثة أشهر من الطلاق جاء قاطع الطريق وبيّن حقيقة الأمر، وعندما علم زوجها بذلك، وحقيقة الظلم الذي وقع على زوجته الوفية ندم ندماً شديداً على ما فعله بزوجته، فذهب إلى عمه لاسترجاع زوجته ليتدارك عشرة الأيام المتبقية من العدة، لكن عمه رفض في البداية، ورفضت معه ابنته التي آلمها جرح الفراق رغم ما فعله بها ابن عمها، وكانت قد عتبت عليه عتباً شديداً لعدم تثبته من الحقيقة، وهذا ما جعلها ترفض العودة إليه, فما كان من زوجها إلاّ أن وقف راجياً عمه باسترجاع زوجته حتى إنه قال له نسأل أحد أهل العلم بأحقية رجوع زوجتي لي, وكان في القبيلة رجلان «دايس ودرباس» على علم بسيط بأمور الشرع، فأفتيا أنه لا يحق له مراجعة زوجته, وحُرم الشاعر منها، ثم نظم قصيدته المشهورة، ومنها: ياراكب ثنتين يشدن الأقواس من دار رمان الحمر حركني ما فوقهن كود الدويرع وجلاس وسفايف بين أربع يلعبني تحركن من عندنا حين الأمراس ومضى سواد الليل ما بركني حكن علم عذفا يسارن من الراس والظهر مع ورد الحفر يشربني وحطوا لهم مع هقلة الحضر بلاس عن الحظر واللي بالخلا يسرحني وليا لفيتوا عند مدقوق الالعاس الجادل اللي بالمحبة محني قولوا على حبل الرجا نطوي الياس والبيض غيره كلهن يحرمني ولو يندوي جرحي دويته بزوفواس ولا بني رفاف البيت منكم ومني ذكريات الطفولة وكان الشاعر دائماً يتذكر ما دار بينه وبين ابنة عمه في سن الصغر عندما كانا يقفان عند جبل ضراس, ويحن بشوق إلى تلك الأيام حتى تمنى أنها لو تعود بذكرياتها البريئة, وفي حينها كان يلقي اللوم على عمه لرفضه أن تعود له زوجته: والله يعلم بالخفايا والآجاس حيث مضى من صغر سنك وسني وياعم اللي طعت بي هرج الانجاس طاوعت هرج الناس وأخلفت ظني طعت بي ياعم «دايس ودرباس» وعوارض صدقتها وأبعدني ومن لا أخذ من درس الأسلاف نبراس تمضي حياته بالرجا والتمني وأقفيت أدير بضامري كل هوجاس على وليف بالحشا غاب عني تبكي خواطرهم لياجيت عساس ولا تقل أنا منهم ولا هممب مني ومريت دار ما تقل جنة الأوناس وونيت ودموع العيون ذرفني جيت المراح اللي بالعشب محتاس العشب في مضرب وساده معني محذا شبة الناس ومشاقة الراس وثلاث لا يبكن ولا ينبكني معاناة مستمرة وهاهو يقف على الأطلال ليتذكر زوجته الوفية التي طالما أخلصت له وصانت حق الزوجية, وقف وهو يشكي حاله على مشارف جبل ضراس، وهو يقول: لي بنت عم ما و طت درب الأدناس و لا دنست يوم النساء يدنسني ضربتها و أنا احسب الضرب نوماس طلقتها يوم أفخت العقل مني يا ناس كيف العين تبكي على ناس وكيف العيون بلا رمد يسهرني لو ينشكي حبي على ذيب الأخماس يسرح مع الطليان ما يجفلني ولو ينشكي حبي على طير قرناس أضحى الضحى بمويكره مستكني ولو ينشكي حبي على قب الأفراس عين نهار الكون لا يفزعني ولو ينشكي حبي على الميت ما ناس يثور من بين النصايب يوني ولو البيوت مشددينه بالأمراس عين مع الخفرات لا ينبنني وحتى النجوم اللي مع الليل غلاس لو ينشكي حبه لهن وقفني ولو أن غوطة دم سلمان و ضراس يدرن بما بقلبي لقلبه يكني تلقى سهل جبه هضاب ومنحاس وحتى الجبل بالقاع صار متثني ألم الفراق وكان الشاعر دائم الوقوف على مشارف ذاك الجبل يتذكر ذكرياته الجميلة بينه وبين زوجته التي آلمه فراقها حتى قال: أشرفت راس ضراس من فوق الاطعاس ولا لوم طرد الهوى لو يجني هليت دمع العين وأوميت بالراس ورافقت كور العيس ياما ابعدني ورفعت نفسي عن شبا كل وسواس البعد أحلى من حياة التمني أنا زبون الحرد للخيل مدباس يا كلشن شهب الشوارب نخني نفسي تشوم عن التدلبح مع الساس ولا عاش منهو عن رفيقه يكني من شيدوا زينه عن على غيد و اغراس ليا نسيت رسومهم ذكرني رجاء وأمل ولم يكن الزوج يمل من الوقوف على جبل ضراس الذي طالما يذكره بزوجته, وفي إحدى وقفاته ألقى هذه الأبيات مستجدياً عطف عمه في إقناع ابنته أن تعود له، وقال: يا عم أنا لي طلبة الراس بالراس ياعم شوف رسومهم ما انمحني ولو صرت ان الأقلاع ماشلت الأضراس والموس ما يقطع بليا مسني ياصار ما ربعن على الراي جلاس وجنحان طير السعد يلفحني نصير دوم للصقاقير مدواس مثل اللي يسمع صفير المغني والله يلولا بكره يبو وناس حبه سكن باقصى الضماير محني والله لو هي ما تبيني فلا باس لا شك خبثان النفوس طردني و أنا احمد اللي خالق كل الأنفاس وجعل وساع القاع ما فيه مني دار بدار ولا مناخات الأنجاس يا صار ما يمناك عينك تزني في بلدة الغراف من جملة الناس ولانيب من يرجي الخلايق تحني دار به الأكرام والطيب به ساس دايم تذكرني ليال مضني وبعدما سمعت الزوجة وأبوها القصيدة آلمهم معاناته, وحنّت الزوجة لزوجها, وصفحت عن زلته, فعادت له وعاش معها ماتبقى لهم من عمر.. جميل هذا الحب، وهذه المعاناة..وهذا القلب الذي اعتذر وندم.. ثم عاد إليه عشقه، وروحه، وأنفاسه، ونبضاته؛ ليبقى وفياً معها إلى الموت..صحيح «أجمل ما في الحب معاناته»..