سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
هكذا نحاصر الفساد في الأرض الشيخ الحمدان رئيس مركز هيئة الخالدية في حوار ل الرسالة عن النصيحة وأهميتها
النصيحة مهمة جميع الأنبياء والرسل
اختيار الوقت والمكان المناسبين ادعى لاستماع المنصوح
)النصيحة( ركن عظيم من أركان هذا الدين، إذ بدونها يختلط الحق بالباطل ويرى أن المحق مبطل والمبطل محق، ولذلك كانت من حق المسلم على أخيه المسلم: )وإذا استنصحك فانصح له(، وإن الناظر اليوم في احوال بعض الناس يرى العجب العجاب في شأن التناصح والنصيحة، فمنهم من التزم بقواعد النصيحة وشروطها وآدابها وهناك من يجعل نفسه ميزانا للناس فيشنع على من خالف قوله أو فعله فردا كان أو جماعة، كل ذلك بحجة )النصيحة( بل إنه قد يكون إعجابه بنفسه وبأعماله هو الشيء الذي يجعله يقوم بهذا الفعل. وحول موضوع النصيحة وأهميتها وشروطها وآدابها الذي نحن بحاجة له في هذا الزمن الذي كثرت به المنكرات، كان لنا مع فضيلة الشيخ عبدالعزيز بن محمد الحمدان رئيس مركز هيئة الخالدية هذا الحوار وهذاالحديث الذي يتحدث فيفضلها وآدابها وشروطها، فإلى نص الحوار: * فضيلة الشيخ: بداية لو حدثتمونا عن النصيحة وأهمية توصيلها للناس؟ إن الواجب على الداعية والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر النصح للمسلمين والدعوة إلى الإ سلام والالتزام بأحكامه، وأحكام النصيحة ومفهومها الدعوي خطابا توجيهيا تربويا للمدعو في كل حالاته. فالداعية يعتمد على الخطاب كأسلوب من أساليب الدعوة ليوصل فكرته ودعوته إلى الآخرين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ركيزة أساسية من ركائز الإسلام ولابد ان يقوم بأدائها كل مسلم ومسلمة حسب الاستطاعة، وأداء هذا الواجب يتطلب مهارة التوصيل مع ما يلزمها من تحقق لشروطها وآدابها حتى تحقق الهدف منها في استفادة الناس من ذلك الخطاب، ولذا يلزم الداعية والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يتعرف على ذلك الفقه الدعوي وليعلم أن النصيحة ليست نقدا لا يؤتي ثماره ولكن النصيحة قدوة وأداء وسلوك حسن وروحانية راقية شفافة، فإذا به في محراب العبودية عبد صالح مصلح، والنصيحة ليست كلمات نقولها تفضلا من عند أنفسنا أولا نقولها، نسمع لها أو لا نسمع، إنما النصيحة أدب إسلامي له أهميته الكبرى على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع، والنصيحة هي وظيفة الأنبياء والرسل عليهم السلام. يقول الله تعالى عن نوح عليه السلام مع قومه )وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون( والنصيحة أيضا نوع من الجهاد قال الله تعالى: )ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله( والنصيحة أدب إسلامي جامع لخصال الإسلام، كا أن النصيحة وسيلة من وسائل محاصرة الفساد في الأرض. زاد الناصح * وماذا عن الزاد والضوابط التي لابد أن ينهل منها من يريد النصيحة؟ أما عن الزاد الذي لابد ان ينهل منه صاحب النصيحة فمنه ما يلي: 1 القدوة الحسنة بحيث أن يبدأ بصلاح نفسه بعد التنقيب عن عيوبه وتصحيحها وهي زاد لا غنى للناصح عنه، فتلك القدوة في حد ذاتها نصح ودعوة للخير. 2 النصح في السر وهذا زاد عظيم فهو أدعى لقبول نصيحته. 3 الرفق في النصيحة ويكون بذلك مقتديا برسول هذه الأمة صلى الله عليه وسلم فالرفق ما كان في شيء إلا زانه ولا نزع من شيء إلا شانه. 4 اختيار الوقت والمكان المناسبين حتى تكون أدعى لاستماع المنصوح. 5 الوقوف على حال المنصوح له، بحيث يكون قد ارتكب المنصوح محذورا شرعيا يستدعي قيام الناصح بالنصح وهذا لا يكون إلا بشروط منها: 1 أن يكون المنصوح له قد ارتكب منكرا حذر منه الشارع الحكيم. 2 أن يكون المنكر المرتكب من قبل المنصوح حالا. 3 أن يكون المنكر المرتكب ظاهرا من غير تجسس. 4 أن يكون المنكر المرتكب من قبل المنصوح معلوما من غير اجتهاد. * هل لكم أن تبينوا لنا وللقارىء الكريم الآداب التي ينبغي أن يتحلى بها الناصح؟ أما عن آداب النصيحة فأولها الإخلاص لله عز وجل لأن النصيحة من جملة العبادات التي تعبّدَنا الله بها لا يقبلها الله إلا إذا كانت خالصة لوجهه قال تعالى: )وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين(، وقال تعالى: )فاعبد الله مخلصا له الدين( بل لابد أن تكون هذه النصيحة متوافقة في أدائها مع طريقة نبينا عليه الصلاة والسلام، كذلك أن يكون القصد إظهار الحق، وهذا هو الذي ينبغي أن يكون عليه الناصح قصده إظهار الحق سواء على لسانه أو على لسان غيره، ولهذا كان الشافعي رحمه الله يوصي أصحابه باتباع الحق وقبول السنة إذا ظهرت لهم على خلاف قوله، وأن يضرب بقوله حينئذ عرض الحائط.. ومن الآداب كذلك الدعاء للمنصوح ، وهذا أدب جم فعلى الناصح أن يكثر الدعاء للمنصوح أن يوفقه الله ويشرح صدره لاستماع النصيحة ومن ثم العمل بها وبهذا كان يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: )اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون( مع شدة ما يلقاه عليه الصلاة والسلام منهم من الاستهزاء والسخرية ومحاربة الدعوة وذلك أن يتحين الفرصة المناسبة للنصح زمانا ومكانا، فلا ينصحه في حال غضبه وانفعاله ولا ينصحه أمام الناس وقد ورد في الحديث الصحيح أن رجلا احمر وجهه وانتفخت أوداجه من الغضب فقال عليه الصلاة والسلام: )إني لأعلم كلمة لو قالها هذالذهب عنه ما يجد، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم( فقال رجل لهذا الغضبان تلك الكلمة فقال الرجل: هل أنا مجنون؟ فرفض النصيحة ورفض أن يقول )أعوذ بالله من الشيطان الرجيم( ولذلك تجنب النبي صلى الله عليه وسلم نصحه مباشرة رحمة وشفقة.. ومن الآداب أيضا الستر على المنصوح فيجب على الناصح أن يستر ما رأى من المنصوح ولا يفشي عيبه وخاصة اذا كان مقصورا عليه ولا يؤثر في عامة المسلمين. * وماذا عن الآداب التي ينبغي أن يتحلى بها المنصوح؟ الآداب التي ينبغي للمنصوح أن يتحلى بها أجملها في شيئين: 1 قبول النصح فينبغي على المنصوح أن يكون موطنا نفسه لقبول الحق، فهذا أبوبكر رضي الله عنه نقل عنه أنه قال لما ولي الخلافة: أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإذا خالفت فقوموني، وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما نهى عن المغالاة في المهور قالت له امرأة: أما سمعت الله يقول: )وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا( فقال عمر: اللهم عفوا، كل الناس أفقه من عمر ثم رجع فركب المنبر فقال: أيها الناس إني كنت نهيت أن تزيدوا النساء في صداقهن على أربعمائة درهم فمن شاء أن يعطي من ماله ما أحب(. 2 الدعاء للناصح بالتوفيق والسداد على ما بذله من النصح له لأن في هذا تشجيعا للناصح وإعانته على بذل النصيحة. من حق المسلم على أخيه * هل هناك طريقة معينة للنصيحة يراها فضيلتكم.. وما هي؟ طريقة النصح والنصيحة وأسلوبها قد رسمه لنا الكتاب والسنة، فمن الكتاب ما قصه الله علينا عن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ومنهم نوح عليه السلام مع قومه قال تعالى: )وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون(، وقال على لسان هود عليه السلام )وأنا لكم ناصح أمين(، وقال على لسان صالح عليه السلام )ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين(، وقال على لسان شعيب عليه السلام )ونصحت لكم فكيف آسى على قوم كافرين( يقول الحافظ ابن كثير في تفسيره )فهذا شأن الرسول، أن يكون مبلغا فصيحا ناصحا(، ويقول: سيد قطب رحمه الله في ظلال القرآن: )وقال كل رسول لقومه: إني لكم ناصح أمين(، أما من السنة فمنها ما رواه مسلم في صحيحه عن تميم الداري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: )الدين النصيحة ثلاثا. قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم(. يقول ابن رجب الحنبلي: فهذا رأي قوله: أي قول )الدين النصيحة( يدل على ان النصيحة تشمل خصال الإسلام والإيمان والإحسان التي ذكرت في حديث جبريل عليه السلام وسمي ذلك كله دينا فإن النصح لله يقتضي القيام بأداء واجباته على أكمل وجوهها وهو مقام الإحسان.. ويقول الإمام النووي عن هذا الحديث: )هذا حديث عظيم الشأن وعليه مدار الإسلام(، ويقول الإمام الطوسي: )إنه أحد أرباع الدين(، وعن زياد بن علاقة أنه سمع جرير بن عبدالله يقول: )بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على النصح لكل مسلم(، وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله وسلم قال: )من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم، ومن لم يمس ويصبح ناصحا لله ولرسوله ولكتابه ولإمامه ولعامة المسلمين فليس منهم(، وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه جعل النبي صلى الله عليه وسلم النصح حقا من حقوق المسلم على أخيه، فقال صلى الله عليه وسلم: )حق المؤمن على المؤمن ست وذكر منها واذا استنصحك فانصح له( فإذا علم الناصح كيف ينصح مستندا على الكتاب والسنة وأقوال السلف الصالح كان أدعى أن يستجاب لنصيحته ويقبل منه قوله ويدعى له في السر ويحب في الدنيا. خطوط فاصلة بين الغيبة والنصيحة * يختلط على بعض الناس مسألة الفرق بين النصيحة والغيبة في التحذير من أحد الأشخاص.. فما هي الخطوط الفاصلة في ذلك؟ هذه المسألة مهمة جدا فالخلط الذي وقع فيه بعض الناس بين النصيحة والغيبة حدث بسبب قصور في فهم هؤلاء الخالطين لفقه النصيحة، ومن ثم نجد الواحد منهم إذا نصحته أن يحذر من فلان هذا، أو أن يتجنب مصاحبته لفساده، ترك ذلك النصح والذي هو بداعي حبك له ويمسك بفروع واهية لا تنم عن فهم لفقه النصيحة، فإذا كانت النصيحة خالصة لله تبارك تعالى فهي قربة لله ولا غيبة فيها، وانظر الى ذلك الكلام القيم للعلامة ابن القيم رحمه الله في التفريق بين النصيحة والغيبة حيث يقول: )والفرق بين النصيحة والغيبة أن النصيحة يكون القصد فيها تحذير المسلم من مبتدع أو فتان أو غاش، أو مفسد، فتذكر ما فيه إذا استشارك في صحبته ، ومعاملته والتعلق به أحد، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس وقد استشارته في نكاح معاوية وأبي الجهم، فقال: )أما معاوية فصعلوك لا مال له، وأما أبو الجهم فلا يضع عصاه عن عاتقه(.. هذه هي الخطوط الفاصلة التي يجب أن توضع بين النصيحة والغيبة ليعلم كل مسلم حدود كل منهما، فلا يتهم الناصح بالغيبة، ولا يسكت عن النصيحة بهذه الحجة الواهية. فضيلة الشيخ.. هل هناك وسائل للنصيحة متاحة للجميع ولا عذر لأحد في استعمالها؟ وسائل النصيحة كثيرة ومتعددة ولكن المهم هو أن يتخير الناصح الوسيلة المناسبة له وللمنصوح له، ولكن تحديد الوسيلة المناسبة للناصح والمنصوح له أهمية كبرى لتؤتي النصيحة ثمارها المرجوة فهناك النصيحة من خلال الكلمة المكتوبة، عبر الكتاب أو المقال أو القصة أو القصيدة الشعرية. كل تلك الوسائل يمكن من خلالها تبليغ النصيحة، ولكن تحديد الوسيلة الناجحة يتوقف على حال كل من الناصح والمنصوح له، فقد يكون كلا الطرفين يتصف بصفة الحياء الشديد فعند ذلك لا يمكن أن تكون الكلمة المسموعة المباشرة هي الوسيلة الناجحة ولكن لابد من اختيار وسائل بديلة عبر الكلمة المكتوبة مثلا . تتبع العورات بدعوى النصيحة * وفي الختام نود من فضيلتكم توجيه نصيحة لأولئك الذين سلكوا طريق الصمت ولم يشدوا هممهم في نصح الناس وتوجيههم؟ هذا الأمر واقع وللأسف الشديد فالكثير ممن تظهر عليه سمات الخير قد تخلى عن ذلك وسلك ميدان الصمت حين يرى من يرتكب المعاصي علما بأن من الواجب على المسلم أن يسدي النصيحة لأخيه، والبعض ممن يظهر عليه علامات الصلاح يقوم بتتبع عورات أخيه المسلم لأجل أن يقوم بالنصيحة وهذا أمر لا يجوز بنص الكتاب والسنة فمن الكتاب قوله تعالى: )يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا..( ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم: )من تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته وفضحه ولو في قعر بيته(.. فليس من خلق المسلم تصيد الأخطاء لأن من تصيد أخطاء الناس أحب أن يقعوا في الخطأ ويفرح لذلك، بل يصل به الأمر أن يحمل أقوالهم وأفعالهم على محمل الخطأ دائما.. وأنبه إلى أن الحال الصحيحة أن المسلم إن رأى خطأ وقع فيه الناس أو أحدهم دون بحث فيه وتنقيب، فليبادر إلى النصيحة ابتغاء الإصلاح والأجر أما ما عدا ذلك فليستر الناس بما ستر الله عليهم ، وليحفظ حرماتهم.. يقول ابن القيم رحمه الله: )ومن له علم بالشرع والواقع يعلم قطعا أن الرجل الجليل الذي له في الإسلام قدم صالح وآثاره حسنة وهو من الإسلام وأهله بمكان قد تكون منه الهفوة والزلة هو فيها معذور بل مأجور لاجتهاده فلا يجوز أن يتبع فيها، ولا يجوز أن تهدر مكانته وإمامته، ومنزلته من قلوب المسلمين( إ. ه.