قال إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ عبدالمحسن القاسم إن الله سبحانه وتعالى بصّّر عباده بالحق ويسّر لهم سلوكه وأمر من يعينهم عليه من صحبة صالحة وناصحة ، والصدود عنهما من أسباب البعد عن الله ، قال ابن القيم رحمه الله (ومن تأمل فساد العالم عموماً وخصوصاً وجده ناشئاً من الغفلة واتباع الهوى). وأوضح فضيلته في الخطبة التي ألقاها أمس أن المسلم إن رأى في أخيه قصوراً أو خللاً وجب عليه إصلاحه يفعل ذلك عقيدة في قلبه ويظهر ذلك على جوارحه إذ النصيحة أصل الدين ، قال عليه الصلاة والسلام (الدين النصيحة) ، قال النووي رحمه الله (مداد الدين على حديث الدين النصيحة). وأشار إلى أن النصيحة من معتقد أهل السنة والجماعة ، قال شيخ الإسلام رحمه الله (ويدينون أي أهل السنة والجماعة بالنصيحة للأمة) . وهي دأب الأنبياء والمرسلين ، قال نوح عليه السلام لقومه (أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم ) وقال هود عليه السلام (أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين) وقال صالح عليه السلام (يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم) وقال شعيب عليه السلام (يا قوم لقد أ بلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم). وبعث الله موسى لتذكير الناس قال عز وجل (وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ولكن رحمة من ربك لتنذر قوماً ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يتذكرون). ومن أخص صفات نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أنه مذكر قال الله تعالى (فذكر إنما أنت مذكر) ، قال علي رضي الله عنه (كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطبنا فيذكرنا بأيام الله). وهي من عبادات الصالحين ، قال سبحانه (وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم). وبين فضيلته أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترط على من أسلم من الصحابة فعل هذه العبادة ، قال جرير رضي الله عنه (بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على الإسلام فاشترط علي النصح لكل مسلم) ، وهي من حقوق المسلم على أخيه المسلم ، قال عليه الصلاة والسلام (حق المسلم على المسلم ست إذا لقيته فسلم عليه وإذا دعاك فأجبه وإذا استنصحك فانصح له وإذا عطس فحمد الله فشمته وإذا مرض فعده وإذا مات فاتبعه). قال بن رجب رحمه الله (قد ترفع الأعمال كلها عن العبد في بعض الحالات ولا يرفع عنه النصح لله). وقال فضيلة الشيخ القاسم إن من خصال الإيمان الواجبة حب الخير للمسلمين والخوف عليهم من السيئات والعقوبات قال عليه الصلاة والسلام (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) قال الذهبي رحمه الله (من لم ينصح لله وللأمة وللعامة كان ناقص الدين). النصيحة تصلح المجتمع وتجلب له الألفة وتبعد عنه الغيبة وهي من الأعمال الدالة على صفاء السريرة وأنصح الناس لك من خاف الله فيك ، وكان السلف يحبون من يبصرهم بعيوبهم ، ولا غنى لأحد عن التذكير فإن كان المنصوح ذا خير عم خيره. أشار عمر رضي الله عنه على أبي بكر رضي الله عنه بجمع القرآن فجمعه فانتفعت الأمة برأيه وقال رجل في مجلس فيه الإمام البخاري لو جمعتم كتاب مختصراً لسنن النبي صلى الله عليه وسلم قال البخاري فوقع ذلك في قلبي فأخذت في جمع الصحيح فكان غرة في جبين الزمان ، وجمع الإمام مسلم رحمه الله صحيحه بطلب من غيره فسار نفعه في الآفاق. وأفاد فضيلته أن الغافل أيضاً يحتاج إلى نصح الناصح ، ودعي عمر بن الخطاب رضي الله عنه للإسلام فكان فاروق هذه الأمة ، وأبو بكر رضي الله عنه دعا عثمان بن عفان وعبدالرحمن بن عوف وطلحة وأبا عبيدة والزبير إلى الدين فكانوا من العشرة المبشرين بالجنة . والنصيحة واجبة على كل عبد فينصح لنفسه بطاعته لربه والبعد عن معاصيه ولكتاب ربه بتعلمه وتعليمه وفهمه والعمل به ولرسوله بامتثال أوامره وعدم الابتداع في الشريعة ولأئمة المسلمين بإعانتهم على الحق وتذكيرهم به. والدعاء لهم والنصح لعامة المسلمين بجلب الخير لهم ودرء الشر عنهم ، قال النبي صلى الله عليه وسلم (الدين النصيحة قلنا لمن يا رسول الله قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم). وأضاف فضيلته أن الله أمر بنصح كل أحد وإن علا وطغى ، قال الله لموسى وهارون (إذ هبا إلى فرعون إنه طغى) ، وأمر الله رسوله عليه الصلاة والسلام أن يعظ المنافقين فقال (فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولاً بليغا) ونصح النبي صلى الله عليه وسلم الصغار فقال لابن عباس وهو صغير (يا غلام احفظ الله يحفظك) وقال للجارية الصغيرة (أين الله قالت في السماء) ومن نصح وجب عليه أن يبذل غاية النصح للمنصوح وأن يعدل في قوله ولفظه والحياء لا يمنع من النصيحه وتكون بأحسن الألفاظ وأحكمها ، قال جل شأنه (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة) . وتكون بالقول اللين ، قال عز وجل (فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى) . وتكون في حال سر بينك وبين من تنصحه ، قال بن رجب رحمه الله وكان السلف إذا أرادوا نصيحة أحد وعظوه سراً / . وإن رد قول الناصح فلا يحزن فقد أدى عبادة فليرجو قبولها . وليس أحد من الناس لا ترجى هدايته ، قال سبحانه (وما يدريك لعله يزكى أو يذكر فتنفعه الذكرى) .