هذه الحياة لا يخلو فيها الإنسان من الخطأ والنسيان والزلل ، ومن لطف الخالق أنه أودع في بعض خلقه حب النصيحة والتوجيه من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي أمرنا به الله " كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالمَْعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُْنكَرِ " وعن تميم بن أوس الداري رضي الله عنه : حدثنا النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " الدين النصيحة " قالوا لمن يا رسول الله ؟ قال : " لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم " فهي بهذا القول الكريم تكون الركن الأعظم في الدين . وعن حذيفة بن اليمان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من لا يهتم بأمر المسلمين فليس منهم ومن لم يمس ويصبح ناصحاً لله ولرسوله ولكتابه ولإمامه ، ولعامة المسلمين فليس منهم " وعن أبي إمامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : قال الله عز وجل : " أحب ما يعبدني به عبدي النصح لي " فهي ذات منزله رفيعه سامية عند رب العالمين ، ودعامة من دعامات الإسلام ، وتجمع في مضمونها الإخلاص والصدق ولين القول والإسرار ، وهي تنبعث أساساً من قلب الناصح لمن حوله وشفقته عليهم ورغبته في إيصال الخير إليهم ودفع الشر والمكروه عنهم ، قال ابن الأثير رحمة الله النصيحة كلمة يعبر بها عن جملة هي : إرادة الخير للمنصوح له ، ومن كان باذلاً للنصيحة راغباً في إيصال الخير إلى الناس فهو من خلفاء الله في الأرض كما قال الحسن رحمه الله : ما زال لله تعالى نصحاء ، ينصحون لله في عباده ، وينصحون لعباد الله في حق الله ، ويعملون لله تعالى في الأرض بالنصيحة ، أولئك خلفاء الله في الأرض ، وبها نتقن آداب وشروط الحوار " ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِْكْمَةِ وَالمَْوْعِظَةِ الحَْسَنَةِ " ولقد اجتهد الرسل عليهم الصلاة والسلام أشد الاجتهاد في دعوة قومهم ، وحرصوا أشد الحرص على هدايتهم ، ولم يدخروا جهداً في نصيحتهم فهذا نبي الله نوح عليه السلام يقول لقومه " أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ ر َب ِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ " وهود عليه السلام " وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ " وصالح عليه السلام " وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلكِنْ لا تحُِبُّونَ النَّاصِحِينَ " وشعيب عليه السلام " يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ " وقد شهد الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم أنه بلغ رسالة ربه ونصح لقومه ، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يعني لأصحابه وأنتم مسئولون عني ، فما أنتم قائلون ؟ قالوا : نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت 0وقد ورد في قصص الصالحين أن رجلاً جاء يعظ هارون الرشيد فقال له : اتق الله يا أمير المؤمنين ! وعنف وشدد في وعظه . فقال له هارون الرشيد : أنت أفضل أم موسى وهارون عليهما السلام ؟ قال بل موسى وهارون .قال أنا اطغى أم فرعون ؟ قال بل فرعون .قال فإن الله أرسل موسى وهارون إلى فرعون وقال لهما " فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّنًا " فسكت الواعظ ، فهي من أفضل الأعمال عند الله في يوم القيامة ، ففي خبر سفيان بن عُيَيْنَة قال : " سمعت أبا عبد الله يقول : عليكم بالنصح لله في خلقه فلن تلقاه بعمل أفضل منه " والنصيحة من علامات الأخوة الصادقة قال عليه الصلاة والسلام : " وإذا استشار أحدكم أخاه فلينصحه " فياله من حديث شريف يفيض كرمه على كافة المسلمين حتى يرث الأرض رب العالمين ، فما أجمل أن نتناصح فيما بينا " بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ " ليقوى الإيمان في نفوسنا المطمئنة ، وتصحوا من سُباتْ غفلاتها .ومن أصدق من الله قيلاً " وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخَْيْرِ وَيَأْمُر ُونَ بِالمَْعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُْنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُْفْلِحُونَ " .