قائد القوات الخاصة للأمن والحماية يزور جناح وزارة الداخلية في "ليب 2025"    «السعودي - الأمريكي» يبحث الشراكات وتبادل الخبرات في صناعة الطيران    وزير خارجية سورية: حكومة جديدة مطلع مارس    أمير الشرقية يدشن فروع شمعة التوحد بالأحساء والظهران ويفتتح جمعية "نمو"    صندوق الاستثمارات العامة يعلن استثماره في شركة مصدر لمواد البناء    ركن الحرفيين يجذب زوّار معرض جازان للكتاب    جامعة الملك عبدالعزيز تحتفل بتخريج الدفعة ال ( 54 )    الأردن: لا توطين.. لا تهجير.. ولا حلول على حسابنا    كوريا الجنوبية تتجه لإقامة علاقات دبلوماسية مع سورية    "زين السعودية" و"هواوي" توقعان مذكرة تفاهم لتعزيز تجربة "حج 2025" عبر الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات    استشهاد فلسطيني في قصف إسرائيلي على رفح.. واعتقال 70 فلسطينيًا في الخليل    تراجع أسعار الذهب بعد تصريحات جيروم باول    حكومة لبنان: بيان وزاري يُسقط «ثلاثية حزب الله»    منصة "حوار في العمق" تناقش التحولات الإعلامية واستراتيجيات التطوير    «اليونسكو» تستشهد ب«سدايا» نموذجاً عالمياً في دمج البيانات والذكاء الاصطناعي    السعودية تتسلّم رئاسة الشبكة العالمية لسلطات إنفاذ قانون مكافحة الفساد    «أرسين فينغر» يطلع على استراتيجية المنتخبات والإدارة الفنية    ليث نائباً لرئيس الاتحاد العربي لكمال الأجسام    المملكة تواصل جهودها الإنسانية عالميًا عبر «الملك سلمان للإغاثة»    الدول العربية تبلغ واشنطن رفض خطة ترمب لغزة    بعد البشر والحجر.. الاحتلال يستهدف «المكتبات الفلسطينية»    مملكة الأمن والأمان    سلمان بن سلطان: القيادة تولي اهتمامًا بتنمية المحافظات    القيادة تهنئ الرئيس الإيراني بذكرى اليوم الوطني لبلاده    نيابة عن خادم الحرمين.. ولي العهد يرعى الحفل الختامي لمهرجان الملك عبدالعزيز للإبل    «ريمونتادا» مثيرة تقود ريال مدريد لكسر عقدة مانشستر سيتي بفوز تاريخي    شعرت بالاستياء لرحيل نيمار.. جيسوس: إمكانات" صلاح" تناسب الهلال.. ورونالدو فخر للبرتغاليين    "بونهور" مديراً فنياً لاتحاد كرة القاعدة والكرة الناعمة    أمير القصيم يكرم 27 يتيمًا حافظًا للقرآن    مجلس الوزراء برئاسة ولي العهد يؤكد : رفض قاطع لتصريحات إسرائيل المتطرفة بتهجير الفلسطينيين    مناقشة سبل مكافحة الأطفال المتسولين    إزالة «العقارات العشوائية» بمكة ينشط أسواق المستعمل والسكراب    قرد يقطع الكهرباء عن بلد بالكامل    من أعلام جازان.. المهندس يحيى جابر محسن غزواني    انطلاق فعاليات الاحتفاء بيوم التأسيس بتعليم جازان تحت شعار "يوم بدينا"    الصيد.. تجربة متكاملة    المملكة 11 عالميًا والأولى إقليميًا في المؤشر العالمي لسلامة الذكاء الاصطناعي    فنانة مصرية تتعرض لحادث سير مروع في تايلاند    توثيق تطور الصناعة السعودية    الساعاتي..عاشق الكتب والمكتبات    رأس اجتماع لجنة الحج والزيارة بالمنطقة.. أمير المدينة: رفع مستوى الجاهزية لراحة المصلين في المسجد النبوي    أمير منطقة المدينة المنورة يرأس اجتماع لجنة الحج والزيارة بالمنطقة    أمريكية تفقد بصرها بسبب «تيك توك»    «حملة أمل» السعودية تعيد السمع ل 500 طفل سوري    بعض نقاط التمييز بين اضطرابات الشخصية    بصراحة مع وزير التعليم !    صندوق الاستثمارات العامة شريكاً رسمياً لبطولة السعودية الدولية للسيدات للجولف    «المحتوى الشبكي».. من التفاعلية إلى الاستقطاب!    ما بعد الإنسانية    "ابن حثلين": تشريف ولي العهد لحفل توزيع جوائز مهرجان الإبل يؤكد دعمه الدائم لموروثنا الوطني الأصيل    أوغندا تسجل إصابات بإيبولا    الاستحمام البارد يساعد على النوم    القشطة والفطائر على وجبات الإفطار بالمسجد النبوي    القيادة تعزّي رئيس ناميبيا في وفاة مؤسس الجمهورية    زار" خيبر" واستقبل المواطنين.. أمير المدينة: القيادة مهتمة بتنمية المحافظات والارتقاء بمستوى الخدمات    رئيس الوزراء الصومالي يزور حي حراء الثقافي بمكة    الإنسان قوام التنمية    "مفوض الإفتاء بعسير": يستقبل آل جابر المُعين حديثًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صندوق المحطات )5(
لما هو آت د. خيرية إبراهيم السقاف
نشر في الجزيرة يوم 01 - 03 - 2001

اليوم.. استطعت فقط أن ألتقط ذلك المفتاح الذي ضاع.. في متاهات لم تكن تَكشف عن كنهها.. لولا أن توارت الشَّمس.. وسطع نجمٌ في الفضاء.. يُحدِّث بما هو كائن..
يا أنتِ..
لماذا لم تأتِ منذ ذلك الزَّمن الموغل في البُعْد؟...
لكنْ، جميلٌ أنكِ جئتِ..
والأجملَ أنَّكِ هنا.. وفي هذا الزَّمان والمكان..
أتدرين لماذا؟..
لأنَّكِ تحملين هذا المفتاح..، على الرُّغم من أنَّه دقيقٌ لا يكاد يَبين..، وقبلاً حين لحظة مولدي.. همسَت في أذني أمي وهي تقول لي:«لا إله إلا الله»..، فسرى فيَّ شيءٌ من الدَّبيب،
في تلك اللَّحظة تشكَّل مع الرَّسيس ذلك المفتاحُ.. وأخذ هيئته وصفته..
ألا تُحدثينني كيف تسلَّلتِ إلى الوريد، وأنقذْتِ المفتاحَ من بحره..، وهو يغرقُ فيه منذ ذلك العهد؟!.
أدري أنّكِ أقسمتِ بأنكِ لن تزُجِّي بين الوريد والوريد إلاَّ بكِ وحدكِ..، ذلك لأنَّ اختلاج النَّبض ليس في القلب، ولكنَّه في شلاَّل الضَّوءِ داخلَ مسام البحر في العروق، في الشرايين، في الأوردة، وأنها جميعها تصبُّ عند فُوَّهة المفتاح..
أنتِ.. جئتِ إلى حيث الفلاة تنبسطُ..، وحيثُ النَّجمُ يُطِلُّ..، وحيثُ حرف الكلمة يتشتَّتُ كي تعودي.. فيأتي معكِ الالتئامُ..، تضمِّين الفلاة، وتحملين النَّجم فوق كفَّكِ، وتجمعين الحرف إلى الحرف..، فيكون الكلام.. كلاماً في مهابة الرَّسيس في صدره الصامت إلا من رهجةٍ، وخلجةٍ، أنتِ من يُحرِّكُ فيها لحظة المفتاح!..
في هذه اللَّحظة وأنا أتحدثُ لكِ عن محطةِ وصولكِ.. أحدِّثكِ عن كيف كان لقاؤكِ فيها:
كان الليل يدلهمُّ..
والصّمتُ يحوِّم بحكمة الصَّبْر..
وأزيزُ القطارات، وحفيفُ الهواء في قوادم القوافل، وحشرجةُ الدَّبيب في أجنحة الطيور المغادرة، وصليلُ تأوهات الرحيل في حوافِّ المراكب، وهي تلتحم بالماء، إلى الماء، تتجه إلى دروبها، والمودِّعون يقفون على طرق القوافل، وعند منطلق القطارات، وعلى أعتاب المحطات، وبجوار أوكار الطيور.. يلوِّحون بدموعهم..، بأكفِّهم، بأصابعهم..، كنتُ هناك.. تجزأتُ جزءاً جزءاً.. في كلِّ موقعِ رحيلٍ غرستُ جزءاً مني..، لم أشأ أن ألتحمَ..، ولا شئتُ أن يرحل الليلُ.
كنتُ قد تعاقدتُ مع اللَّيلِ منذ اللَّثْغةِ الأولى، وبَصَمْتُ فوقَ محجَريْ عينيَّ عَقْدَ الوعْدِ بألاَّ أغادره، وبصمَ فوقَ مداه بألاَّ يغادرني..، الَّليل هذا محتوى الرحيلِ، بكلِّ ما فيه من دبيب الرحيلِ، وهمساتِ حركتِه في صمتِ الشَّجَن..، وفي بوتقة الحزن..
هذا اللَّيل يفوح بما فيه، من رائحة الوحدة، وإيغال الوحشة، وهجوم الأفكار، وأشباح القادمين في عباءاته الدَّاكنة يَلفُّون الآمال، ويلحنِّون الأحلامَ، ويضمِّدون وخزاتِ الوحشة، ورهبة الخوف. كنتُ قد حدَّثْتُه بأنَّني في انتظاركِ منذ اللَّثْغةِ الأولى..
احتواني هذا اللَّيلُ، وربَّتَ عليَّ، وما لبثَ أن حملني فوق إبهامه، وطاف بي المحطات، وأراني كلَّ المفاتيح، والمنافذ، والساحاتِ، بل الجيادَ الراكضةَ من المدى، للمدى، علَّني أجدكِ، لكنه هنا..، في هذه اللحظة، توقَّفَ اللَّيلُ، وأوقفني فوق إبهامه..، حملني إلى بَسْطةِ كفِّ المدى..، وبجوار المحطَّة التي أقلَّتكِ أنزلني..، همس لي..، بأنَّكِ قادمةٌ..، وإنَّ عليه أن يغادرني..
لم أحزن، أن يغادرني اللَّيلُ، وقد رافقني منذ اللَّثْغة...
ذلك لأنَّكِ حين أقبلتِ..، كانت هناك وثيقةٌ قد حلَّتْ بكلِّ حروفها الجميلة، بين عينيكِ... كانت عهدَكِ الميثاقي ألاَّ نغادرَ اللَّيلَ إلاَّ إليه، لكنَّ اللَّيل لنا، وإنَّا له..، وإنَّ ثمةَ ما يجمعُ اللَّيلَ بنا، ويجمعنا به..
تظلَّلْنا به..، ومنحنا سرمديَّته شيئاً من توحُّدِ المُضي، فكان الرَّسيس يبعثُ خَلْجةَ الإحساسِ بأنَّ ثمَّةَ ما سيأتي قد أتى، فكنتِ أنتِ، وكنتُ أنا...
لم أكن أرغبُ في فتح بوابات المحطات لكي أحدِّثُكِ بما هو أنتِ..
لكنَّكِ بحدَّةٍ تنهضين اللَّحظة، وبحدَّةٍ تحتلِّين المساحاتِ، والمساحاتِ، وبحدَّةٍ تكونين معي في كلِّ الذي مضى، في كلِّ الذي يكون، في كلِّ الذي هو آتٍ..
أنتِ أخذتِني من موقع الانتظار
إلى مداخل الانطلاق، نحو مدن المدى السَّرْمدي الذي لا يتناهى..
فأقبلتُ على اللَّيل أُسْلِمُه مفاتيح العَقْدِ..، كي يُسلِّمني بَصْمةَ الوعدِ.
وأنتِ، من كتب العَقْدَ، وبَصَمَ الوعْدَ، وشهِدَ..
وأنتِ من كانتْ، فجاءتْ، فتكونُ.
ألا فكوني كي أكونَ.. فنكون معاً..،
***
سوف تتوقف الزاوية ابتداءً من يوم غد الجمعة على أن تعود إليكم أيها القراء الأعزاء بعد إجازة عيد الأضحى المبارك.. وكل عام وأنتم بخير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.