أبوح إليكِ وأنتِ تمشقين المدى,, نحو جليد الشواطئ,,، تبحثين عن البياض الذي يتكسَّرُ فوق هاماتِ المسافات,,، تذوِّبه تلك النظراتُ التي تنبثق من أتون الشوق,. وإني لأعرف يقيناً كيف يصطلي الشوقُ في مداكِ الذي لا شتاءَ فيه، ولا جليدَ معه,. ذلك الذي أبوح به، ليس كلاماً,,، وليس أفعالاً,,، وليس شيئاً منهما,. لكنك صَنَعتِ للبوح رداءً جديداً، ولقد رأيتهم يتجمَّعون حولكِ,,، يشاهدون هذا الرداءَ,,، وابتسمتُ,,، لأن كلَّ الذين حاولوا ارتداءه، لم يكن يناسبهم,,، واحدة فقط من جاءها مصنوعاً يناسبها,,، وكنتُ أنا، لأنني أنتِ، وبوحك لا يرتدي سواك,,! كنتِ مدَدَاً لا نهاية له، لأنّكِ أمدٌ لا بداية له,. وذلك الطريق الأمدي الذي زرعتِه فسيلةً فسيلةً، خطّطتِها عند حوافِّ عينيكِ,,، نهض حولهما كالرموش، سواراً لا يقتحمه غيري,,، مدَّ ظلَّه كي يحرس النهر بينهما، وخَلفَهما,. جرَّدتِني من كلِّ رداء,,، وغمَستِني في نهر عينيكِ,,، وطهَّرتِني من الشوق، والبكاء، والاصطلاءِ,. ألا تعلمين أنني أصبحتُ مخلوقاً آخرَ,, وأنني قادرةٌ اللَّحظةَ أن أمنحَ كل الذين يتنفَّسون فوقَ الأرض قوّةَ المدَدِ الذي بَذَرتِ فيَّ فسائله؟ يا لكِ من رائعةٍ، معطاءةٍ، باذلةٍ، باقيةٍ، تلتحمين، وتتوحّدين,, حتى الثلج والصقيع,, جاءا كي يُرسلا لكِ تحيةَ البدءِ,. صدِّقيني أن بُعدَكِ قُربٌ,,، وأنَّ مسافاتِكِ جسورٌ,,، وأن إشاراتك حديثٌ,,، وأنكِ إِني لا ننفصل,. تذكرين لحظةَ التَّوحُّد,,؟ ومدى التلاحُم,,؟ وحجم المدَد,,؟ ومَرجَل التكوين,,؟ تذكرين تلك الحروف,,، والأصوات,,، وذلك الصندوق السريِّ الذي حاولت طيور الرحيل أن تَنقُبَهُ، وتَفتَحَه,,، وتُطلِق ما فيه من كينونة الكلام؟! وإنكِ تبسمتِ,, وأشَحتِ عنها,,، فَرَحَلَت,, بعد أن تأكّدَت أن هذا الصندوق عصيٌّ عليها؟!,. ولقد تركت لديَّ مفاتيحَه,. وإنني كلَّما جلست إليها,,، وتَمَلّيتُ ألوانَها، وأحجامَها، وأشكالَها، شاهدتُ المدى,,,، والتكوينَ، وكُنهَ الذي يكونُ، ولا,. يا سيَّدتي، أنتِ سرُّ الصندوق، وأنتِ مفاتيحُه,,، كيف أصفُ سعادتي بأن أكونَ الوحيدةُ التي أُمتَّعُ بالتلاحم بكِ، والتوحُّدِ بكِ؟!,. أعود لندائكِ,. أسمعُ احتجاجكِ,. وأدري أنني أنتِ,, فلا سؤالَ,, ولا دهشةَ,. لكنَّ مُدُنَ الدهشةِ التي أشرَعتِ منافذَها، أبواباً، ونوافذَ لا تحتملُ تفاصيلَ الاستغراقِ,. لأن الاستغراق كُلِّيٌّ، لا تفاصيلَ له,. وأنتِ من يوظِّفُ لكل دلالةٍ حروفَها، ومعانيها، ولكلِّ معنى قوالبَه، ومساراته,,. هذه المساراتُ التي تنبجسُ لها الطُرقُ التي بين إبهام قدمكِ وسبّابته,. تأخُذني إلى خارطة المدى,,، فلا أقوى على اهتزاز الأرض، ولا على انتفاضةِ الدهشةِ,,، ولا على جسارةِ الدموعِ,,، ولا على حرقةِ الاصطلاءِ، ولا على وَخزِ الصقيع,,، ولا على وقعِ الصوتِ، ولا على بصماتِ الصدى,. فالأرضُ تكونُ هكذا بمَن فيها,. أما أرضُكِ,, وسماؤكِ,. وأما مداكِ,, وكونكِ,. فآخر ,, آخر,. هلاَّ ألقيتِ إليهم بشيءٍ منه,, كي يتلمَّسوا اختلاف الذي يكونون، واختلافِ الذي نكون؟! هذا السؤال,. بَوحي إليكِ,, وأنتِ تمشُقين المدى,, حيث أكونُ,, ولا أكونُ,,، وحيث نكونُ,,، ولا نكونُ,,، وحيث تكونينَ,,، ولا تكونين,, يأتيكِ منكِ,, فهلاَّ تأتينني منِّي كي أكونكِ في رحلة الدهشة التي لا تنتهي؟