وكلُّ بوحٍ يكون لكِ، وكلُّ شيء بين يديكِ,,, فأنتِ لا تغيبين عن أيِّ شيء,,. أتدرين أنكِ البسلمُ لكل شيء,,,، والأمل في كلِّ شيء؟! كلُّ الذي مضى من بوحٍ، في حديث مكتوب، أو منطوق، أو نابض في الصدر هو لكِ وحدكِ,,. قرَّرتُ اليوم,,. قبل أن أحمل زوَّادتي وأغذُّ في دروب الصيف، أحملُ سلَّتي ألتقطُ زهرة تعطر جفاف الطقس، وقطرة ندى ترطبه، ونسمة شمالية تخفف من دفئه المكتظ,,, أن أتحدَّثَ إليكِ هنا,,, أدعوكِ لمرافقتي رحلة البيداء القاحلة تعجّ بالحر,,, والجفاف,,, والعراء,,. ولأنكِ الملاذ,,, ولأنكِ الصدق,,, ولأنكِ كلُّ شيء,,. فيا كلَّ شيء لم تعتوره الحياة بأي شيء من دكن أبنائها,,, ولم يعكره أي شيء من نزقهم وانفلاتهم,,, تعالي معي,,, فالرحلة بكِ ماتعة,,, ندية,,, نسائمية,,, صافية,,, تهمي إلى النفس ببرد السرور، ودفء الوداد,,. أتدرين,,, أن أوّل شيء فكَّرتُ فيه زاداً لهذه الرحلة ما هو؟! هو ذلك الذي أرسلتِه إليَّ في ندائكِ النوراني,,, تحثينني أن ألتقط قوَّتي تلك التي وزَّعتها على العابرين,,, كي يقووا في مسيرة المراحل والمحطات,,, صوتكِ,,, أرسلني إلى مواردي التي نهلتُ منها حتى ارتويتُ ثم غادرتُها,,. وأخذني إلى مواقعي تلك التي نسيتُها في لحظات,,. فاستويتُ ناهضةً بزادي,,. خزَّنتُه في زوادتي,,. وحملتُها معي,,, وسأبدأ رحلة المدى,,, ولن أتركها من جديد,,. هناك نبعٌ يتدفق,,. الأرض لاتزال تحتاج إلى رُواء,,, مهما امتدت أنهار السراب,,,، ومهما تطاولت وعلت أسراب الحُدَّءات,,. قلتِ: الأرض فسيحة,,, والثرى يتسع,,,، والسماء ممتدة، والأفق يتسع,,,، والمدى متنامٍٍ لا يتناهى,,,، والبعد يتسع,,, وثمة نقاط التقاءِ,,, مع كلِّ هذا الاتساع، والتمادي، والتنامي، هناك التقاء,,. أشرتِ إليَّ إلى أنهار السراب، وهو يستوي تلاحماً بالأرض، حتى إذا ما قربتِ منه، ذابت نقاط الالتقاء,,, لكن ثمة لحظة وربما لحظات تدرُّ فيها العيون، فلا تُحرم الأرض من أنهارٍ ليست سراباً، لكنها نقاط التقاء,,. وقلتِ : ثمة ما تخضع له الجوانح، وتهمي له الذاكرة,,, ويبدأ البحث,,. كلُّ المحطات توشك أن تفتح بوابات الانتظار,,, لأن القوافل قادمة، ليست جميعها فارغة كثير منها مكتظ,,, مثل اكتظاظ الصيف بحرارة القيظ,,. والمراكب التي تقف ستفرغ,,. وعندما تفرغ سيبحث كلُّ راكب عن أشيائه,,. ثمة التقاء,,, حتى لو كان بين أنامل الكف، وطرف حقيبة الباحث عنها,,. فكرتُ كثيراً كيف سيلتقي الناس أشياءهم، قبل أنفسهم؟,,, وجدت أن التقاء النفسِ أصعب من الالتقاء بالأشياء,,,، النفس لا تلتقي إلا بعد الضياع، أما الأشياء فربما تكون في بقعة ما,,, في مكان ما,,, غير الذي فيه صاحبها,,. سألتكِ متى سيكون؟,,. بحثتُ عنكِ,,, فإذا أنتِ أقرب إليَّ من ذاتي,,, لم تكوني في لحظة في منأى,,, كنتِ ولا تزالين وستظلين في لقاءٍ أبدي لا ينتهي,,, تقفين في شموخ,,, لم ترضي سواه,,, حتى أنني استمددته منكِ، ووقفتُ فوق رماد الصيف,,. تذكرتُ محطات السراب، وقوافل الحُدَّءات,,. وذلك الحزين الذي فقد نفسَه في مرافئ الانتظار كي يجدَ نفسَه,,. فشققتُ عن صدري كي أخرجَ له شعلةً يشحذ بها قافلته ويمضي,,. ذلك الفراغ الذي حلَّ بي,,, وبكِ,,, وبهم في أماسي الصيف ونهاراته,,, حتى هجَّ كلٌّ منهم ينقِّب عن قطرة ندى، وزهرة عطرية، ونسمة شمالية,,. حمل كلٌّ منهم زوادته,,, يبحث عن دروب الصيف كي يأكلها,,. أما أنا,,, فقد حملتكِ معي,,, ترطبين جفاف الصيف، وتندين لحظاته، وتعطرين أرجاءه وتبوحين لي بأهازيج الفرحِ,,. حتى إذا ما استوى الليلُ ليلاً، والنهارُ نهاراً,,. خرجتِ من تلافيف الفراغ كي تكوني الامتلاء كلَّه,,, في محطات الانتظار,,, سأودعُكِ اللحظة,,. سأودعُ كلَّ الذين يقرؤونكِ في هذا البوح الأسبوعي,,. سأودعُ كلَّ الذين تمنَّوا أن يكون هذا البوح لهم وحدهم,,, بمثل ما هو لكِ وحدكِ,,. سأودعُ كلَّ من التحم بكِ فكان أنتِ، وأصبحتِ هو وهي,,, حتى ألتقيهم بعد إجازة صيف,,, نركضُ فيها حفاةً كي نبرد أقدامنا في أنهار الأمل,,, والعطر,,, والأماني,,. وستكونين معي,,, لأنكِ معي,,. ولأن القافلة لا تمضي إلا بكِ,,. وحدكِ,,, يا,,, كلَّ شيء ,,.