في مقال اليوم سأواصل نقاشي مع ما نشره الدكتور سعد بن مطر العتيبي في (عزيزتي الجزيرة) حول تعقيبه على مقالين نشرتهما حول مشاركته في (قناة دليل) بشأن الفتوى؛ والذي نشرت الحلقة الأولى منه يوم الخميس الماضي: رابعاً: من الواضح أن الدكتور ابن مطر يعتبر أوامر الملك، وقرارات رئيس مجلس الوزراء، مرجعية يجب أن نحتكم إليها في هذا الحوار كما هو واضح من تعقيبه. لذلك أضع بين يديه أمراً سامياً (لاحقاً) للقرار الوزاري الذي استند إليه وأشار إليه في رده، يؤكد أن مسألة (الاختلاط) التي اعتبرها - كما قال محسومة - وهي ليست كذلك. هذا الأمر السامي (اللاحق) للقرار الذي أشار إليه الدكتور في تعقيبه صدر برقياً في 2-7-1425ه برقم 33916 ؛ وموقّع من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله -، وموجه إلى وزير العدل في حينه، جاء فيه: (نبعث لكم نسخة من برقية سمو وزير الخارجية رقم 42516 وتاريخ 26-3-1425ه ومشفوعها محضر الاجتماع الحادي والعشرين لفريق العمل الاستشاري الذي ناقش فيه الفريق الجوانب الأكثر مساساً بالمرأة، ورأى أن هناك بعض القضايا ذات المفاهيم غير المعرّفة في المجتمع (كالاختلاط والخلوة والحجاب)، وأوصى الفريق بتوجيه معالي الأمين العام لمركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني لتنظيم حوارات فقهية متخصصة في قضايا المرأة الشائكة مثل مفهوم الاختلاط، والخلوة، والحجاب، والمحرم، ومتعة الطلاق وغيرها من قضايا تتعلَّق بالمرأة بحيث تدار سلسلة من الحوارات الهادئة المعمّقة يشارك فيها القضاة والتربويون والاجتماعيون والقانونيون وغيرهم، ويكون هدف هذه اللقاءات تقنين قواعد فقهية دقيقة في تلك القضايا بحيث يعاد النظر في نتائجها مرة تلو الأخرى، حتى يتحقق الجميع أنهم أمام ما يقرّره الشرع بموضوعية، دون ضغط اجتماعي أو غيره. ونظراً لحساسية هذه المواضيع وضرورة إخضاعها للدراسة المتعمّقة، نرغب إليكم ضم هذه التوصية للتوصية السابقة المشار إليها أعلاه وشمولها بالدراسة.. فأكملوا ما يلزم بموجبه. التوقيع: فهد بن عبدالعزيز؛ رئيس مجلس الوزراء) انتهى. وهذا يؤكد أن القضية لم تكن محسومة كما جاء في تعقيبه. كما أريد أن أذكّره بمنازل الآباء والأجداد في الماضي، حيث كانت العوائل المتعددة تعيش تحت سقف واحد؛ أي أن سكناهم بهذه الصورة كان في وضع (اختلاط) حسب معاييركم، فهل ترى أنهم - رحمهم الله - قد ارتكبوا مُحرّماً يا دكتور؟ خامساً: يقول الدكتور في تعقيبه: (وفي هذا المقام أجدني حفياً بالنظام الأساسي للحكم، في مادته السابعة، التي هي نص الشرعية الإسلامية العليا في النظام الأساسي للحكم) انتهى. أقول: وهذا لا خلاف عليه قطعاً؛ ولكن، وكما يعلم الدكتور، فقضايا الشريعة فيها ما لا خلاف عليه، كقضايا الاعتقاد والتوحيد، والبراءة من الشرك وأهله، وكذلك المسائل المنصوص على حُرمتها نصاً؛ وهذه قضايا ثابتة لا تتغيّر بتغيّر الأزمان والأحوال؛ وهناك قضايا فقهية (متغيِّرة) يسوغ فيها الاختلاف كما هو معروف؛ وأقرب مثال على ما أقول اجتماع الرجال بالنساء في أماكن العمل والبيع والشراء والعمل شريطة ألا يُفضي هذا الاجتماع إلى خلوة محرّمة، حسب التعريف الفقهي للخلوة المحرّمة؛ وهذه مخول لولي الأمر صاحب البيعة دون سواه تغليب رأي على رأي؛ وليس - إطلاقاً - مُلزماً برأي دون آخر طالما أنها مسألة اجتهادية؛ فكما سبق وقلت، ووافقتني عليه: اختيار الإمام صاحب البيعة في المسائل الفقهية الاجتهادية يرفع الخلاف؛ وأقرب دليل على ما أقول معارضة البعض توسعة المسعى؛ فلم يأخذ ولي الأمر صاحب البيعة برأي من رأى الممانعة؛ وعندما تمت التوسعة نسي الناس الخلاف، وسعى الناس في التوسعة الجديدة، وقضي الأمر. فهل كان من اعترضوا على التوسعة - مثلاً - كانوا هم (فقط) من يمثّلون الشريعة وغيرهم متطفلون عليها، أو أن من أفتوا بالجواز قد جاملوا أو داهنوا على حساب دينهم ؟.. أو أن من عارضوا كانوا هم من يعرفون (حدود الشريعة) ومن أجازوا التوسعة لا يعرفونها؛ ثم هل من مارسوا هذه الشعيرة في التوسعة الجديدة فيما بعد ارتكبوا خطأ، لأن هناك من (العلماء الربانيين) من قال بعدم الجواز؟.. هل يستطيع الدكتور - وفّقه الله - أن يُجيبني؟ سادساً: أما مطالبة الدكتور ابن مطر بأن تحال القضايا الإعلامية إلى القضاء (رأساً) ليفصل فيها فهو اعتراض من الدكتور على إجراء أقرّه من يملك الولاية في تعيين القضاة، واختصاصات المحاكم وإجراءاتها، وهو في هذه البلاد (خادم الحرمين الشريفين) وليس أحدٌ غيره. وبناء على ذلك فإن من يملك الولاية هو من أصدر مرسوماً ملكياً بنظام المطبوعات، وهو من أصدر أمرين ساميين بإحالة قضايا الإعلام والإعلاميين ابتداءً إلى هذه اللجنة، واحترام هذا المرسوم، وما يقضي به، وكذلك الأمرين الساميين، هو احترام لأنظمة الدولة، وسياساتها (الشرعية).. كما أن اللجنة مكونة من شرعيين لا يقل تأهيلهم العلمي الشرعي عن القضاة، وكذلك من مختصين في الشؤون الأمنية إذا كان للقضية شق يجب معالجته أمنياً؛ إضافة إلى ممثلين من وزارة الثقافة والإعلام، وإذا رأت اتخاذ قرار بشأن الخلاف اتخذت القرار، مع بقاء حق أحد الطرفين في المطالبة برفعها إلى ديون المظالم متى ما رغب في ذلك. سؤالي: بالله عليكم ما هو الظلم في هذه الآلية؛ وكيف يكون هذا الإجراء مخالفاً للشريعة؟ سابعاً: أما (توظيفه) للإرهاب والإرهابيين في مداخلته، فلا يمكن قبوله البتة، فهؤلاء - يا دكتور - خلافنا معهم ينطلق ويتمحور حول (من هو ولي الأمر صاحب البيعة)؛ فهم لا يعترفون أصلاً بأن في أعناقهم بيعة، وما يترتب على هذه المفاهيم أعمق وأخطر من هذه القضايا؛ فأنت وأنا وكل من يعملون في هذه البلاد، ويُدينون بالطاعة لولاة أمرها، ونظامها، هم في قواميسهم أعداء، دماؤهم وأموالهم وأعراضهم مُستباحة؛ ولا أظنك في حاجة لأن تختلق أسباباً يعرف حتى الجاهل الأمي أنها في خطاب الإرهاب والإرهابيين لا قيمة لها إطلاقاً.