عبر العقود الزمنية الماضية اكتشفنا مدى الدمار والخراب الذي يمكن أن ينتج من ظاهرة مؤلمة تستفحل في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، وهي ظاهرة الجهل الخطير بتعاليم الدين الإسلامي الحنيف وأحكامه. واكتشفنا الهامش الواسع المتاح لأي شخص يمتلك فن الإقناع، ويحسن التأثير في العواطف، واستغلال حال اليأس وخيبة الأمل ونزعة التمرد التي تعم الشارع الإسلامي ليفرض نفسه زعيماً وقائداً موعوداً يقود الأمة إلى طريق الخلاص. وقد تمكنت هذه الفئة من فرض السيطرة على جمهور الشباب في العالم الإسلامي وتجنيدهم للموت من أجل عقائد ومفاهيم شاذّة وهدّامة هدفها الوحيد استغلال الإسلام والمسلمين لغايات معظمها ذو أبعاد شخصية بحتة. روى أحد الصحافيين في اليمن تجربة لافتة مر بها شخصياً بمحض الصدفة قبل فترة. وقد جرت وقائعها حين توقفه عند حاجز سيطرة أمني أقامته ميليشيات الحوثي في الطريق إلى محافظة الجوف. فقد وجد الصحافي في حديثة العابر مع عناصر الميليشيات الحوثية التي كانت تجلس عند نقطة السيطرة في ظل لافتة تحمل شعار الحركة الحوثية «الموت لأميركا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام». إن أفراد الميليشيا الحوثية يتحدثون بإيمان تامّ وغريب عن قدسية مؤسِّس الحركة المتوفَّى حسين الحوثي. ولاحظ أنه كلما ذكروا اسمه يُتبِعونه تلقائياً بقول: «عليه السلام». فالاسم الرسمي لمؤسِّس الحركة هو السيد حسين بن بدر الدين الحوثي «عليه السلام». وقادت غريزة الفضول عند الصحافي الى السؤال عن مصدر الشعار الذي كتب على اللافتة، فكان الجواب: إنه «شعار خرج من فم طاهر» وهو فم السيد حسين الحوثي. وعند الاستفسار عن أهداف الحركة، بادر أحد عناصر الميليشيا بالقول إنها «مسيرة عظيمة انتمينا إليها وهي مسيرة السيد حسين بدر الدين الحوثي سلام الله عليه، وإننا نسعى لإقامة الحق في الأرض». وخلال الأيام القليلة الماضية ظهر شريط فيديو يسجل وقائع استجواب أحد عناصر الميليشيات الحوثية التي تم أسرها من جانب القوات اليمنية الحكومية. وفي الشريط بدا عنصر الميليشيا الحوثية يتكلم بثقة عالية وتحدٍّ واضح ويجيب عن أسئلة المستنطق التي تركزت على محاولة اكتشاف البعد العقائدي الذي دفعة للانتماء إلى ميليشيات الحوثي وقتال السلطة. وعبر الحوار أكّد العنصر الحوثي إيمانه المطلق بأن السيد حسين الحوثي هو نفسه الإمام المهدي المنتظر وأن «من لا يؤمن بسيدي حسين (الحوثي) فهو كافر». ورفض القبول بحقيقة أن حسين الحوثي قد قُتِل في مواجهة عسكرية في ايلول (سبتمبر) 2004، وأن السلطات عرضت صورة الجثمان أمام الكاميرات لمساعدة مريديه للتيقن من الخبر، مؤكداً أن سيدي حسين الحوثي لم يمت بل هو موجود «بحفظ الله حتى الوقت الموعود»، وأنه «كما جاء سيظهر»، وأنه الإمام المهدي وولي الأمر في هذا الزمان من دون شك أو ريبة. ونتيجة لانتشار وتعدد تصريحات عناصر الميليشيات الحوثية حول المعتقدات الشاذة وذات النزعة التي تنحو إلى الكفر التي يؤمن بها جنود الحوثي، وهي المعتقدات التي قادتهم الى الانخراط في التمرد المسلح للموت من أجل المهدي المنتظر، أدركت قيادة التمرد أن سرها قد افتضح، وأن تراكم أدلة «من فمك أدينك» ستكون له آثار سلبية على التمرد وقيادته داخل المجتمع اليمني وخارجه. لذا فقد أصدر المتحدث باسم الحوثيين تصريحاً، على خلفية نشر شريط الفيديو، هاجم فيه «السادة العلماء في جمعية علماء اليمن». وكانت «جمعية علماء اليمن» وهي أهم مؤسسة دينية في البلاد تضم كبار علماء المذهب الزيدي والمذهب الشافعي السائديْن في اليمن قد أصدرت بياناً تدين فيه ادعاءات العناصر الحوثية بكون حسين بن بدر الحوثي هو الإمام المهدي المنتظر، أو القول بتكفير كل مسلم لا يؤمن بهذا الادعاء. وفي معزل عن مهاجمة جمعية علماء اليمن، فإن المتحدث الرسمي باسم الحوثي لم يحاول إنكار حقيقة أن المدعو سعيد مفتاح الذي ظهر في شريط الفيديو هو أحد عناصر الميليشيات الحوثية. وأن ما قاله أمام عدسة الكاميرا بحماسة وفخر وإصرار هو ما تم تلقينه إياه عبر فترة زمنية طويلة، حتى بدا يردد مقولة كون الحوثي هو المهدي من دون تفكير أو تساؤل؛ إذْ إنه لم يعرف كيف يجيب عن السؤال الذي طرح عليه مراراً: «ما هو دليلك الى أن السيد حسين الحوثي هو المهدي المنتظر؟». ما لم يقله المتحدث الرسمي باسم التمرد الحوثي هو حقيقة أن ميليشيات التمرد تعتمد في شكل أساس في تجنيد عناصرها على عملية غسيل دماغ يخضع لها شباب أمّيّ جاهل معزول عن العالم، تم استغلالهم في شكل مخطَّط ومنظَّم من أجل تحقيق أهداف ومطامع سياسية ومادية من جانب قيادات تعمل لخدمة مصالحها الذاتية وخدمة مصالح أطراف خارجية. وإن معظم عناصر الميليشيا الحوثية، التي أمست حطباً يُغذِّي نار التمرد الحوثي، يجهل أبسط الحقائق حول الدين الإسلامي أو أصول ومبادئ المذهب الزيدي، وكل ما تم تلقينه وتلقيه لا يتعدى معلومات تم انتقاؤها في شكل دقيق تمثل وتدعم «مبادئ وأهداف المدرسة الحوثية». فالمقاتل الحوثي الشاب الذي يدفع حياته ثمناً للدفاع عن طموحات القيادة لا يعلم لماذا يشار إلى حسين الحوثي بكونه المهدي المنتظر. ولا يعلم أن شعار الحركة الحوثية الذي يموت من أجله اليوم لم يخرج من فم السيد حسين الحوثي الطاهر بل من فم قيادات من خارج البلاد. ولا يعلم أن التمرد الحوثي منذ بدايته قبل خمس سنوات وحتى اليوم لم يُرِق قطرة دم إسرائيلي أو أميركي واحد، بل إن الآلاف التي قُتِلت على جانبي الصراع هم جميعهم عرب ومسلمون. * مدير مركز الخليج للأبحاث