يعد الفنان محمود سعيد من رواد فن التصوير المعاصر في مصر والوطن العربي الذين راهنوا على أصالته، فعاشوا حواريين في أروقة الفن، وفي ذكرى وفاته أقيمت احتفالية تحت عنوان «محمود سعيد والشخصية المصرية» نظمها مركز محمود سعيد للمتاحف في الإسكندرية، بحضور كبار الفنانين في مصر والوطن العربي. ضم المعرض 58 عملاً فنياً ل 58 فناناً مثلت خلاصة ما قدمه كبار الفنانين التشكيليين بحيث قدم كل منهم عملاً واحداً، ارتبط بنبض الفن المعاصر والروح المصرية والأصالة المتدفقة، والتي قرأناها في لوحات الفنان سعيد التي تتسم بملامح الشخصية الشعبية المصرية خصوصاً من خلال أعماله (بنت البلد، بنات بحري، بائع العرقسوس) وتعد هذه الاحتفالية دليلاً على تواصل وعطاء الأجيال المتعاقبة. شارك في الاحتفال كوكبة من كبار الفنانين التشكيليين ومنهم حامد عويس ومكرم حنين وفاروق شحاتة ونجوى العشري ونعيمة الشيشيني ومصطفى عبد الوهاب ورستم عشري وعبد السلام عيد... وغيرهم. يقول الفنان حنين: «يمثل المعرض الفن المعاصر بمختلف طرائقه وأشكاله، ومجرد الاشتراك في هذه الاحتفالية في ظل وجود هذا الكم الكبير من الفنانين شرف لأي فنان. فمحمود سعيد فنان يحتذى به واستطاع إرساء تقاليد فنية صارمة لمدرسته التي تعلم منها الكثيرون». قدم الفنان حنين عملاً فنياً واحداً وهي لوحة تمثل أوزوريس تنظر إلى حورس المنقذ وأوزوريس يمثل في هذه اللوحة الحب والوقار والجمال، أما حورس فيمثل الحضارة المقبلة. وأكد الفنان مصطفى عبد الوهاب أن سعيد «من الفنانين القلائل الذين وجدوا طريقهم السحري الى الخوض في الجمال الكامن. فأسلوبه نظامي رومانتيكي وشخصيته ساحرة وأعماله لا تخلو من الحركة النشطة التي لا تهدأ تدفقاً في المشاعر الإنسانية وبصفة خاصة في أعماله التي تتضمن صوراً شخصية (بورتريه)». وعن حياة سعيد يوضح الفنان رستم عشري ان «سعيد هو خال الملكة فريدة، زوجة آخر ملوك مصر، ودرس الفن على يد كبار الفنانين العالميين، واهتم بالبيئة الاسكندرانية على وجه الخصوص وأفرد لها الكثير من أعماله، واستطاع من خلال التصوير المعاصر أن يخاطب الأزلية بين الإنسان والأرض التي ترجم فيها فضاءات الروح والجسد بلمسات مبدؤها أن الفن ضرورة إنسانية أساسه الصدق والتعبير الحر». احتوى المعرض على عدد ضخم من لوحات الفنان الراحل سعيد في قاعات خاصة في المتحف، بالإضافة إلى أعمال الفنانين الذين قدموا أعمالهم في قاعات أخرى مجاورة لأعمال رائد التصوير المعاصر. ومن الأعمال المميزة جداً اللوحة التي قدمها الفنان أحمد عبد الفتاح، وهو بورتريه لفلاح يحمل أداة لفلاحة الأرض واستظهر الفنان بريشته الخاصية الشعرية والميتافيزيقية والفلسفية لقوة الكائن الحي التي نبضت في عين الفلاح البسيط الذي استطاع على رغم بساطته أن يطرح هموم الإنسان وانشغالاته بالمستقبل، كذلك من اللوحات التي أثارت إعجاب الزائرين لوحة الفنانة كاميليا ملاك والتي قدمت بانوراما لموتيفات شعبية جنحت للتعبير السوريالي فاستطاعت أن تملأ فراغات موضوعة وتكرسها في شكل فني. فعلى رغم بساطة التركيبة البنائية إلا أنها وصلت إلى حد البلاغة التعبيرية لتأكيد المضمون الفلسفي الكامن في اللوحة. أقيمت على هامش الاحتفالية حفلة موسيقية لعزف منفرد على الأورغ، وعُرض فيلم وثائقي عن حياة الفنان سعيد. ولد سعيد في الإسكندرية عام 1897 وتوفي فيها عام 1964. وكان يعمل في سلك القضاء ثم تفرغ للفن. دارت أعماله حول النساء والعبادة والموت، فكانت تلك هي المحاور الثلاثة التي قام عليها فنه وفتح بفرشاته آفاقاً جديدة، لأجيال مختلفة من أنحاء الوطن العربي.