تزامنت، في الأسبوع قبل الماضي، مناسبتان دينيتان: الكريسماس (عيد الميلاد عند المسحيين) وعاشوراء. هذا التزامن أتاح للباحثين والمراقبين ملاحظة التقاطعات بين المضامين السوسيولوجية للفعاليتين الدينيتين، بجلاء أكثر. فالكريسماس، وإن كان هو ذكرى لمولد المسيح عليه السلام، إلا أنه تخليد وتكريس لحكاية صلب المسيح. وعاشوراء هي أيضاً، وبكل وضوح، ذكرى مقتل الحسين رضي الله عنه. تتمحور الديانتان، المسيحية والتشيع، في حادثة جوهرية واحدة تم بناء كل عناصر الديانة عليها، ونفي هذه الحادثة أو التشكيك في بعض أحداثها يهدد كل أركان الديانة بالسقوط! اؤكد قبلاً ان تناولي للحكايتين هنا لا ينطلق من منظور ديني بل من منظور سوسيولوجي لكيفية اقتحام حكاية الصلب والفداء المسيحي، مع بعض التعديل، في عقيدة طائفة مسلمة! فالثالوث المسيحي: الرب... مريم العذراء... المسيح، يقابله ثالوث شيعي مماثل له في التمحور والتعظيم والقداسة المطلقة: علي، فاطمة، الحسين. الدم الرمزي، النبيذ، الذي يشربه المسيحيون في الكنيسة تخليداً لدم المسيح، هو الدم الذي يسفكه الشيعة في عاشوراء من رؤوسهم وظهورهم تخليداً لدم الحسين. ينطلق المسيحيون في ذلك من نصوص مقدسة عندهم: «وكل شيء يتطهر حسب الناموس بالدم، وبدون سفك دم لا تحصل مغفرة». (العبرانيين 9 :22 ). و «لأن نفس الجسد هي في الدم فأنا أعطيتكم إياه على المذبح للتكفير عن نفوسكم لأن الدم يكفّر عن النفس». (لاويين 17 : 11). هل اعتمد الشيعة على نفس النصوص لتبرير وتبجيل الاستدماء في يوم عاشوراء؟! يقول المؤرخ حسن الأمين: «إنه كان في بلاد القفقاس مسيحيون يقومون بتعذيب أجسادهم فداء للسيد المسيح، وكان في القفقاس عدد قليل من الشيعة نقلوه إلى إيران عندما كانوا يذهبون لزيارة ضريح الإمام علي بن موسى الرضا». وذكر الدكتور علي شريعتي أن وزير الشعائر الحسينية في ظل الحكم الصفوي بإيران قد ذهب إلى أوروبا الشرقية وأجرى هناك تحقيقات ودراسات واسعة حول المراسيم الدينية والطقوس المذهبية والمحافل الاجتماعية المسيحية وأساليب إحياء ذكرى شهداء المسيحية والوسائل المتبعة في ذلك حتى أنماط الديكورات التي كانت تزين بها الكنائس في تلك المناسبات، واقتبس تلك المراسيم والطقوس وجاء بها إلى إيران بعد إجراء تعديلات عليها. وأضاف شريعتي أن من بين تلك الطقوس النعش الرمزي والضرب بالزناجيل والأقفال والتطبير (علي شريعتي: التدين العلوي والتدين الصفوي). الشيعة في الهند أضافوا حديثاً طقساً جديداً الى عذابات عاشوراء هو ظاهرة المشي على النار، وهو من إيحاءات سوسيولوجيا التدين الهندوسي، المجاور! وكنت قد شاهدت قبل سنوات قليلة مقطع فيديو من احتفال عاشورائي لمجموعة من الشيعة المقيمين في لندن، ولم يلفت انتباهي حينها شيء من الطقوس، سوى الصورة المعلقة في جدار الصالة لإنسان حزين متألم، لو لم يكتب على الصورة اسم (الحسين عليه السلام) لجزمت بأنها صورة (المسيح عليه السلام) التي ألفناها في الكنائس. هكذا لم يتوقف التشابه والشبه بين المسيح والحسين عند حكاية موتهما وآلامهما وتضحياتهما، بل إن سوسيولوجيا المجتمع الإنكليزي البروتستانتي قد سكبت شيئاً من ملامح وتقاطيع ووقفة المسيح في صورة الحسين! وفي ملمح آخر من التمحور الشيعي الكلي حول مقتل الحسين، يدعو الشيخ عباس النابلسي إلى إنشاء «أوبرا» عن عاشوراء، وتوظيف الغناء والموسيقى والمسرح والرسم وكل الأشكال الفنية «باعتبار عاشوراء قيمة كونية عالمية»! وتوشك أمنية النابلسي أن تتحقق، فقد انتجت أخيراً مسرحية (قنسرين) التي وصفها منتجها بأنها «مسرحية تعرض للثورة الحسينية في إطار حركة الأديان السماوية، وخصوصاً التشابه الكبير بين حركة المسيح ومعاناته وتضحياته وبين حركة الإمام الحسين (ع) وآلامه وتضحياته». وقد نسي هذا الفنان أو تناسى أن إيمانه، كمسلم، بصلب المسيح عليه السلام سيغضب عليه الحسين وجد الحسين عليه الصلاة والسلام، ولكنه التثاقف الذي يتسلل أحياناً إلى الذهنية الاجتماعية من دون وعي بالتناقضات المختبئة فيه! * * * يجب أن نختم هنا، تفادياً لأي فهم مغلوط!، بأننا نتحدث هنا عن سوسيولوجيا طقوس عاشوراء فقط وليس عن المذهب الشيعي، كما ننوه أن عدداً من حكماء وعلماء الشيعة قد كتبوا من قبل كثيراً منكرين الطقوس الدموية في عاشوراء، وأنها من الأمور المستحدثة في العهد الصفوي. لكن سيظل من المشوق ومن المثير للاهتمام الاستقصائي البحث في كيفية تسلل هذه الطقوس المسيحية الى المذهب الشيعي، من منظور سوسيولوجي مقارن لا يتوقف على هاتين الديانتين فقط، بل على ظواهر اخرى في ديانات اخرى؟! * كاتب سعودي [email protected]