انطلقت أعمال مؤتمر «يورومني السعودية 2015» في نسخته العاشرة، اليوم (الثلثاء)، والذي تنظمه وزارة المالية تحت عنوان «الفرص والأسواق المالية»، ويتناول الفرص الاستثمارية والتجارية الحقيقية التي أوجدتها الاستراتيجية الاقتصادية للسعودية، بمشاركة قادة قطاع المال العالمي وعدد من الشخصيات العالمية في قطاع المال، وذلك في فندق «الفيصلية» في الرياض. وأكد وزير المال الدكتور إبراهيم العساف، خلال افتتاحه الجلسة الرئيسة للمؤتمر، أن «المملكة تشهد تطورات في غاية الأهمية على المستويين السياسي والاقتصادي، بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وكان آخرها مبايعة الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز ولياً للعهد، والأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولياً لولي العهد»، منوهاً بالقرارات التنظيمية في المجالين الاقتصادي والسياسي والأمني، المتمثلة في تركيز القرارات في مجلسين رئيسيين، هما مجلسا «الشؤون السياسية والأمنية» و «الشؤون الاقتصادية والتنمية»، بمثابة بديلين عن الكثير من المجالس واللجان، مشيراً إلى أن ذلك من شأنه أن «يُمَكّن من الإسراع في اتخاذ القرار»، معرباً عن أمله في أن يضيف المزيد من سهولة أداء الأعمال لتعزيز البيئة الجاذبة للاستثمار. وأوضح العساف، وفق ما ذكرت «وكالة الأنباء السعودية» (واس)، أن «الاقتصاد العالمي استمر في التعافي خلال العام الماضي، وإن كان النمو ما زال متوسطاً ومتبايناً بين الدول والأقاليم المختلفة»، مشيراً إلى أن الجانب الآخر استمر فيه التباطؤ في معدلات نمو الاقتصادات الناشئة وعلى رأسها الصين، فضلاً عن تأثر عدد من الاقتصادات الناشئة الرئيسة الأخرى بتراجع أسعار السلع الأولية، مبيناً أنه على رغم ذلك فقد أسهمت مجموعة الاقتصادات النامية والناشئة في نحو ثلاثة أرباع نمو الاقتصاد العالمي في عام 2014. وعلى المستوى الإقليمي، كشف وزير المال أنه على رغم التحسن النسبي في معدل النمو الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في عام 2014 مقارنةً بالعام الذي سبقه، إلا أن معدلات النمو الاقتصادي في المنطقة ما زالت ضعيفة متأثرة بالتطورات الأمنية والسياسية في مناطق عدة، في حين أن انخفاض أسعار النفط يمثل تحدياً للدول المصدّرة له، ومن بينها السعودية. وقال: «يواجه آفاق الاقتصاد العالمي عدداً من الأخطار التي تتضمن التوترات السياسية، والاضطرابات الأمنية ومخاطر الركود، وزيادة حدة التقلبات في أسواق المال الدولية نتيجة لحدوث تحوّل في تقييم المتعاملين في الأسواق لأخطار الاستثمار في الأصول المالية، وبخاصةً إذا ارتفعت أسعار الفائدة في الولاياتالمتحدة على نحو أسرع وبدرجة أكبر من المتوقع، مع إعادة السياسة النقدية إلى وضعها الطبيعي في ظل تعافي معدلات نمو الاقتصاد الأميركي». وأعرب العساف عن تفاؤله ببدء الاقتصاد العالمي بالخروج من الوضع الحالي المُتّسم بالنمو المنخفض وأخطار الانكماش الحاد، لافتاً إلى أن المؤشرات من أوروبا واليابان بالذات متفائلة، إلا أنه لا يتوقع عودة قريبة لمستويات النمو العام التي كانت في العقد الماضي. واستعرض خلال كلمته الافتتاحية لمؤتمر «يوروموني السعودية»، بعض التطورات الاقتصادية والمالية على المستوى المحلي، إذ شهد الاقتصاد السعودي معدلات نمو قوية خلال الخمس سنوات الأخيرة بلغت نحو خمسة في المئة في المتوسط سنوياً، لافتاً النظر إلى أن هذا النمو جاء على خلفية التوسع المستمر في النشاطات الاقتصادية في القطاعات غير النفطية بمعدلات نمو سنوية فاقت خمسة في المئة، ما ساهم في تعويض أثر التقلبات في معدلات نمو القطاع النفطي في أداء الاقتصاد الكلي. وأشار العساف إلى جهود الدولة المستمرة لتطوير الشراكة مع القطاع الخاص، وتوفير البيئة المناسبة للاستثمارات الخاصة التي أثمرت تحقيق معدلات نمو لناتج القطاع الخاص في القطاعات غير النفطية، تراوحت بين ستة وثمانية في المئة خلال السنوات الخمس الماضية، ليصل نصيب ناتج القطاع الخاص إلى نحو 70 في المئة من ناتج القطاعات غير النفطية التي تشكّل نحو 56.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في عام 2014، مشيراً إلى أن العوامل التي ساعدت على هذا النمو، الفرص المتاحة التي صاحبت الإنفاق الحكومي على مشاريع وبرامج التنمية والبنية الأساسية. وكشف العساف عن أن عدد عقود المشاريع الحكومية التي طُرحت خلال عام 2014، بما فيها المشاريع المموّلة من فوائض إيرادات الميزانيات السابقة، بلغت 2572 عقداً بلغت قيمتها الإجمالية نحو 49 بليون دولار، موضحاً أن موازنة الدولة لعام 2015 جاءت لتؤكد الارتباط الوثيق بين توجهات الإنفاق العام وأهداف وأولويات خطة التنمية مع العمل على تفادي التأثيرات السلبية الكبيرة لتقلبات أسعار النفط، وساعدت في ذلك الجهود الكبيرة التي بذلت خلال الأعوام الماضية لتقوية وضع المالية العامة وتعزيز الملاءة المالية بخفض الدين العام. ولفت العساف النظر إلى أن الموازنة العامة للعام المالي الحالي، استمرت في تركيزها على برامج التنمية ذات الأولوية، بما يساهم في الاستمرار في تحفيز نشاط القطاع الخاص خارج القطاع النفطي، ورفع معدلات النمو والتشغيل. وأوضح: «لا شك في أن المملكة كما هي الحال في الدول المعتمدة على الإيرادات النفطية، ستواجه بعض التحديات خلال الفترة المقبلة، ما يتطلب إجراءات احترازية واستباقية ومواصلة برامج الإصلاح والتنويع الاقتصادي وتوسيع قاعدة الإيرادات العامة، وترشيد الإنفاق العام وتعزيز كفاءته وفاعليته». وحول القطاع المالي، أوضح وزير المال أن السعودية تواصل في شكل عام تعزيز القطاع، وأن القطاع المصرفي استمر في نموه، وواصلت مؤسسة «النقد العربي السعودي» جهودها لتعزيز متانته، وتواصل كذلك «هيئة السوق المالية» العمل على تطوير السوق المالية وتعميقها، إذ تمت أخيراً الموافقة على فتح المجال للمؤسسات المالية الأجنبية المؤهلة، وتشجيع طرح السندات والصكوك بجانب الأسهم لتنويع أدوات الاستثمار وفرص التمويل، معرباً عن تفاؤله بمستقبل سوق الصكوك والسندات بالمملكة، ما سيفتح آفاقاً جيدة لمنشآت القطاع الخاص لتمويل مشاريعها وتوسعاتها، في ظل توافر السيولة في السوق المحلية وتزايد إقبال المستثمرين، ولعلّ المؤتمر فرصة لعرض مثل هذه التطورات ومناقشتها. ونوّه العساف بإبقاء وكالة «موديز» العالمية للتصنيف الائتماني، تصنيف المملكة السيادي عند درجة ائتمانية عالية «Aa3» مع نظرة مستقبلية مستقرة، والذي يأتي بعد إعلان مماثل من وكالة "فيتش" العالمية للتصنيف الائتماني، عن تثبيت التصنيف السيادي للمملكة عند درجة ائتمانية عالية «AA» مع نظرة مستقبلية مستقرة، ما يمثل انعكاساً للتطورات الإيجابية، ويعدّ نجاح السعودية في الحفاظ على تصنيفها الائتماني المرتفع على رغم انخفاض أسعار النفط، انعكاساً لسلامة السياسات الاقتصادية للمملكة ومتانة الاقتصاد السعودي وقدرته على مواجهة التقلبات الدورية. وكان رئيس مجموعة «يوروموني انستتيشنال إنفستر» ريتشارد إنسور، رحّب في كلمته في بداية الجلسة، بالوزير والحضور، موضحاً أن «المؤتمر في نسخته العاشرة في الرياض، سيتناول عدداً من الموضوعات والجوانب الاقتصادية المهمة من خلال جلسات المؤتمر، وأن الشراكة مع المملكة حقيقية وتتطلب الالتزام». وأشار إلى أن «المملكة أوجدت وظائف جديدة، وشرعت في العمل ببرنامج استثماري توسّعي هائل في البنية التحتية، وفتحت أبواب اقتصادها أمام رأس المال العالمي بخطوات ثابتة تمثَّل أحدثها بفتح سوق الأسهم تداول أمام المستثمرين الدوليين»، مؤكداً أنها «قصة نجاح كبيرة بالنظر إلى التحديات التي تواجه المنطقة». وتشمل قائمة المتحدثين في اليوم الأول للمؤتمر، رئيس «هيئة السوق المالية» محمد الجدعان، ورئيس مجلس إدارة «بي إن بي باريبا» جان لوميير، والرئيس التنفيذي لشركة «كهرباء السعودية» المهندس زياد الشيحة، ورئيس مجلس «الأوراق المالية والبورصات» في الهند يو كيه سينها، والرئيس التنفيذي ل «سوق الأسهم السعودية» (تداول) عادل الغامدي. وسيشهد اليوم الأول، إقامة جلسة تجمع مصرفيين يجرون خلالها مراجعة لأداء البنوك والقطاع المصرفي في المملكة، ويتناولون قدرة المملكة على التعامل مع التذبذب والتراجع في القطاع النفطي، علاوة على استضافة مسارٍ مُوازٍ يجمع عدداً من كبار المسؤولين الماليين، لتقديم رؤية مختصّة حيال علاقات المستثمرين و «الحوكمة». يُذكر أن مؤتمر «يوروموني السعودية 2015»، ينعقد بالتعاون مع وزارة المال السعودية، وتتواصل فاعلياته على مدى يومين في الرياض.