قبل شهر من الانتخابات النيابية، يستعد حزب «العدالة والتنمية» الحاكم في تركيا لخوض أصعب اقتراع في تاريخه منذ ظهوره على الساحة السياسية عام 2000. وما يزيد صعوبة وضعه ليس تغيير زعيمه وتبديل كل الوجوه المعروفة فيه فحسب، بل كذلك خوض المعارضة الانتخابات شاهرةً أهم سلاح كان في يد «العدالة والتنمية» سابقاً، وهو الإصلاح والتغيير. وفَقَدَ الحزب الحاكم قدرته - وربما شهيته - على التغيير والإصلاح، وفي مواجهة مشاريع المعارضة ووعودها، بات في موقف الدفاع عن الوضع الحالي لتركيا، محذراً من التغيير أو التجديد، إلا في مسألة تحويل النظام رئاسياً، حتى أصبح معظم أحاديث الرئيس رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء أحمد داود أوغلو يتمحور حول ضرورة أن يكون «الاستقرار» هو الهدف الذي يصوّت له الناخب التركي. ويبدو أن «العدالة والتنمية» وقع في «خير أعماله»، إذ جهِد طيلة حكمه لتسوية مسائل أيديولوجية متجذرة في تركيا، مثل حظر الحجاب، والوصاية العسكرية والاعتراف بالقضية الكردية وعلمانية الدولة. لذلك تخلو الانتخابات من طرح أي قضية من تلك التي كانت تشكّل عماد شعارات أحزاب المعارضة في حملاتها التي تسبق الاقتراع. في المقابل، يبدو أن المعارضة أدركت، ولو متأخرة، أن الوصول إلى عقل الناخب وقلبه يتحقق عبر التركيز على الاقتصاد والإصلاح السياسي، لا الشعارات الأيديولوجية، فقررت أن تلتقط حبل الإصلاح من حيث تركه «العدالة والتنمية». وطرح «حزب الشعب الجمهوري» المعارض برنامجاً اقتصادياً واعداً ومؤثراً أحرج الحكومة في مسائل كثيرة، خصوصاً بعد تشكيكها في وجود موارد مالية تكفي لتنفيذ وعود الحزب بدعم المتقاعدين والمزارعين والفقراء. لكن ردّ رئيس «حزب الشعب الجمهوري» كمال كيليجدارأوغلو كان جاهزاً وحازماً: «سنوقف الفساد والإسراف الحكومي وتشييد قصور رئاسية، ونوفّر بذلك المال للمواطن الفقير». بل إن أردوغان اضطُر إلى الخروج عن حياده السياسي، بوصفه رئيساً عليه أن يكون على مسافة واحدة من الجميع، لينتقد الوعود الاقتصادية لكيليجدارأوغلو بقوله: «إنه يسرق وعودنا، نحن أول من تحدث عن دعم المزارعين والفقراء». لكن الزعيم المعارض ردّ مخاطباً الرئيس: «ما الذي منع حكومتك من فعل ذلك»؟ حتى التيار الكردي، ممثلاً ب «حزب الشعوب الديموقراطية»، تخلى عن تخصيص دعايته الانتخابية للملف الكردي فقط وفي محافظاتجنوبتركيا، وخرج في ثوب أكثر رحابة، مع قيادات غير كردية ومرشحين أتراك وأرمن وعرب وأكراد، ليجوب كل المحافظات ويتحدث عن الاقتصاد والسياسة الخارجية وحقوق الأقليات، ما رفع شعبيته في شكل ملحوظ، بحيث بات مرشحاً لدخول البرلمان للمرة الأولى على قوائم الأحزاب، لا الأفراد. ونقل الحزب الكردي حملته الانتخابية إلى أوروبا، اذ شارك رئيسه صلاح الدين دميرطاش في تجمّع حضره آلافٌ في باريس، كما زار قياديون في الحزب ألمانيا والنمسا للغرض ذاته. وفي مواجهة وعود حيوية أطلقتها المعارضة، يقف داود أوغلو، رئيس «العدالة والتنمية»، محروماً من الترويج لأفكار يحملها في جعبته، بعدما طغى على حملته الانتخابية ملف النظام الرئاسي الذي فرضه أردوغان على أجندته.