من هم هؤلاء الذين سارت أقدامهم عبر غير دولة عربية، ليتلاقوا في بيروت، خمسة أيام بلياليها، والذين يصرون على أنهم لا يفعلون شيئاً سوى استئناف سيرة أسامة بن المنقذ في التراث العربي؟ لكن ابن المنقذ تفرّد في كتابة مُذكّرات شخصية. هؤلاء الشباب لا يدّعون تفرّداً من أي نوع، بل أن ما يدوّنونه في صفحاتهم لا يزيد على كونه اقتباساً مما يفعله أقرانهم في الأرض. إنهم ال «بلوغرز» Blogers المُدوّنون الإلكترونيون الذين يستأنفون ما بدأه ابن المنقذ (وقلة من الأسماء المُشابهة عربياً) في التراث. وأكثر قوة من ذلك انهم يستأنفون ما بدأه شاب عراقي، إبان دخول الجيش الأميركي الى بلاده، إذ جعل يكتب ما يراه، ويدوّنه على الانترنت. وسرعان ما ذاع صيت «سلاّم بلوغ» عالمياً، بحيث اعتمد مصدراً «بديلاً» للإعلام عن ذلك الحدث العراقي، الذي ما زالت أصداؤه تتردد في العالم. إنهم ال «بلوغرز» العرب: مُدوّنون إلكترونيون جرى اختيارهم بعناية من بضعة بلدان عربية، كي يتدرّبوا في بيروت على رفع مستوى أداء صفحاتهم الإلكترونية على الانترنت. وبقول أدق، جاؤوا ليتدربوا على تنظيم حملات إعلامية في العالم الافتراضي، عن مظالم في العالم الحقيقي، حيث يعملون في الصحافة. جاء جمع من الصحافيين العرب كي يحضروا تدريباً متخصصاً في بيروت، في «الدورة الإقليمية الخاصة بالصحافيين والمُدوّنين العرب في مجال حقوق الإنسان»، التي اختتمت أعمالها في بيروت أخيراً. وتشارك في تنظيم هذه الدورة، «مركز المعلومات والتأهيل لحقوق الإنسان» Human Rights Information &Training Center (عنوانها على الانترنت «اتش آر آي سي. أورغ» HRITC.org ) و «مبادرة الشراكة الشرق أوسطية» Middle East Partnership Initiative. الحقوق الضائعة يساندها الافتراضي في كلمة ألقاها في افتتاح تلك الدورة، أعرب النائب غسان مخيبر، مُقرّر «لجنة حقوق الإنسان» في المجلس النيابي اللبناني، عن اعتقاده بأن نشر ثقافة حقوق الإنسان وكشف المخالفات والتجاوزات، يقعان ضمن المهمات التي يقوم بها الإعلام، وأن هناك الكثير من الوسائل لذلك وهناك تقنيات وأدوات جديدة، خصوصاً تلك التي يوفرها العالم الافتراضي للإنترنت، سهلة الوصول ويمكننا استخدامها بطريقة تعزز الأدوات القديمة. وذكّر مخيبر أيضاً بالوسائل التي أتاحتها المبادئ العالمية في مجال حقوق الإنسان والمتمثلة في بث ثقافة واسعة بهذه الحقوق ونشرها، وكذلك الحال بالنسبة الى القوانين الراعية لهذه الحقوق ومبادئها. ولاحظ مخيبر قدرة التدوين الإلكتروني على المساهمة في كشف المخالفات والتجاوزات عبر وسائل الإعلام وعبر نشر التقارير الدولية، وكذلك توليد ضغط وإقلاق لصناع القرار والسياسيين لتحسين أوضاع حقوق الإنسان واستخدام القضاء المحلي والدولي في الدفاع عن حقوق الإنسان باعتبار القضاء الحامي الأول لحقوق الإنسان. جاءت الدورة في سياق «مشروع حشد الصحافيين والمُدوّنين العرب للدفاع عن حقوق الإنسان»، الذي يتشارك فيه أيضاً «مركز المعلومات...» و «مبادرة الشراكة الشرق أوسطية». ويهدف المشروع لتدريب 30 صحافياً ومُدوّناً إلكترونياً على قضايا حقوق الإنسان والديموقراطية في المواثيق الدولية والقوانين المتصلة بحرية التعبير، إضافة الى تنمية مهاراتهم في تبني حملات المناصرة لقضايا حقوق الإنسان والديموقراطية على الانترنت، وكذلك تدريبهم على طُرُق تنسيق جهود مُدوّناتهم ومواقعهم الإلكترونية نحو قضية الحرية وحقوق الإنسان في العالم العربي. ويشمل التدريب عشرة بلدان عربية هي اليمن، البحرين، الإمارات العربية المتحدة، الكويت، لبنان، الأردن، مصر، المغرب، فلسطين وتونس. ويتواصل التدريب خلال السنة المقبلة. وفي مرحلة مقبلة، يُتوقّع من المشاركين الانخراط في جهود الدفاع عن الحريات في العالم العربي. وتالياً، يعتزم المشروع تكريم أبرز 10 مشاريع في هذا السياق. وفي أفق المشروع عينه، تأسيس شبكة على الانترنت من مناصري حقوق الإنسان عربياً، يأتي في طليعتهم ال30 متدرّباً. وألقى سفير اليمن في لبنان فيصل أبو رأس كلمة قال فيها: «انه من الضروري التركيز على قضايا حقوق الإنسان ونشر هذه الثقافة المهمة بين المواطنين بالوسائل المختلفة... لا بد من التركيز على الصحافة الإلكترونية والمُدوّنات الرقمية باعتبارها من الوسائل الحديثة التي لاقت رواجاً في الفترة الأخيرة. وقد يكون دورها أكثر بروزاً في الفترة المقبلة، خصوصاً مع وجود مشروع قانون في الكونغرس يتيح معاقبة وإيقاف أي محطة فضائية قد تشكل مصدر قلق أو خوف على مصالح أميركا». وفي الإطار عينه، تحدّث عز الدين الأصبحي فقال: «إن هذه الدورة من الدورات المتميزة لعدد من الأسباب لعل أهمها أنها تستهدف الصحافيين والمُدوّنين الإلكترونيين، وهم قادة شعلة التغيير وتقع على عاتقهم مسؤولية نشر مبادئ حقوق الإنسان وتعزيز هذه الثقافة والدفاع عنها». وأضاف أن هذه الدورة تأتي ضمن أهداف «مركز المعلومات...» في تعزيز مبادئ حقوق الإنسان في المجتمع، مشيراً إلى وجود 30 مشاركاً ومشاركة من مختلف الدول العربية انضموا الى رسل حقوق الإنسان وسيفتحون 30 نافذة الكترونية جديدة تعمل على نشر ثقافة حقوق الإنسان والدفاع عنها. وقال الأصبحي: «نطمح في الفترة المقبلة لأن يكونوا نواة لشبكة إقليمية خاصة بالمُدوّنين والصحافيين في المنطقة العربية». واستُهلت الدورة برنامجها التدريبي بمحاضرات وتدريبات حول حقوق الإنسان، خصوصاً لجهة مفاهيمها الأساسية وجذورها. وتلت ذلك محاضرة عن المنظمات الدولية لحقوق الإنسان قدمها الدكتور محمد أمين الميداني، رئيس «المركز العربي للتربية على القانون الدولي الإنساني» وهو أيضاً أستاذ في جامعة ستراسبورغ في فرنسا، والمنسق الإقليمي ل «منظمة العفو الدولية» أحمد كرعود. كما تلقى المشاركون تدريبات في الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، ونظام الحماية الدولية لحقوق الإنسان وآلياتها. وتضمن تدريبهم جلسات حول الحملات الإلكترونية ودورها في تعزيز حقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير في المواثيق الدولية، وشروحاً عن إجراءات حماية حرية التعبير والوصول إلى المعلومات، إضافة إلى محاضرات عن حرية الرأي والتعبير في القوانين العربية، وتدريبات حول المخاطر والمسؤولية القانونية التي تواجه الصحافيين في العالم العربي. واشتمل التدريب أيضاً على جلسات مكثفة حول التدوين الإلكتروني، والبرامج التي يمكن استعمالها في الدفاع الرقمي، مع تبيان المواقع التي يستطيع ال «بلوغرز» أن يحصلوا منها على تلك البرامج. وامتد التدريب ليشمل تبيان الطُرُق التي تُمكّن ال «بلوغر» من استخدام البريد الإلكتروني، بطريقة لا تعرضّه للانكشاف على الانترنت. وتولت ذلك التدريب نخبة من المدربين المتميزين منهم نجاد البرعي وسامي بن غربية وجمال عيد ورينود ولانا بيداس والمعتمد فاروق وأحمد غربية وكريمة مرشد وعزالدين الأصبحي. ومع اختتام الدورة، أعلن عن إطلاق «شبكة صحافيون ومُدوّنون من أجل حقوق الإنسان» («أحكي»). وعرّف ال «بلوغرز» العرب الثلاثون الذين تلقوا التدريب، تلك الشبكة بأنها تجمّع ل «بلوغرز» عرب تجمعهم قضايا وهموم مشتركة ويعملون لمناصرة قضايا حقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير من أجل مجتمع أكثر عدالة وحرية. وحدّدت الشبكة رسالتها عبر ربطها مع نشاطات رصد الانتهاكات وتوثيقها والإعلان عنها وتفعيلها من خلال حملة إعلامية وحقوقية تهدف لخلق مساحة حرة للتعبير عن الرأي. ورحب الممثل الإقليمي ل «المفوضية السامية لحقوق الإنسان» في الشرق الأوسط فاتح عزام بميلاد الشبكة. وخاطب ال «بلوغرز» ومُدرّبيهم قائلاً: «سنكون على اتصال مباشر بكم وبشبكتكم. وسنعتمد عليكم. وسنستفيد مما ستكتبونه في تقاريرنا. ونحن نعول عليكم كثيراً في رفع الوعي بحقوق الإنسان والمعرفة للناس». وأشار عزام إلى أن معرفة الحقوق هي الخطوة الأولى للدفاع عنها معتبراً أن تأسيس الشبكة يصب في بناء مجتمع الحرية والمعرفة والدفاع عن حقوق الإنسان. ذكريات التدوين في لندن جاءت هذه الدورة الإقليمية ضمن برنامج يحمل اسم «حشد الصحافيين والمُدوّنين العرب للدفاع عن حقوق الإنسان». وتتضمن حزمة التدريب، توزيع كتب على ال «بلوغرز» المشاركين، تتصل بموضوع تدريبهم مثل «دليل المجتمع المدني عن حقوق الإنسان» و «الشرعة الدولية لحقوق الإنسان» و «أسئلة متكررة حول نهج يرتكز على حقوق الإنسان تجاه التعاون الإنمائي» (صادرة عن الأممالمتحدة)، و «دراسات في الحماية الإقليمية لحقوق الإنسان» (تأليف د. محمد أمين الميداني، صادر عن «مركز المعلومات والتأهيل لحقوق الإنسان»)، وكراسين يعرف أحدهما عن «مشروع حشد الصحافيين والمُدوّنين العرب للدفاع عن حقوق الإنسان» والآخر يعرف عن «مركز المعلومات والتأهيل لحقوق الإنسان». وتضمنت الحزمة عينها 3 أقراص مدمجة احتوى أحدها على المادة التدريبية للدورة، وضم الثاني الكتب التي أصدرها «مركز المعلومات...» حتى العام 2008، واحتوى الثالث «مجموعة القوانين الخاصة بالمجتمع المدني والصحافة في الشرق الأوسط». وضمن الدورة البيروتية الإلكترونية، وزّع «مركز المعلومات والتأهيل لحقوق الإنسان» أسطوانة ضمّت ملفات «بي دي أف» لمجموعة كبيرة من إصداراته من الكتب، مثل «قائمة مطالب المرأة ضد الفقر والعنف» و «الدولة والمجتمع المدني في اليمن- تأليف د. فؤاد الصلاحي» و «دور البرلمان في الإصلاحات الديموقراطية - مجموعة من الكُتّاب» وغيرها. وذكّرت الدورة البيروتية الإلكترونية، بلقاء مشابه استضافته لندن قبل شهور. وحينها، احتشد مُدوّنون إلكترونيون من دول مختلفة، في مؤتمر متخصّص في لندن، مشدّدين على الإيمان بقوة التدوين الإلكتروني على شبكة الانترنت وفعاليته. وبحثوا مستقبل التدوين الإلكتروني وناقشوا مشكلاته. وأشار فيصل عباس أحد المُدوّنين اللبنانيين المشاركين في المؤتمر، الى وجود فارق كبير بين التدوين في أوروبا وأميركا من جهة، والعالم العربي من جهة أخرى. فقد باتت «مُدوّنة هفنغتون بوست» مثلاً تنافس الصحف الأميركية الواسعة الانتشار من حيث النفوذ والتأثير». وقال: «لو تحدثت مع خبراء في «غوغل» فستجدهم متفائلين بالتطور في الدول العربية فهي منطقة غالبيتها من الشباب ونسب التعليم فيها في تزايد». وقال بوتكين أزارمير، وهو مُدوّن رقمي من إيران: «لدينا نحو 70 ألف مُدوّن إلكتروني. التدوين شائع في إيران حيث نسبة الإقبال على التعليم مرتفعة نوعاً ما مقارنة بالدول الأخرى. بالطبع هناك خطوط حمر لا يجب تجاوزها ولكنها قد تطبق أحياناً على مُدوّن، ولا تطبق على مُدوّن آخر، ما يدفع الناس إلى فرض رقابة ذاتية على أنفسهم لأنهم لا يعرفون هل سيتعرضون للعقاب أم لا، والخطوط الحمر لا تنحصر في الحديث عن الإسلام الشيعي، وانما عن تفسير محدّد له. وتشارك الأقليات النسائية والدينية بفعالية في عملية التدوين». وأشار الى أن «الرئيس الإيراني نفسه محمود أحمدي نجاد له مُدوّنته على الانترنت. واعتقد أنها مليئة بالكلام غير الصحيح وهذا أمر مؤسف». وزاد: «إنني شخص قومي للغاية ولا يمكن أن أكتب ضد المصلحة الإيرانية العليا، لكني بصفة عامة ضد الطاقة النووية هنا في بريطانيا أو الصين أو باكستان أو أي مكان». وشاركت في اللقاء اللندني إحدى المؤسسات التي تعنى بإبراز دور أشكال التفاعل الحديث، من تدوين وفيديو وغيره، في فضح انتهاكات حقوق الإنسان الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة. وعمِلت تلك المنظمة على توزيع أجهزة على الفلسطينيين في الضفة وغزة، كي تمكنهم من رصد الانتهاكات التي تحدث، ليقوموا بعد ذلك بإرسالها إليها لتضعها على موقع المنظمة وننشرها في وسائل الإعلام لتسليط الضوء على هذه الانتهاكات. وكذلك درّب اللقاء اللندني شباناً فلسطينيين على كتابة المُدوّنات الإلكترونية، على أمل أن يدوّنوا في العالم الافتراضي، ما يتعرضون له وما يشاهدونه في عالمهم الحقيقي. * محام من «مركز التأهيل والمعلومات لحقوق الإنسان»