عكس التقريران الشهريان لأسواق النفط الصادران الأسبوع الماضي عن منظمة «أوبك» ووكالة الطاقة الدولية تذبذب الأسعار حول مستوى 50 دولاراً للبرميل، وهو أعلى مستوى منذ أربعة أشهر، في ظل مؤشرات إيجابية - ولو محدودة - من جهة، وبين استمرار انخفاض الطلب والتوقعات المستقبلية المتشائمة من جهة أخرى، التي تعرقل أي تحسن ملموس في الأسعار في المستقبل المنظور وتؤجله. فقد أشار تقرير «أوبك» الشهري إلى بعض العوامل الإيجابية التي حسنت الطلب وزادت من الأسعار، لكن التقرير أكد في الوقت ذاته أهمية المؤشرات الأساسية السلبية التي لا تزال تطغى على الأسواق. وأورد ما يلي: «ارتفعت سلة نفوط أوبك 4.37 دولار أو 10.50 في المئة خلال آذار (مارس) ليصبح معدلها 45.78 دولار. وطغت على الأسواق التطورات في بورصات الأسهم وعوامل اقتصادية أخرى. واستمرت الأسعار في التحسن خلال أوائل نيسان (أبريل) مع الشعور النفسي بالتحسن الاقتصادي العالمي، خصوصاً بعد قمة مجموعة العشرين». وأضاف التقرير: «على رغم بعض المؤشرات الإيجابية في الولاياتالمتحدة والبرامج الاقتصادية الضخمة لمساعدة المؤسسات المتعثرة في اليابان وألمانيا، لا يزال الاقتصاد العالمي في تقلص مستمر. ثم خُفضت التوقعات حول النمو الاقتصادي العالمي عام 2009 إلى مستوى -8 في المئة. ويشمل هذا الخفض الجديد الاقتصادات العالمية برمتها، ما عدا الصين والهند، ويتناول خصوصاً اقتصادات الدول الصناعية الغربية، إذ يتوقع الآن ان ينخفض المستوى الاقتصادي في الدول الصناعية الغربية عام 2009 نحو 3.1 في المئة». وفي شرح أوسع حول ملامح التحولات الإيجابية، أورد تقرير «أوبك»: بينما يستمر التشاؤم مهيمناً على الأخبار الاقتصادية، خصوصاً مع الازدياد الملحوظ لأرقام البطالة في الولاياتالمتحدة ودول أخرى، بدأت تظهر إلى العلن بعض التطورات الإيجابية الواعدة وذلك على رغم المؤشرات السلبية العديدة. لقد ظهر تحسن ملحوظ في سوق العقارات الأميركية في شباط (فبراير). كما ان هناك انخفاضاً ملموساً في كمية المخزون من السلع المعمرة، ما يدل على زيادة الطلب. وهناك تحسن ملموس ولو بسيط في القطاع الصناعي للشهر الثالث على التوالي، مع ازدياد نسبي في طلبات الشراء بالجملة. وهناك ازدياد في الطلب على شراء السيارات في كل من الولاياتالمتحدة وأوروبا. أما في الصين، فانتعشت الصناعة، ما زاد من التفاؤل بأن المساعدات الحكومية للشركات المتعثرة قد نجحت وستتبين آثارها في شكل أوضح في أرقام النصف الثاني من السنة، على رغم ضعف الصادرات». لكن، يضيف تقرير «أوبك»: «في الفترة ذاتها، يتضح ان العلاقة ما بين بورصات الأسهم وأسعار النفط توطدت مجدداً. فبعد ان استقرت الأسعار على مستوى 40 دولاراً خلال الأشهر الأولى من السنة، ارتفعت قيمة سلة أوبك إلى نحو 50 دولاراً متزامنة مع الارتفاع الذي حصل في بورصات الأسهم العالمية». أما بالنسبة إلى انخفاض الطلب العالمي على النفط، يشير تقرير «أوبك» إلى ان التوقعات هي «انخفاض الطلب العالمي على النفط الخام خلال عام 2009 وذلك للسنة الثانية على التوالي»، ويتوقع «ان يبلغ الانخفاض نحو 1.4 مليون برميل يومياً». لكن توقعات التقرير الشهري لوكالة الطاقة الدولية جاءت متشائمة جداً إذ أورد ان «انخفاض الطلب العالمي على النفط الخام عام 2009 سيبلغ نحو 2.4 مليون برميل يومياً». ورجحت الوكالة ان يكون الطلب على النفط الخام خلال عام 2009 نحو 83.4 مليون برميل يومياً، وهو المستوى ذاته الذي كان عليه خلال عام 2004، أي قبل ان تبدأ الطفرة السعرية لأسعار النفط. لكن تقرير وكالة الطاقة اتفق مع تقرير «أوبك» بتأكيده ان «أسعار النفط الخام أخذت أخيراً تتبع التوقعات حول الاقتصاد العالمي، متطلعة إلى مؤشرات إيجابية. لكن، في الوقت ذاته، لا تزال هناك عوامل أساسية سلبية في الأسواق تردع تحسناً أوسع في الأسعار». بمعنى آخر، تتفق الوكالة التي تمثل مصالح الدول المستهلكة والصناعية مع منظمة «أوبك» على حصول تحسن بسيط في الأسواق أخيراً، مع تواجد عوامل سلبية قوية لا تزال مهيمنة وتمنع أي تحسن ملحوظ في المستقبل المنظور. يذكر ان كلاً من الرئيس الأميركي باراك أوباما ورئيس مجلس الاحتياط الفيديرالي الأميركي بن برنانكي أطلقا الأسبوع الماضي تفاؤلات حذرة حول الاقتصاد. فقد قال أوباما ان هناك «مؤشرات على نمو اقتصادي» لكنه شدد في الوقت ذاته على ان المرحلة الحالية لا تزال صعبة، بينما حذر برنانكي من «مؤشرات حذرة» فيما معدل الانكماش الاقتصادي آخذ في التراجع. وحذر كل من أوباما وبرنانكي من ان التعافي من الأزمة الحالية لا يزال مبكراً، وان معدلات البطالة ستستمر في الارتفاع. * كاتب متخصص في شؤون الطاقة.