«تختزن عُمان قصصاً جَمّة عن تطوّر الحياة على الأرض، وأشكالاً عِدّة تتحدّث عن متغيّرات البيئة في كوكب الأرض، إذ ظهرت في عُمان أجناس من الكائنات الحيّة، وتضمّ أرضها أيضاً أدلة على الأنواع الأولى للأسماك والنباتات التي نشأت في الأرض. وفي عُمان، عاشت ديناصورات وفِيَلَة أثناء عصور قديمة تماماً. وربما عَبَرَ الإنسانُ أرضَ عُمان قادماً من أفريقيا، لينتشر في سائر بقاع العالم. وعلى أرض عُمان أيضاً، نشأت حضارات مختلفة، ما أعطى تلك الأرض عُمْقاً تاريخيّاً كبيراً». بعد تلك المقدمة التي كثّفت قصّة تاريخ الحياة في عُمان، طاف الدكتور محمد الكندي، رئيس «الجمعية الجيولوجية العمانيّة»، على الحياة البشرية في تلك البقعة من الأرض، في سياق محاضرة قدّمها أخيراً في «النادي الثقافي» في مسقط. الأحفوريّات العُمانيّة يرى الكندي أن جيولوجية عُمان لا تزال غير مكتشفة تماماً،» توجد لدينا مجموعة من أروع نماذج الأحفوريّات والتكوينات الجيولوجيّة التي لم نكن نعرف أهميتها العلميّة. ومع البحث والتقصّي، وبمساعدة من اختصاصيي علم الأحفوريّات، تبيّن أن بعض ما اكتُشِفَ في عُمان له قيمة علميّة رفيعة». ويشير الكندي إلى أن جزءاً كبيراً من الصخور في عُمان، مع ما تحويه من بلورات وأحفوريّات ومعادن، لم تدرس بالتفصيل من قبل الجيولوجيين، ما يدفعه إلى عدم استبعاد إمكان حدوث اكتشافات مهمّة علميّاً في ذلك المجال. كذلك يشير الكندي إلى أن خلال معظم مراحل تاريخ المنطقة الجيولوجي الممتد لأكثر من 700 مليون عام، كانت عمان تتواجد على الحافة الشرقيّة للصفيحة التكتونيّة العربية، في موقع يطل على المحيط الهندي، تماماً كحالها حاضراً. ويشير إلى أن التيارات المائيّة الكبيرة في المحيطات، ساهمت في تنقّل كثير من أنواع الكائنات بين مناطق جغرافيّة متباعدة، بل أن بعضها يبعد عن بعضه الآخر آلافاً من الكيلومترات. وأدى ذلك إلى حدوث تشابه في الأحفوريات التي تضمّ بقايا من تلك الأنواع. وأدرك البشر ذلك التشابه، حتى قبل أن يكتشفه علماء الجيولوجيا والأحفوريات. ويذكّر الكندي بأن مناخ عُمان شهد تقلّبات واسعة عبر العصور، فتنقّل بين المناخ البارد والاستوائي والحار، كما ارتفع مستوى مياه البحر (وانخفض أيضاً)، بمئات الأمتار مقارنة بمستوياته حاضراً. ولفت الكندي إلى أن المنطقة عينها عاشت تاريخاً طويلاً من المتغيّرات التي كان بعضها كوارثيّاً، ما ساهم في انقراضات جماعيّة لأنواع الكائنات الحيّة. في المقابل، استطاعت الكائنات الناجية من تلك الانقراضات أن تعيش وتتكاثر وتتنوع وتنتشر في ربوع الأرض، كحال نجاة أنواع من الطيور أثناء حقبة انقراض الديناصورات. ولاحقاً، انتشرت تلك الطيور في أماكن كثيرة ومتباعدة. ويلاحظ الكندي أيضاً أن الأحفوريات في عُمان تحوي معطيات كثيرة عن تفاصيل القارات والمحيطات، إضافة إلى أنواع المناخ وتقلّباته. وتوفّر تلك الأحفوريات عينها معلومات كثيرة عن التطوّر البيولوجي عبر العصور الجيولوجيّة المختلفة. وبتحفّظ علمي عميق، يعرب الكندي عن قناعته بأن تلك الأحفوريات لا تمثّل سوى نزر يسير من الأعداد الهائلة من الكائنات الحيّة التي عاشت في الأرض عبر العصور المختلفة. ويقول: «بتنا نعلم اليوم أن بعض أنواع النباتات والحيوانات التي تحتوي أعضاء صلبة، هي التي تكون محفوظة في طبقات الصخور. أما تلك الكائنات الرخوة التي لم تحتوِ أجزاء صلبة في هياكلها، فغالباً ما يصعب أن يتلبّث دليل على وجودها، إلا في أحوال استثنائيّة من ظروف البيئة والجيولوجيا». ويشير الكندي إلى الأهمية الاقتصاديّة للأحفوريات، مُلاحِظاً أن الجيولوجيين يستخدمونها في تحديد أعمار الصخور والبيئات التي ترسبّت فيها، وهو أمر مهم جداً بالنسبة لأعمال تطوير مصادر النفط وغيرها. وأضاف: «حبوب اللقاح والأنواع النباتيّة الموجودة في طبقات صخور تعود إلى 300 مليون عام، ساهمت في تحديد أعمار مكامن البترول في عمان. وساهمت أحفوريّات الكائنات البحرية، خصوصاً الأصداف، التي عُثِر عليها في مكامن النفط والغاز، في رفع مستوى كفاءة تلك المكامن». ويذكّر الكندي بأن 88 في المئة من عمر الأرض، تشكّل ما يشار إليه باسم «الفترات السحيقة القِدَم» التي لا يُعرف شيء عنها، مُلاحظاً أيضاً أن البكتيريا تمثّل أقدم الأنواع الحيّة على الأرض بمعنى أنها ظهرت قبل قرابة بليون سنة. وأفاد الكندي أيضاً بأن الكائنات التي وُجِدَت في مراحل التاريخ على الأرض، تزيد على 30 بليون نوع، لكنها تناقصت حتى وصلت في العصر الحالي إلى قرابة مائة مليون نوع! الأرض كرة نار ثم... جليد ويوضح الكندي أن أرض عُمان انتقلت من موقع إلى آخر، بأثر التحرّكات الكبرى للقارات. ففي فترة معيّنة، كان موقعها بالقرب من القطب الجنوبي، ثم انتقلت لتصبح قريبة من خط الاستواء، مع ملاحظة أن عُمرها يقارب البليون سنة، وهو أيضاً عمر الصفيحة الجيولوجيّة للجزيرة العربيّة. في نفسٍ مُشابِه، يتطرّق الكندي إلى «الفترات السحيقة القِدَم»، مُذكّراً بأن الأرض كانت تشبه كرة من اللهب في المراحل الأولى من تشكّلها ضمن المجموعة الشمسيّة. وبيّن أن الماء عنصر حاسم لظهور الحياة، بل أنه يفوق أهميةً الأوكسجين الذي ربما كانت الأنواع الحيّة الأولى تنتجه بنفسها. وبعد حقب مديدة، تحوّلت الأرض كتلة من الجليد، بأثر من عوامل مناخيّة وكونيّة معقّدة. وأشار الكندي أيضاً إلى أن أقدم الكائنات الحيّة التي ظهرت في عُمان، كانت البكتيريا التي تتجمع على شكل كرات. ويضيف: «من المخلوقات القديمة التي ظهرت أيضاً كائن يسّى ال «أكريتارك»، وهو نوع من الميكروب البحري. ثم حصلت طفرة في التطوّر، مع ظهور كائنات متعدّدة الخلية. ولم تغادر الأنواع الحيّة الماء لفترة تقارِب ال470 مليون عام. ويجدر ملاحظة وجود فارق بين «الفترات السحيقة القِدَم» من جهة، والمراحل التي تُسمّى «الحياة القديمة» في عمر الكرة الأرضية. ففي حقبة «الحياة القديمة»، ظهر حيوان ال «ترايلوبايت» الذي انقرض مع انتهاء حقبة «الحياة القديمة»، مع ملاحظة أن بقايا ذلك النوع عُثِر عليها في صخور عُمان أيضاً».