أحد أكثر الهواجس لدى أي فنان تشكيلي هي تفاعلات المتلقي مع عمله، وما يخطر في باله خفية في حال ابتعد عن محيط اللوحة، وبعبارة أدق أتكلم عن جدوى الأثر اللوني في ذاوت البشر. حتماً لن نتمكن من التعرف عليه بشكل مباشر؛ إذ إن التجربة التراكمية تختلف من فرد للآخر. لكن لو جربنا افتراضاً أن نفتش في الضفة الأخرى من العمل فلدينا أنماط من المتلقين. المشكك فيما يرى ويحتاج إلى تأكيد أن ما يراه حقيقي، ربما لخشيته من تداعيات خيالاته، والجاحد للفكرة. كما يوجد من يجرب أن يلغي المقترح وافتراض الفنان الجمالي كاملاً. هناك المتصفح للطاقة اللونية والمتسائل حول انحسار الخيارات المعروضة. وليس بالضرورة هنا أن يمثل اللون ماهيته اللونية ذات نفسها. لو أخذنا اللون باعتبار أنه ليس إلا انعكاساً لفكرة ما وكل درجة منه تعكس زاوية مختلفة وظلال ما يخبئ معنى أعمق. أو ربما سؤال. السؤال الذي يحث على الركض والبحث لفهم حقيقة ما. هناك من المتلقين السلبي في تعامله مع الفكرة البصرية بأكملها، ويجرب جاهداً أن يخنقها بكلمات محدودة تحد من المعاني التي يجرب أن يفتش عنها الفنان. هناك المُغير الذي يرفض المقترحات والمتغير الذي يمتص كل الخطة الافتراضية لذلك العمل التشكيلي. أيضاً قد يفاجئنا ذلك المتفاعل اللوني الذي يتردد حول العمل ويعيد اكتشافه بطريقة مغايرة كل مرة. هناك الذي يدور حول فكرة واحدة حادة ويختبئ خلفها، كنوع ربما من التصدي لكيمياء المكان. هناك المنطلق من أسوار ذاته. هناك المراقب للمراقبين. وهناك الباحث عن الحشد وتفاقهم عند نقطة واحدة شكلاً. ويوجد الباحث عن الفكرة غير المألوفة. وهناك الهارب من محيطه. هنا المؤدلج لكل نقطة المقلب للمعاني. ويوجد العبثي الذي يقلب الألوان بتساؤلاته ويخرج فارغاً منها. في النهاية كل تلك الأنماط من المتلقين، سواء أكانت المتصادمة أم المتصالحة، يتفاوت قطعاً تفاعلهم مع التشكيلي وما قد يعنيه لهم لو أغفلنا أساساً مدى اهتمامهم به. ويظل الاختلاف أو الاتفاق من أشكال مسألة أساسية في نسيج أي مجتمع، فهو حال صحية وتكون صحته في التعايش سوية. وإيماناً بذلك التباين انطلقت فكرة قام بها رفاقي فريق «عنقود» بالتعاون مع لومار في العاصمة الرياض في معرض «نبض» الذي نظم في وقت سابق واتخذ من «وجهة النظر» موضوع لطرح الأعمال الفنية المشاركة. ومن خلاله شغل مخيلتي شيء من الفضول حول تعدد الأدوار اللانهائية في افتراض شخوص وأفكار الزوار المتلقين.