ليس لأنه فنان موهوب وحسب، بل لأن محمد الشهري يقتحم الفن وهو يعي مسؤوليته ويستشعر أهمية الجمال وحساسية التعامل معه، واليوم ونحن نرى الشهري يعود في معرضه الشخصي الرابع وهو لا يزال يرتقي بفنه ويتمسك بصداقته التي عقدها مع اللوحة والفرشاة قبل ما يزيد على عقدين من الزمان ولا نكاد نخرج مستبشرين من تأمل لوحة من أعماله، إلا وانجذبنا إلى اللوحة المجاورة فتأخذنا إلى فكرة فنية جديدة ترتبط بصاحب العمل ولا تنفك عنه ولا يستطيع المتلقي إلا أن يجزم بانتمائها للشهري وتفردها من بين لوحات وأعمال كثيرة. ليس غريباً والحال هذه أن نكتشف ما يطرحه محمد في معرضه المقام حالياً في أتيليه جدة للفنون الجميلة ورعاه وكيل وزارة الثقافة والإعلام للشؤون الثقافية الدكتور ناصر الحجيلان، وما يعبر عنه من خلال محاكاته للطبيعة والانسجام التام بينه وبين الألوان، فاللغة البصرية التي يبتكرها الشهري تخرجنا من حال الصمت إلى الاندهاش ومن التأمل إلى البحث والسؤال، ولا تبقى مساحة من اللوحة إلا وعبرت عنها أنامل الشهري وسددت خبطات الفرشاة مسطحات اللوحات، فالتزمت العمل واستفاقت الفكرة وحفظت مكانها بجدارة كبيرة. إن الولوج إلى مدارس الفن ليس بالأمر السهل كما يقول محمد: «لأن الفنان عليه أن يتحصن بموهبته وثقافته واطلاعه على أعمال الفنانين المميزين في كل مدرسة ومحاكاتهم في الطرح والتعبير، ومن ثم الاعتماد على النفس في تقديم الجديد وليس التكرار أو التبعية». هكذا يعي الشهري دوره في الفن والتعاطي مع المدارس الفنية ويضيف: «إن الفنان يحمل مسؤولية عظيمة تجاه الفن والمجتمع وهو من يعكس للآخرين جمال الأشياء ورقَّتها حتى لو استخلصها من مخلفات البيئة المهم أن يضع بصمته عليها ويخلق فنه منها». وحول تجربته يتحدث مدير أتيليه جدة هشام قنديل فيقول ل«الحياة»: «إننا أمام تجربة فنان شاب يسعى إلى تحقيق حضوره وتميزه الجمالي وسط هذا العدد الهائل من الفنانين التشكيليين، ويأتي تجريد الفنان محمد الشهري من النوع البنائي وليس العشوائي، من حيث المساحات والخطوط وذلك بإيقاعات خطية لتحقيق التناغم بين الفاتح والغامق والتدرج اللوني لتحقيق الرؤية البصرية». فيما يؤكد الفنان احمد منشي «أن تجربة الشهري ذابت فيها الخصوصية والهوية كلغة صالحة للتخاطب والنمط الموحد، وتميزت تجربة الفنان محمد بمعالجة خامة الخيش وتوظيفها في شكل متزن دالة على تمكنه من السيطرة على الفراغ وإحساسه المرهف لما تتركه تلك الخامة من أثر على السطح». في حين يوضح الدكتور سعد العبد، أن أعمال الفنان محمد الشهري في مجملها تتميز بكثافتها اللونية وحلولها الإبداعية المتنوعة، والمتلقي لأعماله يكتسب من الخبرة البصرية ما يؤهله للتذوق والإبداع والمتأمل في التكوينات التشكيلية يلاحظ ما تمتاز به من تنظيمات جمالية وإيقاعات خطية ذات إيحاء بالتناغم والترديد». واعتبرت الناقدة اللبنانية الفنانة ضحى عبدالرؤوف اللغة البصرية في تجربة محمد، «تحاكي الخط واللون والمساحة والشكل والحجم وسماكة المعاجين مع شفافية اللون وكأنه ينقش في الذاكرة بُعد الأمكنة الدينية وأهميتها الجمالية، من خلال فن واقعي رمزي وتجريدي له إيقاعات خاصة متناغم مع أشكال ذات طرازات تعبيرية، تحقق الترابط الفني بين المادة والشكل». من جهته، يقول وكيل وزارة الثقافة والإعلام الدكتور ناصر الحجيلان: «إن الوزارة حين ترعى المعرض الشخصي الرابع للفنان محمد الشهري فإنها ترى فيه الفنان التشكيلي المبدع، الذي يقدم لمتذوقي الفن التشكيلي صورة أكثر إشراقاً لإبداع فني مميز». يذكر أن المعرض الذي يستمر عشرة أيام شهد حضوراً كبيراً من المثقفين والفنانين والإعلاميين، ودشن الشهري كتابه «رحلتي مع اللون» ويضم سيرته وذكرياته التشكيلية ومشاركاته المحلية والدولية وشهادات نقدية حول تجربته الفنية.